المشروع النموذجي الذي حوّلته الاختلالات إلى كابوس روبورتاج: ياسمين بوالجدري * تصوير: الشريف قليب تسود منذ أشهر حالة غليان قصوى بين سكان حي "جعفارو عبد الله" الذي انطلقت منه فكرة إعادة الهيكلة بولاية قسنطينة، و ذلك بسبب عراقيل تقنية و تبعات سوء تقدير أثناء توزيع القطع الأرضية، و هي اختلالات غذّتها صراعات سياسية حالت دون تجسيد مشروع انطلق من بلدية ابن باديس و أريد له أن يكون نموذجيا. النصر عادت إلى حي "جعفارو عبد الله" بعد مضيّ أزيد من ثلاثة أعوام على قرار الوالي بتسوية وضعيات نحو 300 عائلة تقطنه بطلب منها و ذلك عن طريق إنجاز سكنات جديدة على الأرضية ذاتها في إطار مشروع أطلق عليه اسم إعادة الهيكلة، الهدف منه تخليص هؤلاء من جحيم دام لعقود داخل أكواخ توشك على الانهيار و لم يُربط أغلبها بالغاز الطبيعي، و هو قرار كان في السابق بمثابة الحلم لسكان بدؤوا يرونه يتحقق بتشكيل لجنة مختصة لتجسيد مشروع اعتبرته السلطات آنذاك نموذجا، و كان له الفضل في إعطاء تصوّر جديد حول تسوية وضعيات الكثير من الأحياء بالولاية، التي شُرع ببعضها في مرحلة البناء، في وقت لا يزال حي "جعفارو" كما هو و لم تظهر عليه أية معالم تسوية منذ زيارتنا له قبل أربع سنوات. و لم يكن صعبا الوقوف على حجم التوتر و الاحتقان الذي يعيشه سكان الحي، حيث و بمجرد دخولنا له التفّ حولنا عشرات المواطنين و راح كل منهم يسرد لنا معاناته مع مشروع حلم تحول إلى كابوس، بعدما تفاجأ أغلبهم بأنهم سيعيشون في منازل لا تتعدى مساحتها 120 مترا مربعا مع أبنائهم الكُثر، في وقت تتربع مساكنهم الحالية على ضعف هذه المساحة، بينما راح بعضهم يؤكد بأن أشخاصا آخرين سيستفيدون من القطعة الواقعة عليها منزله الذي سيهدم، ليبقى هو و عائلته من دون مأوى إلى حين إتمام مسكنه في قطعة أخرى، أما الشباب المتزوج حديثا و الأعزب فقد بدا الكثير منهم رافضا للصيغة و قالوا أنهم انخدعوا في طريقة تطبيقها، بعد أن اكتشفوا بأنهم سيعيشون داخل "علب كبريت" و بأن غرباء سيتقاسمون معهم "قطعهم الأرضية". أغلب الحصص فوق الصخور و حديث عن تحايل في مخططات البناء و الأغرب من كل هذا حسمبا يؤكده السكان، هو قيام مكتب الدراسات "سو" الذي أوكل له المشروع، بتعيين حصص فوق كتل حجرية يزيد علو بعضها عن المترين، بل أن عددا من هذه الحصص وضعت بطريقة عشوائية فوق الطرقات و الأرصفة و على الشبكات الأرضية، بالرغم من أن مساحة الموقع تقارب 12 هكتارا يمكن أن تتسع لإنجاز 370 سكنا ريفيا بمساحات خضراء شاسعة، حيث يتساءل محدثونا عن سبب عدم عرض مخططات البناء لمعرفة طريقة توزيع القطع و كيف استفاد منها البعض، خصوصا و أن الكثير من معارف أعضاء جمعية الحي حصلوا، حسبهم، على حصص بواجهتين و تقع في أماكن اختيرت بدقة. و قد أكد بعض من تحدثنا إليهم من سكان الحي، بأن حوالي 70 بالمائة من الحصص التي ستبنى عليها السكنات تقع فوق صخور يصعب التعامل معها في مرحلة البناء و تتطلب مبلغا يزيد 70 مليون سنتيم، قيمة الإعانة الريفية، حيث يتوجب أن يصل إلى 110 مليون سنتيم على الأقل، كما أكدوا للنصر بان المشروع خلف صراعات داخل العائلة الواحدة نتيجة الغموض الذي يشوب عملية توزيع القطع الأرضية، متهمين رئيس جمعية الحي و "المير" السابق بالتسبب في هذا الوضع. تأخر تجسيد المشروع يهدد باحتلال الدخلاء للحي يرى سكان "جعفارو" أن كل تأخر في مشروع التسوية سيعطي الفرصة أمام عشرات الغرباء لدخول الحي للاستفادة، حيث ذكروا أن أشخاصا رحلوا من الحي منذ قرابة 10 سنوات ثم عادوا إليه مجددا طمعا في الحصول على إعانة السبعين مليون و السكن، كما تم، حسبهم، تسجيل أشخاص سكنوا المنطقة منذ أقل من ستة أشهر، و سيستفيدون على حساب مقصيين يعيشون في المنطقة منذ سنة 1950، مثل حالة الحاج "زويهر" و هو شيخ طاعن في السن هرع إلينا برفقة زوجته العجوز و تحدث عن حرمانه من التسوية "بسبب خلافات مع المير السابق"، حيث يؤكد السكان أن توافد الدخلاء تسبب في رفع قائمة المسجلين من حوالي 300 إلى أكثر من 500 في ظرف أشهر. و قد ذهب البعض إلى التأكيد بأن أصحاب فيلات أدرجوا ضمن القوائم، و بأن الكثيرين قاموا بطريقة غير قانونية بالتنازل عن سكناتهم في الحي لصالح أبنائهم، لكي يستفيدوا من أكثر من قطعة، في حين بدا الكثير من مواطني الحي غير مستوعب للمشروع، إلى درجة أن بعضهم طالبوا بإلغائه و تخلصيهم من "جحيم يومي" سببه، كما يقولون، تخوفهم من مصير مجهول، بعد أن اكتشفوا بأن عملية إعادة الهيكلة قد لا تحدث أصلا بسبب الصعوبات التقنية و مشاكل تقسيم الحصص، و إن تمت فستكون، حتما، بطريقة غير معمقة دون مراعاة الجوانب الاجتماعية، حيث طالبوا بضرورة فتح لجنة تحقيق في الأمر و تدخل الوالي في أقرب وقت. رئيس الجمعية يدعو السكان إلى تحمل مسؤولية اختيارهم رئيس جمعية حي "جعفارو عبد الله" قال بأن جميع الجوانب قد تم دراستها قبل إعداد مخططات البناء في الحي و ذلك تحت إشراف لجنة خاصة يترأسها رئيس الدائرة، كما لم ينفي تسجيل تحفظات قال أنها ستُسوى لاحقا، لكنه أنكر الاتهامات التي وجهت إليه حول إدراج دخلاء و المساهمة في إعداد مخططات منحت فيها امتيازات لأشخاص على حساب آخرين، مستغربا سبب تذمر بعض السكان من صيغة التسوية الجديدة بالرغم من التزامهم بها سابقا و عدم اختيار السكن الاجتماعي مثلما فعلت نحو مائة عائلة من الحي، حيث دعاهم إلى تحمل مسؤولية اختيارهم، مقدرا عدد الرافضين للمشروع بحوالي 40 من بين 370 شخصا ستنتهي عملية إعداد رخص البناء الخاصة بهم قريبا، من قبل مكتب الدراسات "سو". أما مدير هذا الأخير فقد أرجع حالة الاحتقان الحاصلة إلى صراعات سياسية و مشاكل داخلية بين بعض السكان و رئيس الجمعية، مؤكدا بأن المشروع يسير بوتيرة جيدة بعد أن تم رفع التحفظات المسجلة من قبل البلدية و تخص أخطاء إدارية و تقنية لدى إعداد الملفات و المخططات، في وقت حاولنا الاتصال برئيس البلدية الحالي لمعرفة رأيه في الموضوع لكن تعذر علينا ذلك علما أن رئيس الدائرة كان قد أكد بأنه مستعد لاستقبال جميع مواطني الحي للنظر في انشغالاتهم خصوصا، حسبه، و أن جعفارو يمثل أولوية للسلطات على اعتبار أن تسوية وضعية ساكنيه يعد مشروعا نموذجيا.