كوستاريكا و الشيلي صغيران رسما معالم تغيير الخارطة الكروية العالمية وضعت كوستاريكا بصمتها بصورة واضحة على التغيير الذي طرأ على الخارطة الكروية العالمية في مونديال البرازيل بعد أسبوع فقط من إنطلاقته، لأن هذا المنتخب أبهر المتتبعين و خطف الأضواء بتأهله المستحق عن جدارة و إستحقاق إلى ثمن النهائي، بعدما كانت كل الحسابات قد صنفته في خانة الحلقة الأضعف في «مجموعة الموت « التي تضم 3 منتخبات سبق لها التتويج باللقب العالمي، و يتعلق الأمر بكل من إنجلترا، إيطاليا و الأوروغواي، لكن «الأرنب « الصغير تحدى كلا التكهنات و وثق في إرادة لاعبيه فتحاشى الموت الذي كان شبه مؤكد، و خرج من هذه المجموعة في ثوب «البطل»، بدليل أنه حجز أولى تأشيرتي التأهل عن جدارة و استحقاق، بعد نجاحه في إحراز إنتصارين متتالين، و يطمئن على مستقبله ضم «كبار العالم « حتى دون إنتظار مباراته الثالثة. كوستاريكا التي سرقت الأضواء من منتخبات عملاقة في هذا المونديال، أبهرت كل المتتبعين بطريقة لعبها المميزة، و التي تعتمد على كرة القدم الشاملة، لأن الفوز على الأوروغواي بثلاثية كان بمثابة رسالة مشفرة وجهتها كتيبة «التيكوس» للعالم بأنها مصممة على إسقاط كل الحسابات في الماء، ليكون التأكيد بقهر «الطليان» في إنجاز جعل الكل يسراع إلى رفع قبعة التحية لهذا المنتخب على إنجازه، و كذا الأداء المميز، و الذي يرسم صور المهارات الفنية العالية، اللياقة البدنية الخارقة للعادة، الروح الجماعية و النزعة الهجومية، و هي معالم منتخب كبير قادر على الذهاب بعيدا في هذه المنافسة، في غياب نجوم كبار، و لو أن براين رويز يبقى من أبرز لاعبي هذا المنتخب، و قد زادت نجوميته في العالم و ارتفعت أسهمه في سوق التحويلات بعد الهدف الذي سجله في مرمى إيطاليا، كما أن الحارس كيلوز نافاس يعد من الركائز الساسية لتشكيلة المدرب الكولومبي خورخي لويس بينتو بعد تألقه في «لا ليغا» مع نادي ليفانتي، خاصة بعد قهر العملاقين برشلونة و أتليتيكو مدريد، إلى درجة أنه أصبح محل إهتمام عديد النوادي قبل انطلاق مونديال البرازيل. و لعل ما زاد في إنجاز كوستاريكا إبهارا حسمه الأمور مبكرا في مجموعة كان مرشحا لأن يكتفي فيها بالعمل على الخروج منها بأخف الأضرار و توديع البرازيل من أول الأدوار، لكن تألقه سيجعل أفراح أنصاره تتواصل إلى الدور الثاني، مادام اللقاء الثالث ضد إنجلترا سيكون شكليا، بعد ترسيم إقصاء «الإنجليز»، و عليه فإن كوستاريكا ستضع بفضل هذا الإنجاز بطلين سابقين للعالم خارج السباق في أكبر تظاهرة كروية عالمية، رغم أنها تشارك لرابع مرة فقط في المونديال، و أفضل إنجازاتها بلوغ ثمن النهائي في أول ظهور لها في دورة إيطاليا 1990، مع الإقصاء من الدور الأول في نسختي 2002 و 2006. هذا و قد صرح مدرب منتخب كورستاريكا لويس بينتو عن هذا الإنجاز قائلا: « لقد غيرنا التاريخ، فلم يكن أحد يتوقع أننا سنستطيع حتى التفكير في الوصول إلى ثمن النهائي في مجموعة جد صعبة، لكننا رفعنا التحدي و تأهلنا عن جدارة و إستحقاق «.من جهته كان منتخب الشيلي طرفا بارزا في معادلة تغيير الخارطة الكروية العالمية، بعدما رمى ببطل العالم منتخب إسبانيا في «هاوية « الإقصاء المبكر، في فوج كان أبسط المتكهنين يرشح منشطي نهائي الطبعة الأخيرة إسبانيا و هولندا لكسب تأشيرتي المرور إلى الدور الثاني، و بالتالي تعبيد الطريق نحو أدوار متقدمة على أمل إعادة سيناريو جنوب إفريقيا و الإلتقاء في النهائي، لكن منتخب الشيلي رفض إرتداء ثوب الضحية و آمن بحظوظه في القدرة على تفجير مفاجأة مدوية، مادام «الماتادور» حزم حقائبه لتوديع البرازيل مبكرا، و نجم منتخب الشيلي ألكسيس سانشيز أجبر زملاءه في البارصا على التنازل عن نجوميتهم و العودة إلى إسبانيا يجرون خيبة أمل لم تكن متوقعة. و ما يطرح أكثر من تساؤل حول إفرازات الأسبوع الأول من مونديال البرازيل أن الإقصاء المبكر كان المصير الحتمي لبلدان تملك أفضل الدوريات على الصعيد العالمي، و يتعلق الأمر ب «لاليغا» الإسبانية و «البرومير ليغ « الإنجليزية، و هي بطولات تنشطها خيرة النجوم، كما أن «الكالشيو» الإيطالي مهدد بالخروج عبر أضيق الأبواب من المونديال، بعد هزيمة «الأسكوادرا أزورا « أمام الشيلي. من جهة أخرى فإن المعطيات التاريخية و الجغرافية ما فتئت تلقي بظلالها على مخلفات هذه النسخة، لأن قارة أمريكاالجنوبية تحتفظ بخصوصيتها المستمدة من الجغرافيا، سيما نسبة الرطوبة و عوامل الإرتفاع و تغير الظروف المناخية، كما أن تاريخ المونديال يسجل «قاعدة» لم تكسر إلى حد الآن، و هي أن كل الدورات التي تنظم في القارة الأمريكية لا يمكن أن يتوج بها بطل من خارج القارة، و هي قاعدة ترسخت بعد تكرر «النكسة « الأوروبية في 7 دورات، و خروج كبار أوروبا كإسبانيا و إنجلترا مبكرا يعد بمثابة مؤشر أولي على إمكانية بقاء منتخبات أمريكاالجنوبية أسياد العالم في كل المونديالات التي تقام لقارتهم، و لو أن هذه النسخة قد تكشف عن هوية بطل جديد للعالم، في ظل التألق المميز لكل من كوستاريكا و الشيلي.