يشهد الاقتصاد التونسي تراجعا كبيرا نتيجة لانعدام الاستقرار السياسي وتردي الاوضاع الامنية مما جعل اوساط الاعمال والإستثمار تبدي تخوفاتها من ان تؤدي الاضطرابات إلى انسحاب المستثمرين والصناعيين الاجانب الناشطين في تونس ومراجعة برامجهم الإستثمارية المستقبلية وتحويلها نحو وجهات اخرى اوتقليص نشاطات مؤسساتهم القائمة حاليا. وقد دعا المستثمرون عامة والصناعيون منهم على وجه الخصوص في العديد من المناسبات السلطات التونسية إلى" العمل" من اجل اعادة الامن والهدوء والسكينة إلى ربوع البلاد" مما سيسمح لامحالة بتواصل انشطة المؤسسات الصناعية التي تكبدت خسائر جسيمة جراء اعمال التخريب والحرق والنهب. و حذر العديد من المختصين من خطورة " الانزلاق الاقتصادي " باعتبار ان المرحلة الحالية تستلزم اهتماما بالغا بالجوانب الاقتصادية بعد ان تم التركيز في الفترة الاخيرة على الجانب السياسي والامني اذ ان تجنب مخاطر " الانفلات الاقتصادي" مرتبط اساسا بتحسين الاوضاع الامنية وتلبية المطالب الاجتماعية حسب الاولويات. لكن حتى ولو توفر الجانب الامني فان تفادي وتجنب اي انزلاق اقتصادي انما يستدعي جلب وتكثيف الإستثمارات والاسراع في استئناف نشاطات المؤسسات المنتجة وايلاء العناية الفائقة لقدرتها على توفير التمويل اللازم لانشطتها واسترجاع اسوقها الخارجية والايفاء بتعهداتها ومواصلة الحفاظ على قدراتها التنافسية واستعادة النسق العادي لمستوى الانتاج والتصدير. وبالنظر إلى الظرف الامني وانعدام الاستقرار السياسي وافتقار مناخ الإستثمار للشفافية الضرورية علاوة على النقائص الهيكلية التي ميزت بعض الانشطة الاقتصادية فان كل هذه العوامل انعكست على الديناميكية الاقتصادية للبلاد حيث سجل النمو الاقتصادي في تونس في الفترة الراهنة بعض التراجع. ويرى المختصون ان الامر يتطلب اتخاذ اجراءات هيكلية عاجلة لضمان ظروف افضل للنهوض بالاقتصاد التونسي تتمثل في احلال السلم والامن وارساء اسس محيط اعمال ذى مصداقية وشفافية لاستعادة ثقة المستثمرين وبالتالي الحفاظ على مناصب العمل ودفع النمو علاوة على القيام بمراجعة جذرية لنموذج التنمية التونسية وعودة الدور التعديلي للدولة قصد الحفاظ على التوازنات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى للبلاد وضمان توزيع عادل للثروات بين مختلف الفئات والجهات. ولم يكن موقف البنك المركزي التونسي مخالفا لهذه الاراء حيث يرى محافظ البنك مصطفى كمال النابلي ان الاحتياطي الذي تتوفر عليه البلاد من العملة الصعبة قد عرف تراجعا من 13 مليار دينار تونسي (دينار تونسي واحد يعادل 5ر0 يورو ) إلى 2ر12 مليار دينار تونسي حاليا معيدا هذا التراجع في الاحتياطي من العملة الصعبة إلى تراجع جهود التصدير. لكن ذات المؤسسة المالية التونسية أكدت في بيان لها ان عملية استقراء بعض الموشرات قد أبرزت قدرة الاقتصاد التونسي على " مجابهة كلفة الاحداث الاخيرة " من ذلك تواصل المعاملات على المستوى النقدي والبنكي بشكل يكاد يكون طبيعيا وكذا استرجاع العمليات البنكية لنسقها الطبيعي واستعادة هذه البنوك ثقة حرفائها. ولقد واصلت البنوك المتمركزة في تونس نشاطاتها المالية والتجارية بشكل جد طبيعي وذلك على الرغم من تعرض نحو 105 فرعا من فروعها إلى اعمال الحرق والنهب والتخريب في مختلف انحاء البلاد علاوة على اتلاف زهاء 280 من الموزعات الالية للاوراق النقدية الا ان ذلك لم يشكل عائقا امام هذه المؤسسات للاستمرار في اداء مهامها بصفة عادية. وحول التحويلات المالية والقروض التي قدمت لفائدة اسرة الرئيس المخلوع وانعكاساتها على الصحة المالية للبلاد فان محافظ البنك المركزي التونسي مصطفى كمال النابلي يرى ان عملية التدقيق الاخيرة لدى البنوك قد ابرزت ان القروض التي تدين بها اسر الرئيس المخلوع إلى عدد من البنوك العمومية والخاصة تصل إلى ما قيمته 2500 مليون دينار تونسي اى ما يعادل 5 بالمائة من حجم التمويلات البنكية لافتا إلى ان ذلك من شانه ان يكون له انعكاسات على الرغم من قدرة هذه المؤسسات المالية على استيعاب مخاطر هذه القروض بالاعتماد على الاحتياطي المتوفر.