أصبحت جيجل تستقطب في السنوات الأخيرة المزيد من السياح الذين أصبحوا يقصدونها من كل حد وصوب. فبعد أن خرجت من خمولها خلال العشرية الأخيرة أصبحت اليوم تستقطب المزيد من الضيوف والمسافرين ليس خلال فصل الصيف بمناسبة موسم الاصطياف فحسب بل طيلة السنة. وتوجد هناك عديد العوامل التي تقف وراء هذا التحول والتطور الذي جعل من ساحل (اللازورد) وضواحيه جنة فوق الأرض. عاصمة الوئام المدني وبعودة السلم والطمأنينة إلى ما يمكن تسميتها بعاصمة الوئام المدني لم تعد جيجل منبوذة مثلما كانت عليه في الماضي بل أصبحت مقصدا مفضلا للكثيرين. فقد تغير الوقت بشكل كبير لتصبح "إيجيلجيلي القديمة" حاليا في ثوب جديد مغاير تماما لما كانت عليه خلال تسعينيات القرن الماضي فواجهتها المطلة على البحر يوجد خلفها غطاء غابي أخضر كثيف ما جعل سكانها أكثر فخرا واعتزازا بها. فمن فيجري إلى جيجري مرورا بإيجيلجيلي جيلجيل أو جيجلي لتصبح حاليا جيجل فإن الحرف "إي" يدل على أن الفينيقيين يقصدون بذلك وجود جزر صغيرة على الساحل فيما يدل جيلجيل على دائرة من الصخور حسبما ورد في مصادر تاريخية. ومن بين التواريخ المرجعية 23 جويلية 1646 تحت أمبراطورية لويس الثامن وهي حملة فرنسية قادها الدوق دوبوفور وهو الإبن الأصغر لهنري الرابع الذي نزل و تمت مطاردته في نفس السنة. وفي 13 ماي 1838 أي مرور 9 سنوات من احتلال الجزائر العاصمة وبعد سنتين عن احتلال قسنطينة أنزلت القوات الفرنسية بجيجل. وكانت مقاومة القوات الفرنسية قد تميزت بهجمات قام بها سكان جيجل خلال العشرية 1841-1845 و1847-1851. أما الاحتلال الكامل لجيجل فلم يتحقق إلا سنة 1851 من طرف الجيش الفرنسي الذي قدم إليها من ميلة تحت أوامر سانت آرنو. تاريخ ولد مع الحضارة البونيقية ويبدو أنه من خلال الاتصال بالحضارة البونيقية بدأ تاريخ جيجل. وحسب أبتوليمي كاتب التاريخ الروماني فإن دائرة المدينة كانت تعج بالسكان من خلال قديمة كتامة الكبيرة. واستنادا لبعض الوثائق التاريخية فإن راكس جانسيس تيطامانوروم وهي كتابة رومانية عثر عليها بمرتفع فدونس تدل بشكل واضح على سكان دائرة جيجل في وقت الغزو الروماني. كما أن ابن خلدون نقل في كتابه "تاريخ البربر" أن دائرة جيجل كانت مسكونة من طرف كتامة وهي قبيلة بربرية شجاعة وقوية. ونفس هذه القبيلة التي حكمت في المناطق الداخلية للبلاد في القرن التاسع هي التي استقرت بمصر حيث أسست القاهرة. وزيادة عن 23 قرنا من التاريخ فقد ساهمت جيجل برجالها في الحركة الوطنية و في حرب التحرير الوطنية وكانت قلعة حصينة خلال الكفاح من أجل التحرير الوطني كما كانت مقرا للولاية الثانية التاريخية وذلك بأولاد عسكر. ومن بين الشخصيات البارزة التي ميزت تلك الفترة فرحات عباس (1899-1985) أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية و محمد الصديق بن يحيى (1932-1982) مفاوض اتفاقيات ميلون وإيفيان و وزير أسبق للشؤون الخارجية و القائد حسين رويبح (1922-1960) محافظ سياسي سابق بالولاية الثانية التاريخية وغيرهم كثيرون. وبحلول الاستقلال لم تكن جيجل سوى دائرة صغيرة تابعة إقليميا وإداريا لعمالة قسنطينة و ذلك إلى غاية 1974 حيث ارتقت لى مصاف ولاية بموجب التقسيم الإداري الذي قررته السلطات العمومية في تلك الفترة. و كانت جيجل تفتقر إلى التأطير وإلى شبكة للطرق لتبقى تعاني من التخلف و العزلة في صمت وهذا كان دليلا قاطعا على مدى التخلف الذي كان يضرب هذه المنطقة على الرغم من قدراتها الطبيعية خاصة الفلاحية منها التي تصنع إلى غاية اليوم طابعها المميز. لكن بعد 38 سنة تغير كل شيء بهذه المنطقة ذات المناظر الطبيعية والشواطيء التي تتمتع بشهرة كبيرة. وعلى مساحة 2.398 كلم مربع فإن ولاية جيجل التي تضم 11 دائرة و28 بلدية وواجهة بحرية بطول 120 كلم أي ما يعادل 1/10 لساحل البلاد والتي يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط وسكيكدة شرقا ومن الغرب بجاية ومن الجنوب كل من قسنطينة وميلة فإن المسافة التي تستغرقها الطائرة بين جيجلوالجزائر العاصمة لا تتعدى 30 دقيقة و بحوالي ساعة واحدة عن مدن أوروبية على غرار نابولي (إيطاليا) وبرشلونة (إسبانيا) و مرسيليا (فرنسا). ومن خلال تضاريس وعرة تتميز بجبال تحت 82 بالمائة من مساحتها الإجمالية مع قمم تصل إلى علو 1.800 متر عن سطح البحر تعتبر جيجل منطقة من بين المناطق التي يسجل بها أكثر تساقط للأمطار في الجزائر. و تتميز بمناخ متوسطي ممطر وبارد شتاء حيث يتراوح متوسط تساقط الأمطار سنويا ما بين 800 إلى 100 ملم قد يصل في بعض الحالات إلى 1.800 ملم سنويا وتعد بذلك خزانا مائيا بالنسبة لمنطقة شرق البلاد. وفي آخر إحصاء عام للسكان والسكن لأفريل 2008 كانت ولاية جيجل تحصي 636.948 ساكن مع معدل خام للولادات ووفيات ونمو طبيعي يقدر على التوالي ب19,20 في الألف و4,14 في الألف و1,40 في الألف. و تعد ولاية جيجل كذلك منطقة فلاحية وغابية بامتياز حيث تحتل الفلاحة بها النشاط الاقتصادي الأساسي الذي يحصي وحدة أزيد من 19.443 مستثمرة فلاحية 95 بالمائة منها خاصة. و تحتل السهول حيث تنتشر زراعة الخضروات 14.173 هكتار أي ما يعادل 33 بالمائة من المساحة الفلاحية فيما تمثل الجبال والمساحات التي تقع أسفلها 29.424 هكتار(67 بالمائة من المساحة الفلاحية) مقابل مساحة غابية إجمالية ب115 ألف هكتار تغلب عليها أشجار بلوط الفلين ب43.720 هكتار وبلوط الزان والأفاراس ب7.750 هكتار والبلوط الأخضر ب324 هكتار والصنوبر البحري ب1.140 هكتار والأحراش والأدغال ب58 ألف هكتار بالإضافة إلى أصناف أخرى تتربع على 4 آلاف هكتار. ميناء جن جن: رئة التنمية وعلى الرغم من أن مشروع إقامة مركب للحديث والصلب ببلارة لم يتجسد على الأرض فإن هذا الموقع المتربع على 320 هكتار يستقطب حاليا مشاريع صناعية هامة من شأنها أن تسهم في فتح الكثير من مناصب العمل وتضفي ديناميكية على النشاط الاقتصادي والاجتماعي المحلي. كما أن الإنجازات المهيكلة الكبرى التي تجسد في سياق مشروع مصنع الحديد الصلب الذي ولد ميتا من بينها محطة توليد الكهرباء بالأشواط والسكة الحديدية الرابطة بين جيجل و رمضان جمال (سكيكدة) وميناء جن جن الضخم الذي يعرف إقلاعا ملحوظا في الوقت الحالي وتحديدا منذ أن اختص في استقبال المركبات و العتاد المتحرك. كما أن المطار الذي أطلق عليه اسم أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية فرحات عباس قد استعاد حيويته بداية من 1982 وذلك من خلال رحلات بين جيجل و الجزائر العاصمة ثم منذ وقت ليس بعيد مع مدن فرنسية بعد أن تم تصنيفه مطارا دوليا. فكل هذه المنشآت الاقتصادية العاملة حاليا قد أعطت حيوية اجتماعية اقتصادية وثقافية انعكست بشكل إيجابي على سكان المنطقة. كما أن الغاز الطبيعي الذي يسجل معدل الربط بشبكته تقدما ملحوظا على غرار التموين بالطاقة الكهربائية ونمو الحظيرة العقارية المبنية و كذا التجهيزات الاجتماعية التربوية و تلك المخصصة للشباب و الترفيه إلى جانب الهياكل الاستشفائية لتلبية احتياجات السكان تعد أيضا مؤشرا آخر لمدى التقدم المسجل بهذه الولاية. ويزخر الكورنيش الجيجلي بطول 120 كلم بالمناظر الخلابة و الأخاذة ما جعل شواطئه أكثر استقطابا للسياح و الزوار طيلة أيام السنة كما توجد به الكهوف العجيبة لزيامة منصورية و غار الباز إلى جانب حديقة الحيوانات لكيسير و حظيرة تازا والمنار الكبير فضلا عن عديد المواقع التي تعد مفخرة هذه المنطقة. ومن خلال حظيرة فندقية تضم حاليا 20 نزلا تتسع في مجملها لأزيد من 2.000 سرير فإن قطاع السياحة يتطلع إلى مستقبل أفضل من خلال إنجازات جديدة وأخرى في طور الإنجاز أو في مرحلة المشروع على غرار فندق من طراز عال بأعالي مدينة جيجل يندرج في إطار الاستثمار الخاص. وإذا كانت وسائل الإنجاز في مجال السكن ما تزال غير كافية حسبما يشير إليه المسؤولون المحليون فإن هذا يعني بأن مجهودا قد تم تسجيله بهذه المنطقة في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة. وقد عرف قطاع السكن خلال العشريات الأخيرة تقدما ملحوظا بالمنطقة حيث تقدر الحظيرة السكنية حسب الإحصائيات ب128.097 وحدة منها 70.047 بعاصمة الولاية و24.816 وحدة بالمناطق العمرانية الثانوية و30.234 سكنا موجودا بمناطق متناثرة. وبشأن السكنات الهشة التي تبذل جهودا لامتصاصها في إطار مختلف البرامج التي استفادت منها هذه الولاية فتقدر ب5.286 وحدة. فمعدل شغل السكن الواحد الذي كان إلى غاية نهاية 2009 يقدر ب7,14 فرد في السكن فقد تم إنجاز خلال نفس السنة 3.920 سكن ما بين ريفي وحضري. أما تلك التي تم الشروع فيها خلال نفس الفترة فبلغت 6.079 وحدة حسبما تتضمنه إحصائيات المديرية المحلية للتخطيط و تهيئة الإقليم. وفي مجال التكوين المهني فإن هذه الولاية التي كانت تتوفر على مركز واحد بوسط مدينة جيجل القديمة أصبحت تضم اليوم مؤسسات عبر تقريبا كل بلدية تقترح جملة من تخصصات التكوين لفائدة الشباب فضلا عن معهد وطني عالي يقصده حتى متربصون من جنسيات افريقية. نفس الشيء بالنسبة لقطاع التربية الوطنية الذي حظي باهتمام خاص منذ أن تمت ترقية جيجل إلى مصاف ولاية. فبعد أن كانت جيجل تتوفر على ثانوية وحيدة تحمل اسم العلامة الكندي والتي تخرجت منها عديد الأجيال فإن هذه المنطقة تتوفر حاليا على 34 مؤسسة للتعليم الثانوي عبر ربوعها يقصدها حوالي 30 ألف تلميذ. ونفس الوضعية تنطبق على مؤسسات التعليم المتوسط أو المدارس الابتدائية. وبشأن التعليم العالي والبحث العلمي المتمثل في جامعة محمد الصديق بن يحيى التي أنشأت بموجب مرسوم تنفيذي رقم 03-258 ل22 جويلية 2003 فتضم قطب جيجل الذي كان في السابق مركز للتكوين الإداري وآخر بتاسوست فيما يوجد قطب ثالث يرتقب استلامه في آفاق 2014-2015 يتضمن عديد الكليات. وفي زيارة عمل قام بها مؤخرا الوزير بالنيابة لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي السيد الهاشمي جيار قد ألح أمام السلطات المحلية على احترام الآجال المحددة لتسليم مشروع القطب الجامعي المرتقب ببلدية العوانة (غربا). "العزلة" لم يعد لها أثر ضمن المفردات بجيجل وفي مجال الهياكل الصحية فقد تم تحقيق تقدما ملحوظا من خلال إنجاز 3 مؤسسات استشفائية عمومية بكل من جيجل والطاهير والميلية للاستجابة لاحتياجات سكان هذه المناطق العمرانية الكبيرة تضاف إليها 6 مؤسسات عمومية صحية جوارية. و فضلا عن مدرسة للتكوين في شبه الطبي التي تمد من حيث التأطير لهذه الفئة من المستخدمين في الصحة فإن هذه المنطقة تتوفر كذلك على 30 وحدة للكشف والمتابعة الصحية في الوسط المدرسي ومخبر ولائي للنظافة و23 مكتبا للنظافة. و قد ازداد تعداد المستخدمين في السلك الطبي بشكل محسوس وذلك وفقا لاحتياجات الهياكل الصحية. وفي مجال الري يسجل إنجاز سدود إلى جانب بذل مجهودات في مجال الاتصالات تضمن تغطية جيدة لهذه المنطقة وفتح منذ نوفمبر 2006 لمحطة للإذاعة الجهوية وبناء دار للثقافة و إعادة تأهيل الطريق الوطني رقم 43 انطلاقا من العوانة إلى غاية الميلية و موانئ صيد بكل من جيجل و زيامة منصورية و العوانة لإنعاش نشاط الصيد البحري والنزهة إلى جانب العديد من المنشآت الاجتماعية و الثقافية التي رأت النور ما جعل جيجل تنسى سنوات الستينيات الأولى التي كانت تتسم بانقطاع التيار الكهربائي و الربط بالهاتف كانت تدوم أكثر من 15 يوما بل وحتى أشهر بكاملها. وبذلك، فإن مصطلح العزلة بدأ يتلاشى أو يمكن القول أنه قد ولى بحيث أن العزلة التي ما تزال حاضرة في بعض الأذهان لم يعد لها وجودا.