مشروع القرن الذي لم يكتمل بعد مرور 24 عاما من الأشغال يحلو للكثيرين بولاية تبسة وصف مشروع المسجد الكبير بمشروع القرن وذلك لطول مدة انجازه التي تجاوزت العقدين دون تجسيده بصورة نهائية على أرض الواقع ولأهمية هذه المنارة الدينية وتعطش المواطنين إليها من ناحية ثانية إذ رغم تعاقب السنين وتداول المسؤولين على هذه الولاية إلا أن انجاز المشروع في أحسن أحواله ظل يتحرك بسرعة السلحفاة، وبين تحرك قطار انجازه ببطء والتوقف لفترات استهلك هذا المشروع 24 عاما قبل وصوله إلى المحطة الأخيرة، ولم يتسن للكثيرين أداء الصلاة فيه مثلما كانوا يأملون وينتظرون، فقد غيب الموت بعضهم واختطف آخرين ممن كانوا قد حضروا ذات صيف من عام 1989 مراسيم وضع حجر الأساس آنذاك من طرف وزير الشؤون الدينية والأوقاف، من أمثال العلامة الراحل سعيد رمضان البوطي ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي وغيرهم ممن كانوا شاركوا في فعاليات ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت تنظمها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بانتظام بولاية تبسة في ثمانينيات القرن الماضي، فالمتحمسون للفكرة دفعهم عدم وجود فضاءات ومعالم إسلامية بمدينة تبسة تكون في مستوى ضيوف هذه الملتقيات الدولية إلى طرح فكرة انجاز مركب تتوفر فيه الشروط، وفي غمرة احتفائهم بوضع حجر الأساس نسي المبتهجون والمهللون للفكرة ما يحتاجه المشروع من موارد مالية ومن يد عاملة قادرة على تجسيد هذه التحفة المعمارية وفق فن العمارة الإسلامية المغاربية، فانطلق المشروع من محطة التدشين ولم يبارحها إلا قليلا ليجد المكلفون به أنفسهم في المربع الأول تقريبا وفي مواجهة جملة من المشاكل، بحيث بدأت تطفو على السطح مشكلة نقص الموارد المالية و قلة المقاولات المختصة،ناهيك عن عدم وجود تصاميم معمارية للمشروع وفق النمط المغاربي وغيرها من المشاكل، وقد دفعت آنذاك بالمسؤولين المعنيين إلى تكليف مكاتب الدراسات بإعداد 5 تصاميم معمارية لاختيار إحداها، وقد ساهم وجود فضاءات عقارية مشغولة للمواطنين بجوار المسجد في تأخر إنجاز المساكن الوظيفية بسبب العقار،وقد انتهت هذه المرحلة بمنح تلك العائلات عقارات بديلة، وبسبب حداثة هذه التجربة بالولاية توقف المشروع لعقد كامل لم ينجز خلاله سوى بعض الأشغال الأرضية السفلية، ولم تتمكن الجمعية الدينية للمسجد الكبير الذي أطلق عليه اسم العلامة الشيخ العربي التبسي بقادة صاحب أنشودة "جزائرنا" الشيخ محمد الشبوكي من تجاوز إشكالية الإعانات ومساعدات ذوي البر والإحسان، فقد أتضح أن المشروع أكبر من الإمكانيات المتوفرة وبات لزاما على أعضائها طلب مساعدات من السلطات،وفي عام 1999 أعيد بعث المشروع من جديد من طرف السلطات ضمن مخطط برنامج رئيس الجمهورية وفي 27 ديسمبر 2006 انتقل المشروع إلى طور جديد من خلال تكفل الجمعية بالدراسة على أن تتولى الولاية انجاز وإتمام المشاريع، بحيث رصد في البداية مبلغ 30 مليار سنتيم وبعد إعادة التقييم لانجاز باقي الأجنحة ضخت موارد ومبالغ أخرى ليصل المبلغ إلى حدود 80 مليار سنتيم، ومع توالي عمليات التقييم ارتفع الغلاف المالي ليلامس 187 مليار سنتيم وذلك لإتمام جميع العمليات بما في ذلك الجناح البيداغوجي والجناح الثقافي و المسجد،فضلا عن العمليات الأخرى المرتبطة بشبكة تصريف المياه الخارجية والإنارة ،وربط الأجنحة والمولد الكهربائي و أعمال النجارة و الأبواب الخارجية ،بالإضافة إلى عمليات انجاز 8 مساكن والتهيئة الخارجية وتدعيم الأجنحة والزخرفة الداخلية. وساهمت مديرية السكن والتجهيزات العمومية في السنوات الأخيرة في تنشيط الأشغال وتجاوز الإشكاليات العالقة والإعلان عن جميع المناقصات وسمح ذلك ببلوغ نسبة الإنجاز 60 بالمائة وتبقى برأي المختصين العمليات الدقيقة التي تحتاج إلى وقت،حيث أن زخرفة الآيات القرآنية تتطلب مواد أولية وبتركيبة من الجبس و مواد أخرى لمقاومة العوامل الطبيعية و تسهيل عمليات الزخرفة، وتستعمل حاليا مادة (التحجارت) ذات التركيبة المعقدة من الرخام والرمل والإسمنت الأبيض في تجميل الواجهة الخارجية للمسجد الذي كلفت 6 مقاولات مختصة في البناء والزخرفة والكهرباء وأشغال التهيئة الخارجية للإسراع في وتيرة الإنجاز، أما بالنسبة لتسليح القبة الكبيرة فقد أخذت هي الأخرى وقتا بالنظر لخصوصيتها من ناحية و لطبيعة شكلها من ناحية ثانية،فيما يبقى أكبر عائق واجهه المعماريون والمشرفون على هذه التحفة هو انجاز المنارات على علو 67 مترا،بحيث يتطلب انجازها الاستعانة بوسائل طوبوغرافية حديثة لضمان شاقولية هذه المنارات التي تعد الأكثر ارتفاعا بعاصمة الولاية ويمكن رؤيتها من الزوايا الأربع للمدينة. وتتوقع مديرية السكن والتجهيزات العمومية انتهاء الأشغال في أفق 2014 ولا تستبعد إقامة الصلاة فيه في رمضان المقبل إذا ما سارت الأشغال بنفس الوتيرة الحالية ،لينضم هذا المركب الضخم إلى 142 مسجدا التي تحصيها مديرية الشؤون الدينية والأوقاف حاليا بالولاية. الجموعي ساكر