ستسقطُ أشياءٌ كثيرة بعد هذه الحرب، وسيُعاد النّظر في كثيرٍ من المفاهيم التي تحوّلت إلى معتقدات لدى نخبٍ من "عالمنا" آمنت بالقيّم التي يدعيها الغرب و"نزّلتها" على واقعٍ له وضعيّته الخاصّة، وضعيّته المأساوية التي تسبّب فيها الغربُ بالذات بهوسه الكولونيالي الذي أثبتت الأيام أنّه لم يُعالج بعد. سيسقطُ الغربُ بحريّته الكاذبة، وإنسانيّته التي لا تشمل جميع البشر و نخبه التي لا تكترث لقتل الأطفال، بل تتحدّث عن حربٍ حضاريّة بين طرفين أحدهما متوحّش، وتجد المبرّرات للقتلة الذين يمتلكون وسائل الإعلام ويديرون مجموعات الضّغط التي تمكّن من الفوز في الانتخابات بناء على بروتوكولات الطّاعة العمياء. سيُعاد ضبط المصطلحات في القاموس العربي الذي أفسده مُجتهدون متأخرون خرجوا من منعطفات التاريخ القاسيّة ولم يصعدوا من إرادة الشعوب الطامحة إلى سلامٍ ورفاهٍ لا حيف ولا ذلّ فيهما، كما سيُعاد النّظر في كثيرٍ من المسلّمات التي استكانت لها النّخب العربية التي كفّت عن رؤية معاناة شعبٍ مشرّد، بل أن مناصرة القضيّة تحوّلت إلى تهمة بالتخلّف والماضوية في عرف صحافة ودبلوماسيّة مستجدين، وتحوّل ترديد خطاب الباطل إلى براغماتيّة، وفق ما تروّجه مراكز قوى عربيّة متصهينة وتتبنّاه نخبٌ أفسد الطّمع طباعها. ستسقطُ مشاريع الاستقواء بالكيان المُختلق التي أطلقها عربٌ حاولوا إيهام شعوبهم بأن مدّ اليد لقتلة الفلسطينيين سيمكّنهم من تحسين التعليم والزراعة والصحة وامتلاك بطاقة سحريّة للتطوّر والازدهار ولعب أدوار على المسرح الإقليمي والدولي، وإيذاء إخوانهم كلّما دعا داعٍ إلى ذلك! ستسقطُ صفقات تدعيم الدكتاتوريات مقابل السكوت عن الحقّ، وصفقات تزويد الأنظمة ببرامج تجسّس على شعوبها مقابل تقبّل الكيان كما هو. قالها "مفكرون" في الغرب ويردّدها ساسةٌ ومحلّلون اليوم: إنها حربٌ حضاريّة، و منهم من لا يتحرّج في إخراج التعريفات الدينيّة للحضارة. نعم، إنهم أصوليّون و يفتخرون بهذه الصفة في بلاتوهات التلفزيونات الغربيّة وهم يرتشفون كؤوس الدم. سيسقطُ انبهارنا بمن كان يُبهرنا للمرّة الأخيرة، و نراه كما هو: القاتل القديم الذي يحاول إخفاء حقيقته، خلف رصانةٍ يفضحها أول انفعال. وربما سيبدأ العلاج من هنا، من الوعي بأنّ الآخر كما هو ومن التّعاسة دعوته لتغيير موقعه بالشكل الذي يخدمنا، ومن الوعي بالوضعيّة الحضاريّة التي لا يمكن تغييرها بالشعارات ولا بالحماسة، بل بالأخذ بأسباب القوّة التي تجعل سكّان غابتنا لا يتجاسرون علينا، وذلك يمرّ حتمًا عبر التحرّر من الاستعمار وبقاياه و وكلائه ومراسليه المحليّين، وبناء الذات على أسسٍ صحيحة، والكفّ عن إعادة إنتاج مسبّبات "الوضع الراهن".