يهيمن الخطاب الديني على المجتمعات العربية بشكل يدعو إلى الحيرة أحيانا، خصوصا حين يتعلّق الأمر بمجتمعات كانت تبدو أقرب إلى المدنية الغربية منها إلى البداوة ، كما هو الشأن بالنسبة للمجتمع التونسي الذي خضع إلى تحديث قسري في عهد الزعيم الراحل لحبيب بورقيبة الذي مكّن التونسيات من حرية مبكرة وضعتهن في مصاف النساء الأوروبيات، غير أن ما بناه بورقيبة في عقود تداعى مع نسمات الربيع، بنكوص المجتمع إلى الحياة البدائية، إلى درجة أن كلمات قليلة من شيوخ السلفية فعلت فعلها بين تونسيات ودفعت بهن إلى "الجهاد" بأجسادهن في سوريا ، إذا صدق ما تداولته الصحافة التونسية عن استجابة نساء بينهن فتيات صغيرات إلى نداء "جهاد المناكحة" الذي أطلقه سلفيون بغرض نصرة إخوانهم "المجاهدين" في بلاد الشام، ومن الأخبار المأساوية التي تناقلتها الصحافة قصة "مجاهد" تونسي اصطحب شقيقته الصغيرة لتجاهد في سوريا وقصة "مجاهد" آخر طلق زوجته ليمكنها من الجهاد، على اعتبار أن هذا النوع من الجهاد غير جائز للمتزوجات. ماذا سيقول "المجاهد الأكبر" لو ينهض الآن من قبره؟ لا شك أن الزعيم سيبكي على بناته اللائي حصنهن بالعلم والقانون فسقطن بالفتوى. و لأن الشيوخ أرادوا التكفل بالمأساة السورية من بدايتها إلى نهايتها، فإنهم لم يغفلوا وضع اللاجئات السوريات في البلاد العربية، حيث أفتوا بزواجهن المؤقت وجرى تسقيف الأسعار حيث تباع السورية على أرض الإخوان ب500 جنيه وفي الأردن انتقل النقاش حول استغلال السوريات إلى البرلمان وارتفعت أصوات للمطالبة بترحيلهن، وفي الجزائر سارع أئمة مع بداية موجة اللجوء إلى دعوة الشباب إلى الزواج بسوريات بسعر أقل بكثير من أسعار الجزائريات، وفوق ذلك يجازى المتزوج بستر مؤمنة، و الأسبوع الماضي فقط تم تفكيك شبكة تنشط بين الجزائر ودبي في بيع السوريات. والسؤال المحرج لعرب الثورات و عرب الاستقرار وعرب الرفاهية: هل كانت السوريات الهاربات من الموت تواجهن البيع في سوق النخاسة لو أنهن لجأن إلى النمسا أو ألمانيا أو السويد؟ نعم، هكذا يتضامن العرب مع أشقائهم السوريين، برعاية شيوخ الفتوى الذين سخروا التكنولوجيا لتجارتهم، والمثير للانتباه أن الفتوى باتت تؤتي أكلها في الحين، في ظاهرة تستدعي الدراسة والتحليل، حتى وإن كان رواجها يؤشر إلى وضعية مخيفة في مجتمعات تناوب على قيادتها دكتاتوريون وشيوخ تقاسموا الأدوار لإدامة الهيمنة. و يمكن استباق أي فحص لظاهرة رواج الفتوى خصوصا الفتاوى المشؤومة، بافتراض لا يمكن أن يجانب الصواب مؤداه: موت العقل.