تزايد مؤخرا سيما و منذ دخول موسم الاصطياف الإقبال على رياضة كمال الأجسام في أوساط الشباب الذين تختلف أسباب لجوئهم إليها بين طالب للياقة والنشاط وراغب في بناء عضلات قوية وجسم ممشوق يجذب إليه الأنظار ولو عن طريق الاستعانة بالمكملات الغذائية وهرمونات قد تكون خطيرة على الصحة. ويعترف هؤلاء بأنهم من أجل التعجيل في الحصول على "جسد مثالي" يلجؤون إلى استخدام عقاقير طبية ومنشطات وهرمونات عدة من شأنها أن تسرع في بناء أجسامهم ولو كانت لها أضرار جانبية واضعين حياتهم على المحك إذ أن همهم الوحيد هو مظهرهم الخارجي والعضلات المفتولة متجاهلين أن تعاطي تلك المواد بطريقة خاطئة قد يؤدي إلى أمراض فتاكة. في ما مضى كان الصوص بحاجة إلى ما يقارب السنة لكي يصبح ديكا أما اليوم ف45 يوما فقط كافية ليصبح جاهزا ليحتل واجهات محال بيع الدجاج والمطاعم إنه عصر السرعة ربما الذي يبدو أنه قد دخل أيضا على خط رياضة كمال الأجسام إذ صار بالإمكان الحصول على جسد مفتول العضلات فقط خلال شهرين أو ثلاثة هل هذا معقول يجيب أحدهم "في زمننا هذا كل شيء معقول". ويستمد هؤلاء الشباب إلهامهم ورغبتهم الجامحة تلك من الرياضيين المشاهير ونجوم السينما وكذا أبطال المصارعة الحرة ذوي الأجساد المتناسقة والقوية فيتدفقون على القاعات الرياضية بحثا عن طرق لتنمية عضلات الذراع و شد عضلات البطن وغيرها. وكثيرا ما يندفع المبتدئون و يرتكبون أخطاء تؤدي إلى نتائج مخيبة للآمال و إلى عواقب صحية طويلة الأمد كما يقول حكيم مسير قاعة بناء الأجسام في شوفالي بالعاصمة والحائز على عدة جوائز في مسابقات الهواة لرياضة كمال الأجسام. توقعات الفرد العادي بشأن ما يستطيع إنجازه في قاعة الرياضة هي في الغالب غير واقعية إلى حد بعيد فالكثيرون لديهم تطلعات بأن يصبحوا مثل بناة الأجسام المحترفين الذين يرون صورهم في المجلات كما استشف لدى العديد من الشباب في جولة استطلاعية لوأج ببعض قاعات "كمال الأجسام" بالعاصمة. إنه لأمر مضلل تماما أن يرى الشباب صور هؤلاء المحترفين في المجلات فما يتصفحه المرء في المجلة هو صورة لأشخاص تدربوا واتبعوا حمية غذائية لفترة طويلة كما أن تلك الصور يتم تحسينها بإضفاء ألوان وظلال عليها عن طريق برامج الكومبيوتر والواقع أنه كثيرا ما تعاني أجسامهم من الجفاف فأصحاب تلك الصور يبدون بذلك المظهر لمدة يوم أو يومين على الأكثر بفضل المواد التي يذهنون أجسادهم بها إذ ما من وسيلة تسمح لهم بأن يكونوا كذلك كل يوم. "مارست هذه الرياضة منذ كان عمري خمسة عشر عاما لأنها تعطي الجسد شكلا جميلا وقوة بدنية ومظهرا لائقا" هكذا أفصح طارق 27 سنة أول مستجوب لدى ولوج إحدى قاعات ممارسة كمال الأجسام ببن عكنون واعتبر الشاب الذي كان يتصبب عرقا وهو يرفع الأثقال وينظر إلى المرآة أن لفت أنظار الفتيات كان من دوافع إقباله على هذا النشاط. ويشاركه الرأي إلياس 24 عاما الذي التحق بركب كمال الأجسام حديثا قائلا "اخترت هذه الرياضة لأنني أهتم كثيرا بالشكل الخارجي سيما في موسم الاصطياف فضلا عن أنها تساعدني في الحفاظ على صحتي بعيدا عن الأمراض" ويرى أن "الجسم الرشيق هو الذي يجعل الشاب متميزا أمام الفتيات". أما عن الهرمونات فصرحا دون تحفظ بأنهما يتعاطيانها لمساعدة عضلاتهما على النمو بسرعة في المقابل يرى محمد طالب بالمعهد الوطني لتكنولوجيا الرياضة أن كمال الأجسام "جواز سفر نحو عالم الثقة بالنفس". يتمرن محمد منذ ثلاثة أشهر فقط وهي فترة قصيرة نسبيا للحصول على عضلات مفتولة يقول بأنه يتناول الهرمونات بكمية محددة ويرفقها بنظام معين من التدريب ويعتقد أنها لا تشكل أي خطر على الصحة كما أنها ساعدته على زيادة وزنه و تكوين نسيج عضلي رافضا التسليم بأن للعقاقير آثارا جانبية خطيرة وإلا لكان معظم الأبطال في عداد الموتى اليوم حسبه. أما جهاد طالب من فلسطين و زميل محمد في التدريب فيرى أن لهرمونات النمو عدة تأثيرات جانبية لكنه يعتقد أنها ليست في غاية الخطورة وإلا لما تعاطاها الكثيرون و يرجع جهاد ومحمد أسباب تعاطيهما لهذه العقاقير إلى الرغبة في الحصول على جسد قوي في فترة قصيرة والسبب "البحر و حب التظاهر و جلب الاهتمام" مجهرا "ليس لدينا الصبر لأن ننتظر سنتين أو ثلاثا فيما بإمكاننا الحصول على النتيجة المرجوة خلال أشهر". الواضح أن هناك شبه إجماع لدى الشباب على دور العضلات الكبيرة في لفت أنظار الجنس الآخر لكن يبدو أن للفتيات رأيا آخر في الموضوع حسب بعض الآراء التي تم استيقاؤها من الشارع العاصمي فجميلة مثلا ترى "أن أغلب الذين يمارسون رياضة بناء العضلات شباب غير طبيعيين في مشيتهم وطريقة لبسهم". وتشير المتحدثة إلى أن الرجل ليس مظهرا فقط وتصف معظم من يمارسون هذه اللعبة بأن "عقولهم أصغر من أجسامهم" بسبب عدم وعييهم بخطورة العقاقير والهورمونات التي يتعاطونها. سهام من جهتها ترى أن الرياضة جيدة عموما لكن ليس كمال الأجسام إذ لا تجدها رياضة بل هي بنظرها "لعبة مرايا يقضي الشاب معظم وقته أمامها" وتضيف "من يود تكبير جسمه يشعرني بأنه فارغ من الداخل". وفي الخانة نفسها تقول إلهام "رغم أن رياضة كمال الأجسام هواية الكثير من الشباب إلا أن العضلات الكبيرة و المبالغ فيها تخيفني وتشعرني بالقرف أحيانا" قاصدة بذلك شقيقها الذي تنعته بالمهووس بعضلاته مردفة بأنه ينفق أيما إنفاق على المأكولات و المكملات البروتينية ك"الميغاماس" متناسيا واجباته المنزلية. وفي السياق ذاته لا ينكر بوعلام مدرب بإحدى القاعات بناء الأبدان بالعاصمة الذي بدأ ممارسة هذه الرياضة منذ 17 عاما أنه تعاطى حقن "الستيرويد" بجميع أنواعها ولا يزال يتعاطاها فحسبه "من غير الممكن بناء جسد بطل من دون حقن الهرمون" ويرى أن "لا خطر من استخدام هذه العقاقير تحت إشراف طبي وبجرعات قليلة ولفترة قصيرة" فبنظره "لكل شيء آثار جانبية حتى البنادول إذا أسيء استعماله". ويستدرك أن هناك "أنواعا مؤذية جدا ومنتشرة بكثرة بين الشباب ومن المفترض الابتعاد عنها ك"الانسولين والايفيدرين" مؤكدا أنه يعرف أشخاصا توفوا نتيجة تعاطي تلك الأنواع. أما سيد علي الذي تم استيقافه في شارع ديدوش مراد بالعاصمة لطريقة مشيته و عرض منكبيه التي تشد الانتباه فأعرب في الصدد ذاته أن "أغلبية الشباب يمارسون هذه الرياضة بشكل غير صحيح وغير منظم لذلك يركضون وراء الهرمونات والعقاقير والحبوب التي تضر أكثر مما تنفع". المنشطات بالنسبة لسيد علي من "المحرمات" ولا ينصح بها أحدا معتبرا أنه "بإمكان الشاب الوصول إلى الجسد المثالي بالمثابرة على التدريب و الغذاء الجيد" كما بإمكانه المشاركة حتى في البطولات العالمية من دون الحاجة إلى الستيرويدات والدليل أنه حاز على عدة ألقاب وطنية دون أن يتعاطى أي حبوب أو عقاقير كما يؤكد سيد علي قائلا "لقد اتبعت نظاما غذائيا خاصا كلفني كثيرا ولم أتناول حبة هورمون واحدة". "رجفة و تعرق و شعور بالبرد فدوار و رغبة في النوم وإذا نام لن يستطيع أحد إيقاظه رحمه الله" هذا ما يسببه التعاطي المفرط و اللاعقلاني للمقويات البروتينية و المنشطات حسب ما أكده الطبيب عادل بن خدة و عدد من الأطباء و المختصين الذين حاورتهم (وأج). وأوضح المختصون أن هذه العقاقير و المنشطات و المكملات الغذائية المتداولة في أوساط الشباب التي يفترض أن تباع في الصيدليات بوصفة طبية "يشتريها الشباب من أماكن لا تخضع للرقابة" رغبة منهم في زيادة حجم عضلاتهم أو لحصولهم على الطاقة دون علم بمصدرها و ما إذا كانت تحتوي على مواد كيميائية ضارة. وهذا بنظر الأطباء أمر يشكل خطورة على صحة الشباب فإدخال كمية كبيرة من الميغاماس مثلا أو غيرها من المنشطات إلى الجسم له تأثيرات جانبية عدة بالنسبة إلى الذكور البالغين أهمها تضخم الصدر و التهاب الكلى و اضطرابات التبول و الصلع المبكر و حب الشباب وكذا ارتفاع ضغط الدم و الفشل الكبدي و أمراض المعدة و غيرها من الأمراض التي قد تؤدي إلى الموت أحيانا. وأجمع الأطباء أن الشباب يتسببون في اختلال النظام الهرموني في الجسم الذي هو من أعقد النظم فتعاطيهم حقن الهرمون الذكري مثلا التستسترون "Testostérone" الذي يوصف لمن لديه تأخر في عملية البلوغ يؤدي إلى ضمور في الخصيتين فضلا عن ضعف الجنسي وفي مراحل متقدمة قد يؤدي إلى العقم. ويردف الدكتور بن خدة عادل شارحا أن "هورمون النمو" وحده المسؤول عن زيادة حجم العضلات وهذا الهرمون الذي تفرزه الغدة النخامية يوصف لمن لديه ضعف في النمو وإذا استعمل بطريقة غير طبية قد يسبب أمراضا سرطانية ويؤدي إلى إتلاف خلايا الهرمون الذكري. و ينصح الدكتور بن خدة الشباب بالابتعاد عن هذه "السموم" وبناء أجسامهم بطريقة طبيعبة من خلال نظام غذائي متوازن وممارسة التمارين الرياضية بانتظام. ويشار في الأخير إلى أن الصوص الذي أصبح ديكا خلال 45 يوما نتيجة تعاطيه الكورتيزون لا يعطي القيمة الغذائية نفسها التي يعطيها الصوص الذي يحتاج إلى سنة لكي ينمو طبيعيا فضلا عن أنه يسبب العديد من الأمراض.