دعوة إلى ترجمة أعمال آسيا جبار إلى العربية والاهتمام بأدبها سلط كتاب وأدباء وباحثون الضوء خلال الملتقى الدّولي الثامن الذي احتضنت اشغاله جامعة مولود معمري في تيزي وزو، في الأيام الثلاثة الماضية على تجربة الكتابة عند آسيا جبار، وحمل الملتقى عنوان "آسيا جبار أو مسيرة حياة" و نظّمه مخبر تحليل الخطاب وكلية الآداب واللغات بمساهمة حلقة أصدقاء آسيا جبار بفرنسا، وأوضح رئيس اللجنة التنظيمية الأستاذ عزيز نعمان للنصر أنّ هذا اللقاء احتاج إلى عامين من التحضير وقد تم اختيار آسيا جبار بالذات لأنها ابنة الجزائر ولأنها واحدة من رواد الكتابة الأدبية الجزائرية وكانت من الآباء المؤسسين للأدب الجزائري إلى جانب محمد ديب، كاتب ياسين ، مولود معمري، مولود فرعون وآخرون، مضيفا بان تكريم هذه المرأة الجليلة كان ضروريا. وقد كانت مداخلات الأساتذة والباحثون الذين قدموا من مختلف ولايات الوطن ودول العالم على غرار إسبانيا، فرنسا، الولاياتالمتحدةالامريكية، حيبوتي وتونس وغيرها ثرية جدا ومن مختلف الافاق ، وانصب الاهتمام على أهم المواضيع التي عالجتها آسيا جبار في رواياتها وأدبها بصورة عامة ، وتمحورت أشغال الملتقى في اليوم الأول حول الهوية والكتابة باعتبارهما عنصرين هامين تجسّدا كثيرا في كتابات آسيا جبار ثم وقع الاهتمام بعد ذلك حول الإرث الذي وضعته ذات الكاتبة تحت تصرف الجزائريين والمغاربة ودول العالم ككل ، وفي مداخلته التي كانت تحمل عنوان "أعمال آسيا جبار بين التناص والعلاقات السيميائية" قال الدكتور بلقاسم عيساني من جامعة المدية أن نصوص آسيا جبار تتميّز بكثرة التناصات، وقد تنوّع هذا التناص وامتد إلى آفاق متينة تنطلق من المنطق اللغوي الأمازيغي في إثبات حروف التيفيناغ إلى كتابات الرحالة الفرنسيين ، إلى الأدب الفرنسي ، إلى المنطق اللغوي العربي من القرآن الكريم والصيغ اللغوية الشعبية ، كل هذا الكم اللغوي والدلالي يتعايش في متونها السردية عبر تخيّر واع من طرف الكاتبة لانسجام نصّها السردي، كما أن منطق التفكير التناصي كتعريف موسّع يبيح استبصار العلاقة بين نصّ لغوي وعمل فني ، مما يستدعي إعادة تعيين الفروقات بين الوظائف السيميائية للفنون اللغوية وغير اللغوية مما يخرج علاقة التأثير والتأثر بينهما من البعد التناصي إلى البعد غير السيميائي ، كما تطرق ذات المتدخل إلى مفهوم يختلف جزئيا عن التناص وهو إعادة الكتابة حين توظف جبّار شواهد نصّية ثم تعيد صياغتها فيما يمكن أن يسمى بالتناص الخفي، وكانت هذه . المداخلة هي محاولة للولوج في مجال التعقيد العلائقي بين التناص والسيمياء من خلال أعمال آسيا جبّار، أما مداخلة حوارية النص و الصورة- آسيا جبار قارئة لدولاكروا "نساء الجزائر في مخدعهن" للدكتور سليم بتقة من جامعة بسكرة فقد أشار من خلالها إلى انّه خلال العام 1980 نشرت الكاتبة آسيا جبار مجموعتها القصصية المعنونة ب نساء الجزائر في مخدعهن، حيث اقترحت عملا مكتوبا وقدمته على أنه حوار بين الصورة والنص. هذه المجموعة القصصية بريشة دولاكروا وقلم آسيا جبار ، تجمع عنوان نساء الجزائر في مخدعهن بلدا هو الجزائر و اسمين كبيرين في الثقافة العالمية: الفنان التشكيلي الفرنسي أوجين دولاكروا (1798 - 1863) والأديبة الجزائرية آسيا جبار. وأضاف ذات المتدخل أن "نساء الجزائر ..." تحاول أن تقيم حوارا مع الرسم، بما أنها تستعير عنوانها من لوحة دولاكروا ، وهو مصدر إلهام لوضع مسار سردي يحكي قصة نساء الجزائر قبل، وبعد حرب التحرير. إنه لقاء الرسم بالكتابة، من خلال قراءة اللوحة و فك رموزها التصويرية التي اشتغلت عليها، ومن جهته الدكتور حاتم الفطناسي من جامعة سوسة بتونس ألقى محاضرة تحت عنوان "رؤية العالم وأسئلة الهوية والحرية في كتابات آسيا جبار الروائية" قال بأنه يجب منذ البدء، أن نذكّر بأهميّة الفضاء الروائي، بما يتراشح داخله من "واقعيّ" و" تخييليّ رمزيّ"، وبما يتولّد منه وفيه، من عوالم مقدودة على غير مثال، تعاضدت في تَخْليقها مختلفُ الأفعال القوليّة والمرجعيّات ومسالك التّهجين. و تكمن أهمية هذا الفضاء في كونه يقدّم رؤيةً للعالم وفهماً مخصوصاً له ومقاربة من مقاربات الكينونة والوجود. ولن يكون ذلك إلاّ عبر الأسئلة والإشكاليّات التي يطرحها الروائيُّ، تلميحاً أو تصريحاً، بصفةٍ مباشرة أو عبر الوسائط النصّية وأقنعة الشخوص وفنّيات الكتابة وفلسفةِ التّرميز بمختلف مستوياته، و انطلاقا من هذه القناعة الفكرية والإجرائيّة يضيف ذات المتدخل أنه ، يغريهم عالمُ آسيا جبّار، كما تغويهم مدوّنتها الروائية بالبحث في مجموعةٍ من المحاور و الدعوة إلى ضرورة العمل على تثمين هذه التجربة، بمزيد الاشتغال عليها باللّغات الأجنبية، وإلى استردادها إلى الفضاء الثقافي العربي، بتيسير قراءتها والاطّلاع على البحوث التي كتبت عنها بالفرنسية خاصّةً، للقرّاء العرب. وقالت الاستاذة مرابطي صليحة من جامعة مولود معمري في محاضرتها "التجربة السينمائية والبحث عن الهوية في أفلام آسيا جبار" أنّ الرواية عند هذه الاديبة، إضافة إلى أنها تنفيس عن الذات وإحقاق لهاجس الكتابة وإقرار للهوية المتميزة للمرأة، هي أيضا كتابة أكاديمية بكل المقاييس التي يفرضها الجنس الروائي بتقاليده المتوارثة وبطروحاته المستجدة التي تنهل من الموروث الأدبي العالمي والعربي والجزائري الأصيل، في سعي حثيث إلى إقرار الانتماء الأصيل إلى ثقافة جزائرية باعثة بجذورها في عمق الأصل الأمازيغي والعربي ومادة فروعها نحو اعتلاء العولمة والمعاصرة، وهي شريط "نوبة نساء جبل شنوة" وشريط "الزردة أو أغنية النسيان" إلا إقرارا للمشروع الكبير للروائية آسيا جبار وهو كتابة الهوية وهوية الكتابة. أمّا الاستاذ بكلية الأدب واللغات نعمان عبد العزيز فذكر خلال مداخلته "آسيا جبار: مسيرة حثيثة على خطى التاريخ والذاكرة" أنهم يسعون لإظهار مقدار ما يزخر به العمل الروائي للأديبة الجزائرية آسيا جبار من عناصر مُحيلة على هويتها، وعلامات مُعرّفة بانتمائها الثقافي في رحاب مدونة أدبية حميمية وفي كنف رؤية تقوم على قبول الآخر، لا سيما إذا كان ذلك الآخر أحد مخلفات الماضي ومكونات الذاكرة. ومنطلق الاستكشاف رواية " الحب والفانتازيا التي توفر للقارئ والدارس، على حد سواء، أرضيات خصبة للتساؤل عن مدى مساهمة الكتابة في الانخراط الهوياتي الثقافي وتحقيق تعايش بين ثقافة وطنية أصلية وثقافة متوسطية أملاها التاريخ وأرستها القيم الإنسانية. فتتأكد مع النص الروائي مسألة البحث عن لغة الحب مقابل لغة الحرب ولغة الأم مقابل لغة الإبداع، وتتولد لدى الكاتبة منطقة وسطى محايدة هي منطقة التلاقي والتبادل، أو ما يعرف عند من عُدت امرأة المغرب الكبير العظيمة ب "البرزخ" الذي يحدد فضاء الكتابة المتراوح في نصوصها بين جغرافيتين وعالمين وحضارتين. وإلى جانب هذا الوفاق تستعرض الرواية في فصولها المتراكمة سلسلة من حركات متعاكسة ظاهريا قوامها الذهاب والإياب بين الموضوعات والشخصيات والعقد، ومرتكز ذلك التناقض هو التاريخ المشترك الذي أفرز خللا في بناء الهوية، وهو ما حدا بالروائية إلى تكريس فلسفة المواجهة التاريخية التي من شأنها تقديم حلول لوضع التشظي الذي آلت إليه الهوية والتصدي لخطابات كراهية الآخر ورفض الاختلاف، تلك الخطابات التي اتخذت اللغات خصما تحطم به عناصر التعارف بين بني البشر باعتبارها عامل تقارب بينها، وقال نعمان أن . رواية "الحب والفانتازيا" تصلح لأن تُعدّ عينة أدبية كاشفة لكتابة قائمة في أصلها على فعل الاستذكار الذي يجعل جبار في حركة دؤوبة بين ضفتين متقاربتين ومتعارضتين في الوقت ذاته، فتبدو في مسيرتها التي لا ينال منها الكلل راسمة لمنطقة ما بين ثقافية تطبعها ألوان التوحد والتضامن والتنوع الثقافية والإنسانية المتدفقة من فضاء ما وراء الحدود واللغات والأجناس، هذا تحدث المختصون المشاركون عن ترجمة نص اسيا جبار وقد اقترحت متدخلة من اليابان رواية جبار " الحب والفنتازيا" واقترح اخر من فرنسا مكان نص جبار في اروبا كما تحدث متدخل اخر من الجزائر عن ضرورة ترجمة أعمال آسيا جبار إلى اللغة العربية وتحدثت مختصة من الولاياتالمتحدةالامريكية عن حظ روايات آسيا جبار وأعمالها من الترجمة في الولاياتالمتحدة ، وقد انصب الاهتمام في اليوم الثالث و الأخير من اشغال الملتقى التي اختتمت فعالياته امس الاثنين حول فكرة الكتابة في حد ذاتها وعادت مسالة الهوية في حلة أخرى. واعتبر الدكتور حاتم الفطناسي من جامعة سوسة بتونس أن اللقاء كان تلخيصيا وجامعا لاهم الجهود النّظرية التي أتى بها الباحثون من الشرق الى الغرب لمقاربة مدونة اسيا جبار بكل جزئياتها وتنوعاتها وبكل الحواجز النظرية والحضارية والانسانية التي رشحت في هذا النص الجبّار ، الثري الغني القابل للتأويلات المختلفة ولمداخل اجرائية وتأويلية متعددة ولمرجعية مختلفة واعتبر ان ما قامت به جامعة مولود معمري في تيزي وزو ومخبر تحليل الخطاب والهيئات المتعاونة معه تأسيسيا ومهما جدا في قراءة هذا الأدب والعلم الفكري وهي الاديبة العالمية آسيا جبار، هذا وقال عزيز نعمان أن الهدف الرئيسي من تنظيم الملتقى هو لنفض غبار النسيان ولو بشكل نسبي عن الاديبة الكبيرة آسيا جبار التي لا يمكن ذكر الجزائر من دونها ودون التطرق إلى أعمالها الأدبية الرائعة..