أجمع أمس، الاثنين، قانونيون واقتصاديون، من قسنطينة، على وجود إرادة سياسية لتطوير الحركية الاستثمارية في الجزائر، حيث أكدوا أن مختلف الدوائر الوزارية، تشهد تغيرا جذريا في أنماط التسيير، كما أن القانون 18/22 المتعلق بالاستثمار ومختلف القوانين الجديدة، قد أتت بتدابير وتحفيزات وضمانات من شأنها الدفع بالاقتصاد الوطني، وهو ما تجسد أيضا في تحسن محسوس في المداخيل الوطنية بالعملة الأجنبية، وكذا ميزانية الخزينة العمومية. ونظم مساء أمس، مجلس قضاء قسنطينة، يوما دراسيا حول الحماية القانونية للاستثمارات، حيث ذكر الأستاذ بجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية، الدكتور عقبة سحنون، في مداخلته حول آليات تحسين مناخ الاستثمار في الجزائر، أن الاقتصاد الوطني يشهد في السنوات الأخيرة عديد الإصلاحات على الصعيدين التنظيمي والتشريعي، بغرض تعزيز التنافسية الكلية وهو ما تجسد في التحفيزات الممنوحة للاستثمار المحلي والأجنبي، التي أقرّها القانون 22-18 المتعلق بالاستثمار من جهة، والعمل على تحقيق الأهداف المتعلقة بتعزيز أوضاع الجبهة الاجتماعية وتحسينها من جهة أخرى. وفضلا عن الإطار التنظيمي المتعلق بقانون الاستثمار، فقد أكد المتدخل، أن مختلف الدوائر الحكومية ذات العلاقة المباشرة بتحقيق التنمية الاقتصادية سجلت تغيرا جذريا في نمط تسييرها وفي توجهها الاستراتيجي بما يخدم السياسة الاقتصادية العامة ، ولعل أهمها، مثلما قال، عصرنة النظام المالي والنقدي و تبني التوجه الرقمي نحو أداء الخدمات ذات الصلة بالاستثمار والعمل على تحديد أولويات الاقتصاد الوطني، في مجال الاستثمار المنتج للثروة والمحافظة على الدخل الوطني بالعملة الأجنبية. وأبرز، المتحدث، أنه قد سجل تنويع وضبط معايير الإنفاق العام مع توجيه النفقات العمومية نحو النشاطات الاستثمارية وتقليص الإنفاق العمومي على القطاعات الاستهلاكية غير المنتجة للثروة، مع تقليص الاعتماد على ضرائب الأفراد «فئة الأجور» لتحسين القدرة الشرائية ودعم الطلب الكلي ، بالإضافة إلى الحفاظ، مثلما أكد، على مستوى مقبول من التحويلات الاجتماعية، تكريسا لمبدأ الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية والاقتصاد الوطني الذي أقره التعديل الدستوري الأخير. وأبرز الدكتور، أن الدولة وضعت استراتيجية تنموية خماسية تقوم على تنافسية الاقتصاد الوطني و رسم العلاقات الاقتصادية الجزائرية مع الشركاء الاقتصاديين الأجانب وفقا لمبدأ رابح رابح، في حين تم تنصيب لجنة وطنية تتكون 10 دوائر وزارية مكلفة بمتابعة المشاريع الاستثمارية المتوقفة، لاستحداث قرابة 52 ألف منصب عمل مباشر وغير مباشر. أما فيما يتعلق بعصرنة النظام المصرفي، فإنه يتم العمل حاليا، وفق ذات المتدخل، على تطوير القطاع البنكي والمالي، مع تبسيط إجراءات فتح وكالات جديدة من قبل البنوك القائمة النشطة في السوق البنكية الجزائرية من قبل بنك الجزائر، وتطوير شبكة مؤسسات التأمين كمصدر رئيسي للسيولة في السوق النقدية بعد الإيداعات المصرفية، فضلا عن تسريع وتيرة استحداث بنوك جزائرية عمومية في الخارج، وهو ما يتجسد في فتح بنك عمومي في العاصمة الفرنسية، وآخر بمنطقة غرب إفريقيا السنغال وكذا موريتانيا، مع التحضير لإدخال بنكين عموميين إلى البورصة. واعتبر، الأستاذ المتخصص في العلوم الاقتصادية، أن العمل على تطوير السياسة الصناعية والتجارية قد تجسد، في استكمال مساعي رقمنة القطاع التجاري، لضبط السياسة التجارية الداخلية في مجالات توفير السلع الأساسية ذات الاستهلاك الواسع وفي مجالات فرض الرقابة وضبط السلوكات التجارية للأعوان الاقتصاديين، من خلال اعتماد سياسة تجارية صارمة في مجال المبادلات الخارجية. وأكد المتدخل، أن هذه السياسات قد آتت أكلها، من خلال تحسن محسوس في المداخيل الوطنية بالعملة الأجنبية، أين وصلت إلى 40.63 مليار دولار سنة 2022 وذلك حتى نهاية الربع الثالث، مقارنة بالعام 2021 أين سجلت الإيرادات نحو 31.98 مليار دولار خلال نفس الفترة، كما يتوقع أن يصل رصيد العملة الأجنبية إلى حدود 54 مليار دولار نهاية السنة الحالية مقارنة بنهاية العام الماضي، أين وصل إلى نحو 43 مليار دولار. وتابع، أنه سجل أيضا تحسنا ملحوظا في ميزانية الخزينة العمومية، مع الحفاظ على التمويل بعجز الميزانية لتحقيق معدلات نمو حقيقي موجبة على المدى المتوسط، أين سجلت معدلات النمو حدود 3.5 بالمئة نهاية سنة 2021 بعدما قدر الانكماش سنة 2020 بنحو 5.1 بالمئة، كما يتوقع أن يلامس معدل النمو حدود 4.8 بالمئة، لهذه السنة مدعوما بارتفاع الإنتاج الحقيقي في مستويات النفط والغاز، مشيرا إلى أنه في ظل هذه النتائج استقر عجز الميزانية حتى نهاية الربع الثالث لسنة 2022 عند مستوى 21 مليار دولار بأحسن من التوقعات، التي جاءت في حدود 31 مليار دولار في قانون المالية لسنة 2022. وأوضح، المدير الفرعي للتقنيات الجمركية بالمديرية الجهوية للجمارك، أوحينية الجيلالي، في مداخلته بعنوان، الامتيازات الجمركية والجبائية في مجال الاستثمار، أن أحكام القانون 18/22 الصادر في جويلية من العام الجاري، تهدف إلى تشجيع الاستثمار من خلال تطوير قطاعات النشاطات ذات الأولوية وذات قيمة مضافة عالية، وضمان تنمية إقليمية مستدامة ومتوازنة، مع تثمين الموارد الطبيعية والمواد الأولية المحلية،فضلا عن إعطاء الأفضلية للتحويل التكنولوجي وتطوير الابتكار واقتصاد المعرفة، وتعميم استعمال التكنولوجيات الحديثة، وكذا تفعيل استحداث مناصب الشغل الدائمة وترقية كفاءات الموارد البشرية، بالإضافة إلى تدعيم وتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني وقدرته على التصدير، كما تحدث أيضا عن الأنظمة التحفيزية، والمزايا الجبائية المتعلقة بكل وكذا الإجراءات الجديدة التي في مجملها إلى تقليص آجال الجمركة. من جهته، أكد وكيل الجمهورية المساعد لدى محكمة الخروب، صابر محمد الصديق، في مداخلة تحت عنوان، الضمانات الممنوحة للاستثمارات الأجنبية في ظل التشريع الجزائري، أن أحكام القانون الجديد،18/22 جاءت بعدة تدابير، لعل أبرزها مثلما أكد،تطبيق مبدأ الشفافية و المساواة بين المستثمر الوطني والأجنبي، وكذا مبدأ حرية الاستثمارات، مشيرا إلى أن تطبيق مبدأ الثبات التشريعي والاستقرار القانوني من خلال عدم إلغاء قوانين الاستثمار ، يعد عاملا مهما في تطوير الاستثمار، لاسيما وأن المستثمر الأجنبي يولي أهمية بالغة للمنظومة القانونية، التي تمنح له من طرف الدولة المستقبلة. و تطرق، وكيل الجمهورية، إلى وجود ضمانات كثيرة ، من بينها مبدأ ضمان تحويل رأسمال المستثمر والعائدات الناجمة عنه، وكذا ضمان الحقوق الفكرية للمستثمرين الأجانب ، فضلا عن مبدأ الحق في الطعن، وتسوية النزاعات في إطار القضاء الوطني كأصل، مع تسوية المنازعات الاستثمارية في إطار التحكيم. وأكد، المتحدث، أن الضمانات التي منحتها الدولة في هذا المجال تعتبر عاملا مهما ، في تشجيع الاستثمار وجلب المستثمرين، لاسيما فيما يتعلق بتطبيق الرقمنة، من خلال إيداع ومتابعة الاستثمار عبر منصة المستثمر، وهو من شأنه أن يقضي على البيروقراطية الإدارية، مقترحا منح تحفيزات أكبر لقطاعات خارج المحروقات، على غرار القطاعين الفلاحي والسياحي، وتسهيل إجراءات منح العقار الصناعي، وكذا الإجراءات الخاصة بانطلاق المشاريع الاستثمارية، مع تطوير البنى التحتية وهياكل الاستقبال، وتحسين مرونة سوق العمل.