مشروع قانون حماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وترقيتهم يكرس المقاربة المدمجة لترقية هذه الفئة    تصنيف ملف "الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير" في قائمة اليونسكو تم على أساس القيمة الأصيلة للمهارات والمعارف المرتبطة به    أمنا عائشة رضي الله عنها..!؟    تعويض عادل عن نزع ملكية مشروع منجم الزنك بأميزور    تطور متسارع للعلاقات الجزائرية الموريتانية على مختلف الأصعدة    انطلاق المؤتمر الإفريقي للشركات الناشئة في طبعته 3 بالعاصمة    جرائم المستعمر الفرنسي في الجزائر لا تسقط بالتقادم    إمعان في الجريمة وإصرار على حرب الإبادة    آيت نوري وحاج موسى ومازة يلهبون الميركاتو في "البريميرليغ"    دورة دولية بالجزائر هذا الشهر    قادرون على تحقيق مشوار إيجابي    إطلاق استبيان وطني لتقييم وتقويم الرقمنة بقطاع التربية    الرئيس تبون يترأس مراسم تكريم النخب الرياضية العسكرية    مسرحية تعكس قدرات أطفال "متلازمة داون"    2025.. سنة تعميم الدفع الإلكتروني    إنتاج 18 مليون قنطار من الحمضيات هذا العام    صهاينة يدنّسون الأقصى    غرباء يصولون ويجولون داخل الحرم... والمخدرات مشكل أخطر    وزير التربية يستقبل رئيسي لجنتي التربية بغرفتي البرلمان    سيدي السعيد ومزيان يلتقيان مدراء القنوات الخاصة    خليف تتدرّب في أمريكا    زغدود مدرباً جديداً لآقبو    استثمارات أوروبية بقيمة 2.5 مليار دولار بالجزائر    جامعة وهران 1 تتحصل على وسم رابع    الإطاحة بمحتالين    ضبط 6884 كبسولة مهلوسات    توقيف طبيبة غير شرعية    الجزائر تتضامن مع شقيقتها سوريا    دعوة إلى تعميم استعمال الذكاء الاصطناعي    القدورة والملحّفة في قائمة اليونسكو    مرافعة دولية عن قضية عادلة    الجزائر تسعى لحظر التجارب النووية    الجزائر-جنوب إفريقيا: عهد جديد لعلاقات تاريخية متينة    رئيس الجمهورية يكرم الرياضيين العسكريين المتوجين بالميداليات في الطبعة الثانية للألعاب العسكرية الإفريقية    الشلف..استحداث لجنة لمراقبة الجودة بالمعرض الوطني للعسل    وزيرة الخارجية البوليفية تؤكد على موقف بلادها الثابت والداعم لكفاح الشعب الصحراوي العادل    في الذكرى ال30 لوفاته..إبراز بطولات المجاهد الراحل العقيد محمدي السعيد    ربيقة يدعو لاستحضار المعاني في سيرة ماضي الجزائر المجيد.. "محرقة الأغواط" جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم    وزير المالية:"2025 ستكون سنة الاستخدام الشامل لأدوات الدفع الالكتروني    نزع الملكية الأراضي لفائدة مشروع منجم الزنك والرصاص ببجاية : عرقاب: الدولة ستعوض المواطنين المعنيين بصفة مرضية وعادلة    البويرة تضيء على زاوية الشيخ الحمامي في ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر    بوغالي يستقبل من طرف رئيس برلمان عموم أمريكا اللاتينية والكاريبي "البرلاتينو"    حملة توعوية من مخاطر غاز أحادي أكسيد الكربون بالجامعات    البليدة..إصابة 16 شخصا بجروح في حادث اصطدام بين ثلاث مركبات    العدوان الصهيوني على غزة: 440 حالة اعتقال في الضفة والقدس خلال نوفمبر الماضي    كاس الكونفدرالية الافريقية/نادي جاراف-اتحاد العاصمة: أبناء الزي "الأحمر والأسود" يحلون بدكار    تنظيم المهرجان الدولي الثالث للفيلم الوثائقي " سيدي امحمد بن عودة" في ديسمبر بغليزان    وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني يعقد اجتماعا بمجمع صيدال    نحو إعادة هيكلة مجمع "صيدال"    نشر الكتب بطريقة البراي لفائدة المكفوفين : "الإبصار بالمعرفة" تجربة رائدة في الجزائر    اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة: عرض مسرحية "محكمة الغابة" بالجزائر العاصمة    نسوا الله فنسيهم    تطعيم المرأة الحامل ضد "الأنفلونزا" آمن    إنتاج صيدلاني: دراسة إمكانية إعادة تنظيم وهيكلة مجمع صيدال    المغرب: تصعيد احتجاجات الأطباء و الدكاترة العاطلين عن العمل في ظل تجاهل الحكومة المخزنية لمشاكلهم    الصلاة هي أحب الأعمال إلى الله والسجود وأفضل أفعالها    هؤلاء الفائزون بنهر الكوثر..    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمام تطبيقات الترجمة و منتجات التكنولوجيا
نشر في النصر يوم 19 - 02 - 2024


أي جدوى للمعاجم في زمن الخوارزميات؟
تأتي المعاجم غنية بمفردات اللغة، حيث تحمل بين دفتيها الكلمات ومعانيها، كما تحيل إلى الحقل الدلالي للمفردة فيكون المؤلف والباحث قادِرَيْن على إنتاج أخرى في مختلف المجالات، عدا عن توظيفها في سياقها المناسب داخل الجمل والعبارات، كما أن الاستفادة من المعاجم بشكل صحيح تحسن مهارات الأفراد اللغوية، فضلا عن توسيع مفرداتهم فيعززون قدراتهم التواصلية، وفهم مختلف النصوص والمحادثات بشكل أفضل، لكن التطور التكنولوجي الكبير و ما أفرزته العولمة من تأثير على ألسنة البشر، بات يطرح تساؤلا عن وظيفة المعجم في زمن الخوارزميات و تطبيقات الترجمة.
إعداد: إيناس كبير
سارت المعاجم جنبا إلى جنب مع العلم والمعرفة منذ العصور القديمة، تساهم في إثراء اللغات وتطويرها بشكل مستمر، كما حظيت بشهرة واسعة في العالم العربي والعالمي تحفظ ذاكرة الشعوب والأثر الذي تركوه في الإنتاج اللغوي فشملت تعريف الكلمات وتفسيرها، ناهيك عن تاريخها وأصولها، لتزدهر الصناعة المعجمية وتتعدد مدارسها، وتوفرت المعاجم في أشكال وأحجام مختلفة تناسب احتياجات القراء وتواكب البيئة والعصر إلى غاية أن أصبحت تتمشَّى مع متطلبات مجتمعات المعرفة والمعلوماتية متحولة من الصيغة الورقية إلى القالب الرقمي بميزاته وخصائصه.
المعجم وعاء قادر على استيعاب اللغة و تطورها
يقول رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، صالح بلعيد، بأن المعاجم تأتي بعد اللغة، وقد عرَّفها بأنها مُدونة كبيرة جدا تحتوي على ألفاظ اللغة محددة في الحروف التسعة والعشرين، تكون مرتبة حرفيا بالنسبة للمعاجم الحديثة، أما القديمة وضح بأنها كانت مرتبة حسب مخارج الحروف.
أما الباحث وصاحب قاموس «معجم العامية الدزيرية بلسان جزائري مبين»، مهدي براشد، فيؤكد بأن المعاجم تأخذ عدة تعريفات، يرى بأن أهمها مأخوذ من «العجمة» و»أعجم»، أي لم يبن ولم يوضح، وتابع براشد على هذا الأساس :» المعجم هو كل مُصنف يعمل على الإبانة وإيضاح لغة معينة استعجمت وغُمت على متلقيها».
كما ترى البروفيسور في علوم اللغة وتعليمية اللغات الأجنبية، وأستاذة اللغة الفرنسية، بجامعة الإخوة منتوري قسنطينة 01، أشراف جغار، بأن المعاجم تعد موردا قيما للمتعلمين في جميع المستويات، تساهم في تعزيز كفاءاتهم اللغوية بدرجة كبيرة، وتوفر إمكانيات الوصول السريع إلى المفردات والتعاريف الواضحة باستخدام الأمثلة، فضلا عن المعلومات النحوية، ومؤشرات النطق والمرادفات والأضداد، بالإضافة إلى التعابير والعبارات الشائعة.
وتختلف وظائف المعاجم وفقا لجغار، فهي توفر أرشيفا قيما للتغيرات اللغوية بمرور الوقت، محافظة للأجيال على استخدامات اللغة وثرائها وتنوعها، إذ توثق للتطورات اللغوية من خلال تسجيل الكلمات الجديدة وما يطرأ من تجديد وظيفي ونحوي على معناها، وتابعت البروفيسور في علوم اللغة وتعليمية اللغات الأجنبية، بأن المعاجم غالبا ما تحدد معايير اللغة من خلال تحديد التهجئة الصحيحة، والنطق الصحيح والقواعد النحوية باستخدام الأمثلة، ما يجعله مرجعا يساعد الأفراد على التواصل فيما بينهم.
وتساهم المعاجم في نقل الثقافة والتاريخ، إذ غالبا ما تتضمن معلومات عن أصل الكلمات وتطور استخدامها تاريخيا عبر الشواهد المستعملة في توضيح سياق الكلمة، وقد أبرزها رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، فضلا عن الشعر، وفسر تسميتها بالشواهد لأنها تشهد على أن هذا العمل مقتبس من الحياة اليومية للفرد واستعمل سابقا قبل تدوينه في المعجم.
وتحفظ المعاجم تطورات النظام اللغوي للإنسان، كما يوضح مهدي براشد، إذ يأخذ طرقا واستعمالات متعددة، كما تدخل على اللغة ألفاظا أخرى تأتي من أمم مختلفة عبر الاتصال سواء عن طريق التجارة أو الاحتكاك، فضلا عن الترجمة، وكذا عن طريق الصراعات والنزاعات بين الأمم والحروب، و يردف المتحدث، بأن كل هذه العوامل تضمن احتكاك ثقافة بثقافة أخرى وبالتالي انتقال معجم لغوي معين إلى آخر.
أنواع مختلفة تلبي احتياجات القارئ
وتلبي المعاجم متطلبات المستخدم تِبعا لتنوع تخصصها، وذكر بلعيد المعجم المدرسي والوظيفي والإرشادي والتوجيهي، فضلا عن معجم التخصصات العلمية، مردفا أنه توجد أيضا معاجم خاصة بالترجمة تختلف حسب التوظيف اللغوي، فهناك معاجم أحادية اللغة وأخرى ثنائية، يضاف إليها المعجم المصغر ومعجم «الجيب»، وبفضل التطور التكنولوجي وما وفره في مجال التقنية ظهر المعجم الرقمي الناطق الذي يمكن تحميله عبر الإنترنت، وفي هذا السياق أفاد المتحدث بأنهم في المجلس الأعلى للغة العربية أنتجوا معجما تاريخيا في اللغة العربية يمكن تحميله من خلال شفرة القراءة السريعة، مضيفا بأنهم وضعوا حيز خدمة القارئ معجما خاصا بالبنوك تحتوي فهرسته على كل المفردات والألفاظ المتراكبة المرتبطة بكلمة ما، وأضاف المتحدث بأنهم أنجزوا أيضا دليلا ناطقا باللغة الإسبانية للموظفين والعاملين الأجانب بولاية الجلفة، ويقول بلعيد إنه بمجرد أن تطأ أقدامهم مطاري هواري بومدين الدولي يصبحون قادرين على فهم وتكلم اللغة العربية، حيث تتوفر فيه اللغة الوظيفية المستخدمة في المواصلات، والمصالح الإدارية، ومصلحة الحقائب، بالإضافة إلى المصطلحات الموظفة في المستشفيات، كما يتضمن أيضا خريطة ناطقة تحتوي على المعالم السياحية التي يجدونها على طول الطريق.
كما بَيّن المتحدث بعض الفروقات التي تميز المعاجم عن القواميس، والأدلة عن المتون اللغوية، قائلا بأن علماء اللغة يُعرِّفون القاموس على أنه ذلك المتن الذي يحمل اختصاصا أو مجالا واحدا، كالقاموس المدرسي، بينما يكون المعجم أعلى وأشمل منه حيث يشمل كل العلوم، ويركز على الكلمات المفردة وما يقابلها من دلالة عندما يكون أحادي اللغة، وثنائية وأخرى ثلاثية، كما توجد معاجم ثماني لغات، وفي حديثه عن الفرق بين الدليل والمتن أورد بلعيد بأن الأدلة تُرتب ألفبائيا وتستعمل لقضايا ذات العلاقة بمصالح الإدارة، وضرب أمثلة عن الدليل الوظيفي للغة المحادثة الطبية، والوظيفة العمومية، يضيف بأن المتن اللغوي يمكن أن يكون مشابها للمعجم، فيما عبر المتحدث بأن الصناعة المعجمية في الوقت الحالي بحاجة إلى إنجاز معاجم مبسطة على غرار معجم الجيب.
المعاجم الرقمية السياحية تسهل التواصل في بيئات متعددة اللغات
وتستخدم المعاجم السياحية في الكثير من البلدان، كما توزع بالمجان وتساعد من خلال صيغتها الناطقة السائح على قضاء مصالحه دون صعوبات فضلا عن تمكنه من معظم اللغات بصورة عفوية، و تقول البروفيسور في علوم اللغة وتعليمية اللغات الأجنبية، وأستاذة اللغة الفرنسية، أشراف جغار، بأن المعاجم السياحية ساعدت على الوصول الفوري إلى مجموعة كبيرة من اللغات، موفرة ترجمات وتعريفات عديدة، ما يسهل التواصل بشكل فعال مع السكان المحليين، والمرشدين السياحيين وموظفي الفنادق والمطاعم ومناطق الجذب السياحي، حتى لو لم يتحدثوا اللغة نفسها، تضيف بأن المعاجم الرقمية تقدم أيضا معلومات عن الثقافة والعادات والتقاليد في المناطق التي يزورها السائح، مما يساعد المسافرين على فهم بيئتهم والتكيف معها بشكل أفضل، وتوسيع مفرداتهم إذ يمكن للمسافر أن يضفي على رحلته الترفيهية، ميزة الاستكشاف والتعلم أيضا من خلال التعرف على كلمات وعبارات جديدة أثناء التنقل، بفضل المعجم الرقمي.
تضيف جغار، بأن المعاجم الرقمية تقدم ميزات سهلة الاستخدام مثل البحث عن الكلمات الرئيسية، والنطق الصوتي واقتراحات وحفظ الكلمات، مما يحسن تجربة المستخدم بشكل عام، مضيفة بأنها تساعد على تيسير الاتصال بين الثقافات، والمساعدة على فهم الثقافة المحلية، وتوفير المعلومات العملية وتحسين الخبرة العامة للمسافرين والمهنيين في صناعة السياحة.
المعجم الحديث ابن بيئته ولغته
ووفقا لرئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد، فإن التقنية خدمت اللغة العربية، واستفاد منها اللغويون في إنتاج المعاجم، حيث وفرت صيغا متنوعة تطابق الهدف من استخدام المعجم على غرار المعجم الناطق الذي يخدم المعنى والكتابة فضلا عن الجانب اللساني للكلمة، وأفاد بلعيد بأن هذه الأخيرة تجسد الصورة الأصلية للكلمة نطقا وكتابة مثلما يستخدمها الناطق الفطري، بالإضافة إلى توفرها على أصوات أخرى جاءت بها المصطلحات المعاصرة، وأرجع المتحدث ضرورة العناية بالنطق السليم للمفردة في معاجم الأسماء، إلى أن افتقار المعجم للصوتيات يشوه اسم المكان وبالتالي يصعب على السائح الأجنبي الوصول إليه بسبب عدم قدرته على تلفظ بعض الحروف بشكل صحيح خصوصا الحروف الحلقية.وتطرق بلعيد للحديث عن بعض التحديات التي يعرفها صناع المعاجم الرقمية الصوتية في اللغة العربية، خصوصا ما تعلق ببعض الصوتيات في اللغات الأجنبية والتي لا توجد في الخطاطة العربية التي تحتوي على تسعة وعشرين حرفا فقط وهي الموجودة في جهاز الكمبيوتر، بينما يلزم التحول الرقمي إضافة الحروف الصوتية، وفي هذا الجانب يوضح بأن علماء اللغة عندما استنطقوا العربية ووضعوا قواعدها وجدوا بأن العرب يستعملون اثنين وأربعين صوتا، وبناءً على التقسيم الذي يعتمده العرب فما يكثر دواله موجود في مجال الكلام وهو تسعة وعشرون، وما يقل دورانه هي ستة أصوات أُضيفت إلى الحروف التسعة والعشرين، وهناك أصوات أخرى يقل جيرانها جُمعت في سبعة أصوات، يقول المتحدث، لتصبح منظومة الخطاطة العربية 42 صوتا، وقال بأنهم في المجلس الأعلى للغة العربية يأخذون كل هذه الأصوات المذكورة ويوظفونها فيكتبون الكلمة مثلما تُنطق، معقبا بأنه عند استعمال التقنيات المعاصرة في ترجمة الكلمات، لا نجد العربية عاجزة عن كتابة «پينيسيلين» مثلما تُنطق.
ومن ميزات المعاجم الحديثة أيضا، أنها ترفض التخمة في المكتوب وفقا لبلعيد، تمشِّيا مع ضروريات اللسانيات الحاسوبية، فتُسقط ما كان غير متداولا من الكلمات والعبارات، مبقية على الوظيفي منها فقط، وفي هذا السياق أوضح رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، بأن المعاجم الحديثة الجيدة فضلا عن المعجم المدرسي، يجب أن تتوفر فيها اللغة اليومية حتى تستطيع الحفاظ على اللغة وتطورها، وعلق بأن المعاجم تصبح لا فائدة منها إذا لم يستطع المستخدم الاعتماد عليها في قضاء مصالحه، وأردف معقبا «هذا لا يعني التلهيج، بل يُقصد منه توظيف اللغة البسيطة من السهل الممتنع، وجعلها راقية تحترم قواعد اللغة». ولكي تكون معاصرة لا بد أن تتمشّى مع ما فرضته التقنيات الحديثة خصوصا ما تعلق ببعض المصطلحات مثل «سلاش» الذي يقابله باللغة العربية «الخط المائل»، وعبر المتحدث بأن لغة هذا العصر أجبرت الناطقين بلغات أجنبية على التفاعل مع الآخر حتى لا يحكموا على لغتهم بالانقراض.
الإنسان العادي يحتاج أيضا إلى معجم في حياته اليومية
وهو ما ذهب إليه مهدي براشد، مؤكدا أن ذلك راجع إلى التطور الهائل الذي يشهده العالم وبالتالي يصبح في حاجة إلى معارف من كل الثقافات الأخرى، وقال صاحب قاموس معجم العامية الدزيرية بلسان جزائري مبين، بأن الأجدر أن تؤلف المعاجم باللغة التي يستعملها الأفراد في حياتهم اليومية، وطرح مثال الواقع اللغوي الجزائري، الذي وصفه بأنه متعدد اللغات حيث يتحدث المنتسبون إليه اللغة العربية والأمازيغية، والفرنسية والإنجليزية فضلا عن اللهجة العامية، وبناء عليه فإن كل هذه اللغات تحتاج إلى معاجم تسمح بنقل المعارف التي أُنتجت بلغة أجنبية.
وتستغل القواميس الحديثة التطورات التكنولوجية، مثل تطبيقات الهاتف المحمول، والمواقع التفاعلية وبرامج التعرف على الكلام، بحسب أستاذة اللغة الفرنسية، بجامعة الإخوة منتوري قسنطينة 01، أشراف جغار، وتساعد بذلك على الوصول السهل والسريع إلى معلومات اللغة متعدية المكان والزمان، كما يمكن استخدام تقنيات الذكاء الصناعي والتعلم الآلي لتحسين البحث المعجمي، واقتراح الكلمات والتعابير المناسبة للسياق.
التجديد في تأليف المعاجم حتى تحافظ على مكانتها
واهتمت الأمم بتأليف المعاجم واحتفت بها، ويعد الصينيون، وفقا لما أورده صالح بلعيد، أول من اعتنى بالصناعة المعجمية، وأرجع ذلك إلى أنهم كانوا السباقين لاختراع الورق عندما استخدموا أليافا نباتية بطريقة فعالة، مضيفا بأن العرب تبعوهم في ذلك حيث لعبوا دورا كبيرا في تأليف الكثير من المعاجم بدءا من معجم العين وصولا إلى لسان العرب لابن منظور، كما أُثريت اللغة «اللوزوفونيا»، أي اللغة البرتغالية، التي وصفها رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، بأنها من أكثر اللغات التي أُلفت لها الكثير من المعاجم.ورغم المكانة التي وصل إليها اللغويون العرب في هذا الميدان إلا أنهم غفلوا عن تأليف معاجم تهتم باللغات الإسلامية المتفرعة عن اللغة العربية القديمة، ما خلف فراغا لغويا في اللغات الشرقية التي حددها المتحدث في اللغة الأردية و الفارسية و التركية و الباكستانية.
ومن التحديات الأخرى التي تواجه المعاجم في العالم العربي و الإسلامي ذكر بلعيد، بأنه يوجد فراغ في المعاجم التقنية ذات العلاقة بالعلوم التكنولوجية، فضلا عن أن أغلبيتها أحادية اللغة، وفي هذا الجانب لفت إلى أنه من الخطأ تأليف معاجم طبق الأصل عن القديمة التي تكون عن مقتضيات عصر التقنية.
أما من ناحية التحديات التي يعرفها المعجم الرقمي العربي، فأشار المتحدث إلى أن الخزان اللغوي العربي في الذكاء الصناعي محدود، وهو ما يخلق مضايقات تقنية أثناء تصميم وإنشاء المعاجم ناهيك عن استخدامها، وشرح بلعيد، أن المعاجم الأجنبية الرقمية وظيفية أكثر من ناحية مراعاة كل الجزئيات، خصوصا ما تعلق باقتراح كلمات بديلة أو مستنبطة من الحقل الدلالي نفسه، عكس اللغة العربية التي لا تكون دقيقة في الكثير من الأحيان.
المعجم الرقمي لا يمكن أن يلغي الورقي
ويرى الباحث مهدي براشد، أن اللغة كائن حي يتطور و يتحول و يتغير ويموت ويُبعث من جديد، ووفقا لهذا التوصيف الذي جاء به تصبح المعاجم حاضنة لكل هذا التطور اللغوي والفكري، وعلى أساسه تختفي الفروقات بين المعاجم القديمة والإلكترونية، إلا ما تعلق بالمسألة الإجرائية التي تساعد على البحث والتصنيف، وفي هذا الجانب عقب براشد، بأن المعاجم الرقمية هي ابنة الورقية فهي تنقل ما كُتب على الورق وتحوله إلى سند رقمي، وأردف بأن هذا التحول لا يمس بموضوع المعاجم في حد ذاتها.
كما نفى إمكانية إزاحة المعجم الورقي، قائلا إنه لا يمكن تجاوز المعجم بصيغته الأولى التي ظهر بها، وفي هذا السياق استدل بما قاله الفيلسوف والباحث الإيطالي «آمبرتو إيكو»، «عندما سألوه ذات يوم هل يمكن أن يأتي يوم نتخلى فيه عن الكتاب بسبب ما يسمى بالوسائل الرقمية ؟»، فرد قائلا :» الكتاب مثل العجلة لا يمكن تجاوزه».
ووفقا لمنظور مهدي براشد، فإن أهمية المعجم تبرز في القدرة على جمع الرصيد اللغوي وطرق استعماله، فضلا عن الأسلوب الذي كانت الشعوب تتكلم به باختلاف الأزمنة، وتطور هذه الألفاظ وإبقائها على معان وإسقاطها أخرى.
استحالة اختزال كل المعارف في معجم واحد
وعما وصلت إليه الصناعة المعجمية، يقول براشد بأن أول ما يجب الانتباه إليه، توفير معاجم متخصصة، فمع كثرة المعارف وتداخل اللغات وتنوع مناحي الحياة وتشعبها وتعقدها، بات من الصعب وضع معجم واحد لكل هذه المعارف، وأعقب بأن القرنين الماضيين عرفا توجها نحو التخصص، إذ عمل المستشرقون على وضع معاجم مختلفة لكل مجال، وتابع بأن العرب القدماء كذلك عُرفوا بذلك، بل ووصلوا إلى تأليف كتب علمية تحمل صبغة معجمية، على سبيل المثال كتاب «التذكرة» لداوود الأنطاكي، وهو كتاب طبي لكن محتواه معجمي، وقال المتحدث بأن على اللغويين الذهاب إلى معاجم في القانون والفلسفة، فضلا عن الميكانيكا، مع الإبقاء على المعاجم الشاملة التي تخص المعارف الأولية.
اختيار المعجم الجيد يختصر طريق تعلم اللغة
وللاستفادة من المعجم في تعلم اللغة وتجاوز بعض الصعوبات التي يقع فيها المتعلمون، تقول البروفيسور في علوم اللغة وأستاذة اللغة الفرنسية، أشراف جغار، بأن التغلب عليها يتوقف على اختيار معجم يناسب مستوى واحتياجات المتعلم لتعلم اللغة بوتيرة أسرع، وأشارت إلى أنه توجد قواميس مخصصة للمبتدئين وأخرى للمتقدمين، كما أن تحديد الهدف من التعلم، يساعد على اختيار نوع القاموس الذي يحتوي على مفردات من التخصص تتجاوز القاموس العادي. ومن جملة الحلول التي ذكرتها أيضا، فهم التعريفات التي تكون معقدة في بعض الأحيان أو توظف كلمات لا يعرفها المتعلم، وفي هذه الحالة يمكن تعويضها بمعجم يقدم تعريفات بسيطة مرفقة بأمثلة، مضيفة بأن القواميس ثنائية اللغة توفر تفسيرات بسيطة للمتعلمين.
وتطرقت الأستاذة، للحديث عن المفردات التي تحتمل معانٍ عديدة واختيار المعنى الصحيح الذي يُوَظَّف في السياق المراد، وقالت بأن القراءة المستمرة والاستماع للغة المستهدفة يساعد على معرفة استخدام الكلمة في مواقف مختلفة وتطوير الفهم الدقيق للمعاني، وقالت جغار بأن التقنية الحديثة وفرت تطبيقات ترجمة ومواقع إلكترونية تقدم تسجيلات صوتية تساعد المتعلم على تحسين مهارتي الاستماع، والنطق بشكل صحيح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.