الزوايا تعود إلى النشاط المكثف و تستقطب أعداد كبيرة من الزوار بقالمة بعد سنوات طويلة من الركود و القطيعة مع عادات و تقاليد ضاربة في أعماق التاريخ ،عادت الزوايا القديمة إلى النشاط المكثف بولاية قالمة و تزايد عدد الأتباع و الوافدين إليها ،بعد أن كادت الطقوس الاحتفالية القديمة أن تختفي تماما ،تحت تأثير التحولات الاجتماعية المتسارعة التي أحدثت انقلابا كبيرا في الأفكار و السلوكات و قضت على جيل ظل يمجد الزوايا و ينظر إليها كرمز للعلم و معقل حصين ظل يحمي عادات و تقاليد الأمة و يمنعها من الانسلاخ و الذوبان في حضارة المستعمر الذي كان ينظر إلى تلك الزوايا كعدو و مصدر خطر يجب محاصرته و القضاء عليه حتى لا ينشر الثقافة و العلم و الفكر التحرري بين الجزائريين. و تنتشر بولاية قالمة العديد من الزوايا القديمة حتى أنه لم يكن هناك عرش أو مشته أو إقليم جبلي معزول بلا زاوية و ولي صالح أو مزار مقدس يجتمع فيه أبناء المنطقة كل سنة يقرأون القرآن و يرددون أناشيد و قصائد تراثية قديمة ،تتحدث عن القيم الإنسانية و تبرز التعاليم الدينية و مكانة الصالحين الذين نشروا العدل بين الناس و جسدوا أسمى معاني التسامح و التضامن بين أبناء الأمة. و تعد زوايا «أولاد سنان» ببلدية بلخير و «المعاطلة» ببلدية الركنية و «بوشلاغم» ببلدية عين أحساينية و «لالة هوارة» ببلدية بين مزلين و «السعادنة» ببلدية بوحمدان و الشيخ «الحفناوي بديار» بالناظور من أبرز الزوايا القديمة و المزارات المقدسة لدى السكان المحليين بقالمة إلى جانب مزارات أخرى أقل أهمية و استقطابا للزوار مثل مزار الحاج أمبارك و مرابط مسعود بمدينة قالمة و مزارات أم الجوامع و ماونة و لقرار. و لكل زاوية و مزار صغير تاريخ محدد يجتمع فيه السكان المحليين و الأتباع يقيمون الولائم و يرددون الأدعية و الأناشيد الدينية و يقرؤون القرآن و يجددون الوفاء للأولياء الصالحين رمز الطهارة و العدل و الخير. و لكل زاوية أتباعها و طريقتها الخاصة في الاحتفال فهناك زوايا تعتمد على القرآن و الأدعية و الأناشيد الدينية و المسابقات الفكرية الخاصة بحفظة القرآن و الحديث و هناك زوايا أخرى تمزج بين الالتزام الديني و تغذية الروح بأناشيد و ابتهالات ترددها فرق عزف تقليدية تمتع الحضور بألحان و قصائد شعبية قديمة تتحدث عن الأولياء الصالحين و الزوار و الطبيعة و الروح المقدسة. و يرى بعض المتتبعين لنشاط الزوايا و المزارات المقدسة بقالمة، بأن العودة المكثفة للأتباع و الزوار تعد بمثابة واقع جديد فرضته التحولات الاجتماعية و الاقتصادية المتسارعة التي أحدثت انقلابا كبيرا وسط المجتمع المحلي ، ضغوط الحياة اليومية انقطاع العلاقات الاجتماعية تفكك الأسر الكبيرة ظهور سلوكات اجتماعية مرتبطة بنظم الاتصال الجديدة حيث أصبحت الحاجة ماسة إلى متنفس أو منفذ روحي جديد يخفف تلك الضغوط و يصد التحولات المِثيرة ويقلل من آثارها المدمرة و وجد البعض في الزوايا و المزارات المقدسة و الولائم الجماعية ملاذا للهروب المؤقت من تبعات تلك التحولات و ما أفرزته من واقع اجتماعي ثقيل و ممل دفع بالبعض للعودة إلى العادات و التقاليد القديمة و البعض الآخر فضل طريقا آخر لمواجهة آثار التحولات المتسارعة.