المسابقات التلفزيونية تكرس القصيدة التقليدية وتعيد الشعر إلى الجاهلية قالت الشاعرة التونسية آمال موسى أن المسابقات الشعرية التي تبث عبر الفضائيات العربية وتصرف عليها ميزانيات ضخمة، لا تساهم في تطوير الشعر بقدر ما تكرس الشعر التقليدي الذي لم يعد يصلح لزماننا هذا، نظرا للخطوات الكبيرة التي قطعها الشعر في الوطن العربي ودخوله عالم القصيدة الحداثية من خلال شعراء كبار على غرار أدونيس. و ركزت صاحبة ديواني «أنثى الماء» و «خجل الياقوت «على الدور الذي يجب أن يؤديه الناقد من أجل تطوير الشعر العربي بعيدا عن المجاملات أو جلد الشاعر. حاورها: حمزة دايلي التقت النصر بالشاعرة التي تعد من أهم الأصوات الشعرية في العالم العربي اليوم و الفائزة بجائزة لوريتشي بيا Lerici Pea " التي تمنح منذ 60 سنة لشعراء من منطقة البحر الأبيض المتوسط،على هامش مشاركتها مؤخرا، كضيفة شرف في مهرجان الشعر المعاصر الذي نظمه مخبر الترجمة في الأدب و اللسانيات بجامعة قسنطينة 1، وحاورتها في بعض القضايا. النصر: ماذا يعني لك أن تكوني ضيفة شرف بمهرجان شعري في جامعة قسنطينة؟ آمال موسى: بالنسبة لي يمثل تأكيدا للتواصل بين الجزائر وتونس باعتبارهما جزء مهما من المغرب العربي، كما أعتبر التواصل قدرا حتميا للمنطقة المغاربية وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أننا نعمل ونبدع في نفس المجال الثقافي المشترك بالإضافة إلى الاشتراك في نفس رأس المال الثقافي الذي يتمثل في اللغة العربية، والشعر هو أرقى ما يمكن أن يعبر عن هذه اللغة. كثيرا ما ينتقد الشاعر ويعتبرمقصرا في واجبه السياسي ؟ أعتقد أن دور الشاعر بالأساس هو كتابة قصيدة متطورة ناقدة وجريئة ومبدعة جماليا، أما دور السياسي فهو أن يقترب من الشاعر وأن يستفيد من طاقات الشعراء و من تصورات الشعراء لعالم أفضل، فأي مبادرة من الشاعر باتجاه السياسي تمس الشاعر وتمس أيضا باستقلاليته بشكل عام، لكن من خارج القصيدة يمكن للشاعر أن يتواصل مع السياسي عبر كتابة مقالات الرأي وغيرها من الأطر الأخرى في الكتابة أو من خلال وجوده في التظاهرات الاجتماعية ، والحضور المتكرر في وسائل الإعلام هو فرصة لحث السياسي من خلال الرأي. أما المجال الإبداعي فهو خاص بالإبداع ، فأنا أنزه القصيدة من أن تكون مجالا لتوجيه رسالة إلى السياسي، فليس هذا دور القصيدة، لكن حضور المبدع والشاعر في مختلف وسائل الإعلام ، يمكن أن يتيح الفرصة لتقديم الرأي وتقديم اقتراحات بناءة، خاصة ما تعلق منه في الكيفية التي يكون عليها المجتمع، وتطوير الممارسات الاجتماعية و التغيير الثقافي في المجتمعات العربية خاصة. مع العلم أن هذه المجتمعات بحاجة إلى هذا التغيير الثقافي القيمي. لكن هنا من الشعراء في عالمنا العربي من يتملقون السياسيين من أجل مناصب معينة؟ كان يمكن للتملق أن يمرر،لأنه كان مخفيا فيما مضى، لكن اليوم بحكم ظهور وسائل الإعلام والتواصل المكثف و المتعدد الاتجاهات أصبح التملق مكشوفا، فمن غير اللائق أن يكون هذا التملق موجودا من الأصل ، فالأفضل للشاعر أن يتملق للشعر وحسب. .القصيدة العربية تطورت في حين يلاحظ عدم تطور المتلقي العربي ... صحيح فالمتلقي العربي لم يتطور بالشكل المطلوب، لكن هذا يعتبر أمرا طبيعيا، فالشاعر يجب أن يكون سابقا لمجتمعه وزمنه وسابقا أيضا لشروط المقروئية ، ليس هناك إشكالية من هذه الناحية بالنسبة لشاعر، كما أنني لا أتفق مع من يرون بأن المقروئية في تراجع في الوطن العربي، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار تناقص نسب معدلات الأمية مع تزايد نسب المتحصلين على الشهادات الجامعية ، لكن يمكننا أن نتحدث عن قراء نوعيين في مرحلتنا الحالية، فنحن لا نبحث عن جماهيرية على غرار الجمهور الرياضي أو جمهور الأغاني والموسيقى، فكل ما سبق يجعل من الممكن التحدث عن قارئ متمكن و لديه مستوى علمي يؤهله للتعاطي مع قصيدة اليوم، التي أصبحت نصا مفتوحا على الأسطورة والفلسفة، ومن جهة أخرى فهذا التطور النوعي حصل حتى في مفهوم الشعر والكتابة الشعرية التي عرفت عدة تغيرات جوهرية. .الحديث عن التغيرات الحاصلة في عالم الشعر يفرض علينا أن نتساءل هل حان الوقت لرفع الوصاية النقدية عن القصيدة الشعرية؟ هناك نقص كبير في مجال النقد في الوطن العربي وعلينا إعادة الاعتبار للمدارس النقدية الحديثة وما بعد الحداثية، كل هذا يمكنه أن يفيد الشعر من خلال عملية الحفر المتواصل في المدونات الشعرية، فللنقاد دور كبير لإيصال القصيدة إلى القارئ مع إظهار مواطن القوة. كما أنه يمكنه أن يظهر مواطن الضعف فهي إضاءات مهمة جدا، لكنها ليست محددة مئة بالمئة، فالنقد ليس حدا حاسما لمهمة الشعر وإنما يمكن أن يلعب دورا في ايصال الشعر فهو حين يكتب عن تجربة شعرية معينة،يحاول أن يساهم في نشر هذه التجربة،مع ضرورة تعميق الانشغال النقدي . .أحيانا يظلم النقد أسماء إبداعية في بدايتها ؟ النقد يجب أن يكون مبدعا ويجب أن يكون خلاقا، فأنا أظن أنه يجب على الناقد حين يرى تجربة معينة دون المستوى أن يتركها ويتغاضى عن الحديث عنها، حيث يعتبر ذلك تنزيها لقلمه، لكي لا يمارس عملية جلد الشاعر ولكن في المقابل الشاعر الذي يمتلك مشروعا ورؤية جمالية واضحة وعميقة، و يجب أن يمتلك قوة الثقة في قصيدته وفي شعره، ما جعله أيضا يتجاوز أي نقد ربما يكون تدميري . فالتجربة الشعرية ذات جماليات مختلفة يجب أن تكون مستعدة للتوجهات الكلاسكية في النقد، فالنقد حين لا يكون متحررا منفتحا، ولا يكون تساؤليا بالأساس، لن يكون عاملا مساعاد للشعر بالتأكيد. .ألا يقع بذلك في خندق المدح والمجاملة ؟ وظيفة النقد ليست الهجاء ولا المدح ، بل هي الحفر في التجربة ومحاولة تأويل الصور الشعرية وما يريد أن يقوله الشاعر الذي يعتبر في نهاية الأمر إبداعا على إبداع و محاولة قراءة التجربة الشعرية من خلال قراءة نوعية لشخص متخصص في النقد ولديه أدوات لمقاربة الشعر. .هل استطاعت المسابقات الشعرية أن تعمم الشعر و تردم الفجوة بينه و بين عامة الناس؟ أنا ضد المسابقات التلفزيونية المخصصة للشعر،لأن بها الكثير من الصخب والضجيج، فنحن في القرن الواحد والعشرين وحين تشاهد البرامج المخصصة للشعر، تعطيك الانطباع بأننا لازلنا في العهد الجاهلي، إذ أن مواضيع هذه المسابقات تدور حول البحور الشعرية بالأساس والقصائد العمودية، وهي تكريس للشعر التقليدي أكثر منه محاولة في البحث عن نصوص حداثية. هذه البرامج تمثل قطيعة مع الشعر الحديث، ومع ما وصلت إليه القصيدة اليوم، فهي تسعى للرجوع بالشعر إلى مراحل أولى كان من المفروض أن يتم تجاوزها لأنها تمثل سمات مرحلة منقضية. . لمن تقرأ آمال موسى ؟ هناك العديد من الأصوات الجميلة والمتحررة في المغرب العربي و المشرق، لكن ينقصها الاهتمام النقدي، كما ينقصها توزيع الكتاب الورقي، غير أن المغرمين بالشعر يمكنهم أن يبحثوا و يقرأوا، خاصة مع توفر مجالات التواصل الاجتماعي، فأنا أقرأ لأدونيس وأحبه كثيرا، لأنه صوت مميز و حداثي، كما أقرأ لمحمد علي شمس الدين، أما للشعراء العالمين فأقرأ لبودلير و رامبو والشاعرة الإسبانية كلارا خانيس. كلمة ختامية أهنئ قسنطينة لكونها ستكون عاصمة الثقافة العربية وأنا سعيدة بتواجدي في مدينة عزيزة على قلبي.