عائلة التلميذ عبد الجليل تروي للنصر سقوط ابنها من أعالى الصخر العتيق لن يكون موعد عيد ميلاد أسماء المصادف ل17ديسمبر عاديا بعد هذه السنة، لأنه سيكون أيضا ذكرى رحيل شقيقها الوحيد الذي وعدها بالتقاط صور حفلتها باستعمال هاتفه الجديد، لكنه لم يفعل، لأن الموت سبق الموعد و غيّب مدلل العائلة عبد الجليل الذي توفاه الأجل في ربيعه الخامس عشر في حادث مأساوي لم يخطر على بال أحد من العائلة التي كانت تظن أن ابنها في الثانوية مع زملائه المسجلين ضمن النظام نصف الداخلي، لتفاجأ بخبر سقوطه من أعلى صخور قسنطينة التي تبعد عدة كيلومترات عن مكان دراسته ببلدية عين السمارة. النصر تنقلت إلى بيت الضحية أسبوعا بعد الحادث الأليم الذي اهتزت له قسنطينة بأسرتيها التربوية و الرياضية، و التقت عائلة الطفل المرحوم عبد الجليل جزاز و نار الحزن و حرقة الفراق لم تهدءا بعد، و مراسيم الجنازة متواصلة بتوافد المعزين من زملاء و أساتذة الراحل الذي قالت عنه والدته بكلمات خنقت الدموع مخارج حروفها أكثر من مرة بأنه مفعم بالحيوية، يحب الحياة و العائلة و الأصدقاء و الرياضة و يحفظ القرآن و...تصمت و تستجمع قوتها بالذكر و الرضا بقضاء الله و قدره و تواصل معددة خصال ملاكها الصغير الذي رحل قبل أن يودعها و هي التي تخشى عليه من هبة الريح لأنه وحيدها بين شقيقتيه، و لطالما حرسته و ترقبت خطواته داخل و خارج البيت خوفا من أن يصيبه مكروه إن غفلت عيناه عنها. و قالت و هي تبكي بحرقة بأن شعورا غريبا انتابها ووالده في المدة الأخيرة، شعور يطبعه القلق و الخوف على فلذة كبدهما الذي لم يفهما سر ملله المفاجئ من الدراسة و هو الذي تعوّد على إدخال البهجة إلى قلبيهما بنتائجه الجيّدة التي لم تكن تنزل عن لوحة شرف في أسوأ الأحوال طيلة الطورين الأولين، لكن فرحتهما بانتقاله لمرحلة الثانوي لم تكتمل لأن التلميذ المتحمس للدراسة بدأ يفقد حماسه للدراسة يوما بعد يوم، لأسباب أكد الوالدان أنها ناجمة عن عدم ارتياحه بالمؤسسة الجديدة التي وقفا على ضرورة نقله إلى مؤسسة ثانية لإنقاذه من حالة اليأس التي بدأت تسيطر عليه منذ بداية الشهر الثاني من السنة الدراسية، و اقترب الفرج بحصول الوالد على وعد بنقله إلى ثانوية بوسط المدينة مع بداية الثلاثي الثاني، و تنفس الجميع الصعداء و استعاد عبد الجليل حماسه المعتاد، ووعد والدته بتشريفها كما كان دائما و أخبرها برغبته في عودتها للإشراف على دروسه كما فعلت دائما قبل التحاقه بالثانوية باعتبارها معلمة و تخصصها الجامعي علمي. كما أسر لصديقه المقرّب بأنه سيتدارك ما فاته في الثلاثي الثاني لأنه يريد إدخال البهجة إلى قلبي والديه اللذين لم يحرماه من شيء أبدا. ابني ضحية تسيّب «ابني رحل لأن الله أخذ آمانته و نحن راضين بحكمه، لكن وفاة ابني تركت غصة في قلبي و أسئلة كثيرة لا زالت تحيّرني و تؤرق نومي»تقول والدة عبد الجليل المصدومة برحيل صغيرها الذي خرج متوجها للثانوية أين يدرس بقسم السنة الأولى جذع مشترك علمي و بدوام نصف داخلي، ليتعرّض لحادث قاتل بعد أن هوى من أعلى الصخور و هو يحاول التقاط صور تذكارية بمنطقة «الغيران» المحاذية لشارع زيغود يوسف بقسنطينة، و هو ما يعني تنقله ساعة الدراسة إلى مكان يبعد عن مكان دراسته و سكناه بأكثر من 16كلم و استغربت لعدم إخطارها و زوجها بخروج أو تغيّب صغيرها الذي ترك محفظته لدى أحد رفاقه بالقسم كما قالت. و استطردت إحدى قريباته و هي تشير إلى عمته التي تعمل كأستاذة بنفس المؤسسة التي يدرس بها عبد الجليل و سألت»لماذا لم يخبروا عمته لكانت تصرّفت» و يخيّم الصمت من جديد في حضرة الدموع التي لم تغب من عيون الجميع كلما ذكر اسم الطفل الضحية و الظروف التي رحل فيها و هي الظروف التي قالت الأم أنها تريد أن تكون «مأساة عبد الجليل آخر صدمة قد تصيب أولياء التلاميذ المتمدرسين الذين يخرجون دون رقابة أو يتغّيبون دون إخطار أوليائهم»مذكرة بهول المصيبة و هي تتلقى خبر وفاة ابنها الذي كانت تظنه في حرم المؤسسة التعليمية. و تغادرنا نظراتها التائهة ثم تعود لتشاركنا الحديث مرة أخرى و تسرد لنا كيف كانت علاقته وطيدة مع رفاق عمره أنيس، ياسين و خالد، و تقول «يقضون أغلب الوقت مع بعضهم البعض يمارسون الرياضة معا، يتجوّلون معا، و هم رفاق صالحين أعرف أولياءهم»تتنهد و تواصل»مازحتهم يوم الجمعة و هم مجتمعين أمام باب العمارة ثم ذكرتهم بوقت الصلاة حتى لا تفوتهم» تذرف دموعا تحاول عاجزة التحكم فيها، و تسترسل حاملة هم أصدقاء ابنها من هول الصدمة عليهم لأنهم كانوا معه مكان الحادث، و لم ينتبهوا لرفيقهم إلا و هو أسفل الصخر و قد ارتطم رأسه أرضا . و أكدت الأم أنها لا تعرف حتى اليوم ماذا جرى فعلا لصغيرها وكل ما سمعته أن صديقه كان بصدد التقاط صورة تذكارية له و فجأة اختفى عن الأنظار ليدركوا سقوطه و وفاته. و تعود لتذكر بخصاله الحميدة و رقة قلبه و خفة روحه مع الجميع»الكل يحبونه و يحبون رؤيته لأنه يضفي المرح على الجلسات العائلية سواء ببيت جده من قبل والده أو جده لأمه». و هنا يدخل الأب الذي كان قد استقبلنا في البداية و استسمحنا بالخروج لأمر ضروري، و عاد بسرعة لحرصه و إلحاحه على تقديم رسالة لجميع الأولياء و المعلمين حتى لا يتكرّر ما حدث مع قرة عينه و رفيقه المقرّب الذي يفتخر بأخلاقه كما وصفه و هو يقول «أدركت خلال مراسيم الجنازة و بعدها بأن جليل لم يكن إبني لوحدي» في إشارة إلى هبة المتعاطفين من الجيران و التلاميذ و المعلمين السابقين و الجدد و الرياضيين و مناصري فريق السنافر الذين بادروا إلى رفع راية بألوان ناديه المفضل الذي تابع أخباره و لو من بعيد لأنه لم يكن يسمح له بالتردد على الملاعب ما عدا مرة واحدة فقط. الأب لم يتعرّف على جثة ابنه و سرد الوالد محمد جزاز و ملامح الحزن بادية على وجهه، كيف كانت صدمته كبيرة و هو يتلقى خبر سقوط ابنه بوسط مدينة قسنطينة، الذي كان يفترض بأنه بالثانوية، و كيف كانت صدمته أكبر و هو يعجز عن التعرّف على جثة ابنه بمصلحة حفظ الجثث، حيث روى و هو يتجرّع غصة الحزن و الأسى كيف أنه فتح الدرج مرتين و لم يعرف صغيره لشدة الجروح البليغة التي تعرّض لها و تسببت في تشوهه و بالأخص على مستوى الرأس. و استرسل مؤكدا على ضرورة تشديد المراقبة على التلاميذ و إخطار أوليائهم بتصرفاتهم و غياباتهم لتفادي مثل هذه الحوادث المفجعة كما قال. و أخبرنا بالجهود و المساعي التي قام بها من أجل إعادة الحماس لإبنه المعروف بحبه للدراسة و حلمه بأن يكون طيّارا، مذكرا باهتمامه بكل هواياته من رياضة و بالأخص السباحة التي كان مولعا بها و يهوى التردد على المسابح لأجل ممارستها، فكان يضطر أحيانا كثيرة لمرافقته و أصدقائه إلى المسبح لبعد المسافة من جهة و لخوفه عليه من جهة ثانية. فعبد الجليل سيترك فراغا لن يملأه سوى الإيمان بقضاء الله و مشيئته، لأنه تعوّد على ملء فراغ الآخرين بخفة روحه، و بالأخص شقيقتيه الصغيرتين لميس و أسماء التي يعتبرها كما قال والده دميته الصغيرة يداعبها في كل وقت و يدللها على طريقته بتظاهره بالغيرة منها للاستفادة من نفس اللمجة التي يقتنيها لها الوالد صباحا و بدل أن يأكلها يخبئها لها ليمنحها إياها في المساء لطيبته و حرصه على إدخال البهجة إلى قلب أخته التي استعد أيما استعداد لمشاركتها فرحتها بعيد ميلادها السابع و هو يسأل عن ترتيبات الحفلة و من سيحضرها، و وعدها بأن يكون في الموعد لالتقاط صور تذكارية لها لأنه يهوى التقاط الصور و يجيد استعمال الأجهزة الإلكترونية و التكنولوجية بشكل مثير للإعجاب حسب والدته. و لم تتحمل والدة عبد الجليل رؤية صور ملاكها الصغير التي أخرجها الوالد من خزانة بالغرفة بغرض نشرها مع مقالنا و استسمحتنا و الدموع تملأ عينيها بمغادرة الغرفة لأنها لا تقوى على رؤيته و هي المشتاقة لحمله من جديد بين ذراعيها و ضمه إلى صدرها مثلما كانت تفعل دائما. مريم/ب