عائلة من خمس أفراد تسكن مع الفئران بمرآب بالخروب تعاني السيدة نصيرة رومان، صاحبة التاسعة و العشرين ربيعا و عائلتها المكوّنة من خمسة أفراد من ظروف اجتماعية قاهرة اضطرتها لدق باب النصر لإيصال معاناتها عسى أن تجد من يمسح الغبن عن وجوه صغارها و يحميهم من الفقر المدقع الذي ذاقوه بعد مرض والدهم معيلهم الوحيد، حيث أصيب رب العائلة بقصور كلوي مزمن جعله عاجزا تماما عن العمل منذ أكثر من خمس سنوات، فاقتصر دخل الأسرة على منحة المعاق الزهيدة التي يتحصل عليها كل ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى بعض الدنانير التي تجنيها الأم التي اضطرت للعمل كمنظفة عمارات بإحدى أحياء مدينة الخروب. معاناة الأسرة بدأت بعد إصابة الأب بارتفاع مفاجئ في ضغط الدم أثر على كليتيه الشيء الذي جعله يلازم البيت طيلة الوقت تقريبا لعدم قدرته على مزاولة أي عمل منذ حوالي سبع سنوات، حيث توّقف نهائيا عن عمله لدى بعض الخواص في مناصب غير ثابتة كان آخرها مشرف على مقهى أنترنت، أين بدأت قواه تخور و شعوره بالتعب يزداد يوما بعد يوم و هو الذي كان يجهل حقيقة مرضه لعدم تمكنه من عيادة الطبيب لنقص إمكانياته المادية. تشخيص مرض رب العائلة قلب حياة الأسرة رأسا على عقب. فالوالد الذي كان يشقى من أجل تصوير لقمة عيش لصغاره الثلاثة لم يعد قادرا حتى على الخروج من البيت لاسيّما بعد انطلاق عمليات تصفية الدم التي بات يخضع لها بشكل منتظم مرة كل يومين، مما جعله يتغيّب باستمرار عن العمل الذي لا يحصل عليه إلا بشق الأنفس و هو الأمر الذي لم يتقبله أصحاب العمل فكانوا كل مرة يوقفونه عن أي نشاط يبدأ ممارسته، لتقع بذلك مسؤوليات الحياة بكل أعبائها الثقيلة و المرهقة دفعة واحدة على رأس الزوجة الشابة التي وجدت نفسها مضطرة للعمل كمنظفة بأربع عمارات بمدينة الخروب إلى جانب رعايتها المستمرة و المكثفة لعائلتها، التي يحتاج كل فرد فيها لاهتمام خاص في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها في مسكن هش بمرآب قديم زاد الطين بلة، و ضاعف معاناة الأسرة التي انتقلت إليه مضطرة قبل ثلاث سنوات للابتعاد عن مشاكل كثيرة لم تتحملها مع أهل الزوج. و لأنها لم تجد بيتا بتكاليف بسيطة في ظل غلاء المعيشة، قبلت السكن بمرآب يجمعون بشق الأنفس تكاليفه المقدّرة بسعر خمسة آلاف دينار شهريا. فالمسكن لا تتوفر فيه أدنى شروط الراحة و النظافة خاصة في فصل الشتاء بسبب تسرب مياه الأمطار من سقفه الهش المصنوع من الصفيح لجأوا إلى تغطيته من الداخل بورق " الكارتون" بأمل تخفيف قساوة الطقس و برودته الشديدة، التي لا حل لها لأنهم مضطرين لمواجهتها كلما قصدوا المرحاض المبني بطريقة عشوائية خارج الغرفة الوحيدة التي تأويهم و التي لا تتوّفر حتى على باب بل مجرّد ستار لا غير. ظروف العائلة تدمي القلوب لأنه في زمن يتفنن فيه الكثيرون في تبذير الأموال و تغيير ديكور البيت لا تجد فيه هذه الأسرة الفقيرة ما يرفع معنوياتها لا داخل المرآب و لا خارجه لانعدام شروط النظافة تماما حتى بمحيط إقامتهم التي تتوّسط فناء مهملا، يحوي بعض الأشياء القديمة غير المستعملة جعلت الفئران منها مخبأ لها بالإضافة إلى الحشرات المؤذية التي تتهدّد حياة أطفالها. و اشتكت المرأة و هي تسرد وضعهم المزري من غلاء تكاليف الإيجار، و قالت بنبرة يأس و حزن بأنها تجد صعوبة في جمع ثمن الإيجار بانتظام مما اضطرها السنة الماضية لبيع ما تبقى من مجوهراتها لتسديد ديون الكراء المتراكمة عليهم، مخافة أن يفقد صاحب المرآب صبره عليهم و يطردهم من المكان، الذي يأوي بناتها الثلاث المتمدرسات أكبرهن في السنة الثالثة ابتدائي و التي رغم الظروف القاهرة التي تعيشها مع عائلتها تحاول قدر الإمكان الإبقاء على تفوّقها في الدراسة، حيث تحصلت على درجة امتياز، فيما تتردّد الصغرى على قسم تحضيري أما الوسطى فمازالت لم تخطو بعد خطواتها الأولى نحو الدراسة بسبب إعاقتها الذهنية التي أصابتها جرّاء حمى شديدة ناجمة عن داء التهاب السحايا تعرّضت لها منذ سنوات، و الذي للأسف لم يتم تشخيصه مبكرا إلا بعد فوات الأوان مضيفا بذلك معاناة جديدة على معاناة العائلة التي لم تستفق من مرض الأب لتصدم بمرض الابنة التي تعاني هي الأخرى من مشاكل في الكليتين، حيث طلب منها أطباء مستشفى المنصورة لطب الأطفال مؤخرا إجراء بعض الفحوص لم تتمكن الأم من توفير تكاليفها لولا بعض التبرعات التي جمعها لها مسجد الحي لأن ما تجنيه من عملها، لا يكفي حتى لضمان قوت الأسرة اليومي. و تأمل الأم المسكينة في رؤية ابنتها تعيش حياة عادية و لو بمركز مختص للمعوقين حتى لا تبقى حبيسة إعاقتها بالبيت. و تضحيات المواطنة نصيرة رومان لم تنته عند تكريس حياتها و شبابها و راحتها لضمان حياة الاستقرار لصغارها بل لم تتأخر عن عرض التبرّع بكليتها لزوجها للتخفيف من ألامه لتجنيبه عناء تصفية الدم التي أرهقته نفسيا و جسديا، و جعلته يشعر بسلبية خاصة بعد عجزه عن العمل. و خلال زيارتنا لعائلة رومان ترجتنا بنقل رسالتها وندائها للمحسنين لمساعدتها و التخفيف العبء عنها و إعادة الأمل لعائلتها، مؤكدة أنها لا تطلب مالا و إنما توفير الأكل و الشرب و اللباس و الأغطية و غيرها لأفراد أسرتها التي عجزت وحدها في تلبية حاجاتها المتزايدة، و استرسلت و كلها أمل في وصول صوتها لذوي القلوب الرحيمة بأنها ترجو كل من بإمكانه مساعدتها في إصلاح بيتها المرآب ألا يتأخر في تقديم يد المساعدة لها قبل سقوط الأمطار التي تحوّلت إلى هاجس و كابوس تخشاه ليل نهار .