يعد التعليم ونقل المعارف هدفا محوريا عملت حركة عدم الإنحياز منذ تأسيسها (1961) على إرسائه ليشكل في جوهره فهما عميقا للمشاكل التي يعاني منها العالم النامي بإعتباره الوسيلة الأكثر فعالية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة. ويأتى إهتمام حركة عدم الإنحياز بالتعليم ونقل المعرفة خلال مؤتمرها الوزاري السابع عشر المنعقد حاليا في بالجزائر كأولوية بإعتباره حقا أساسيا من حقوق الإنسان والأساس الذي تقوم عليه التنمية المستدامة لأنه يعزز تحقيق سائر الحقوق الأخرى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمدنية والسياسية. وإذ تنبثق أهمية الرقي بالمستوى التعليمي والتربوي للشعوب النامية من العقيدة الأساسية للحركة على إعتبار أن إتاحة التعليم تسهم في القضاء على الفقر وتعزيز الحكامة الرشيدة والمواطنة التشاركية وبناء السلام فإن ذلك ينسجم مع تصورات المنظمة الأممية للتربية والعلوم و الثقافة (اليونيسكو) من خلال جدول أعمال التنمية لما بعد 2015 الذي يرى أن"التعليم هو حافز للتنمية الاقتصادية الشاملة". - تنسيق للجهود من أجل المضي قدما في تحسين مستوى التعليم وتضم الحركة جهودها إلى تلك التي تبذلها اليونيسكو بإعتبارها الوكالة الرائدة المعنية بحركة التعليم و يتجلى ذلك من خلال "برنامج التربية للجميع" الذي يمثل التزاما عالميا تعهدت به كل دول عدم الإنحياز من مجموع 164 دولة شاركت في المنتدى العالمي للتربية بداكار سنة 2000. كما تنخرط جهود الحركة مع جملة المشاريع الأممية المرتبطة بالتنمية من خلال التعليم بما في ذلك المبادرة العالمية التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون (سبتمبر 2014) تحت عنوان "التعليم أولا" وهي المبادرة التي تؤكد على أهمية حشد جميع الجهات المعنية للتغلب على العقبات التي تحول دون تحقيق "تعليم جيد ومناسب ينطوي على قدرة تحويلية". -- واقع معرفي يتميز بالضعف والوهن -- وبالرغم من أن الجهود التي تقوم بها حركة عدم الإنحياز في هذا الصدد قد مكنت إلى حد ما من تقليص نسب الأمية في العديد من المناطق إلا أن أغلب دول العالم النامي مازالت تقف أمام "واقع ثقافي دون المستوى المطلوب" حيث يظهر الإصدار العاشر للتقرير العالمي لرصد التعليم تحت عنوان "التعليم من أجل العمل"(2012) وجود 200 مليون شاب في البلدان النامية تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة لم يتموا مرحلة التعليم الابتدائي ويحتاجون إلى الخوض في مسارات بديلة لاكتساب المهارات الأساسية الضرورية للحصول على عمل والتمتع بحياة ناجحة. وحتى الآن هناك 250 مليون طفل في سن التعليم الابتدائي لا يستطيعون القراءة أو الكتابة سواء أكانوا ملتحقين بالمدارس أم غير ملتحقين بها كما نجد في العديد من البلدان النامية 87 فقط من بين 100 طفل يكملون دراستهم الإبتدائية وهناك 71مليون طفل في سن المرحلة الإعدادية خارج المدرسة. وعلاوة على ذلك فإن هناك 71 مليون مراهق غير ملتحق بالتعليم الثانوي وهو ما يجعلهم يفتقرون إلى المهارات الحيوية اللازمة لمجال العمل في المستقبل حسب ذات التقرير. كما تواجه الدول العربية كجزء من الدول النامية المنضوية تحت راية عدم الإنحياز نفس التحديات التنموية ذات الصلة بالتربية والتعليم حيث بلغت نسبة الأمية في مجمل الوطن العربي حوالي 19.73 بالمائة من إجمالي السكان حيث تشكل نسبة الأمية عند الإناث ضعفها عند الذكور في حين تعادل نسبة الأمية العامة عند العرب ضعف المتوسط العالمي في الأمية تقريبا وذلك وفق تقرير بذات الشأن للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) 2014 . وفي مجال الإنتاج الثقافي ينشر كتاب في سنة لكل 12 ألف شخص في البلدان العربية بينما ينشر كتاب لكل 600 شخص في بريطانيا وكتاب لكل 200 شخص في ألمانيا حسب تقرير (الألكسو) لسنة 2008 أما عدد النسخ الصادرة باللغة العربية فهو لا يتجاوز 5 آلاف نسخة بينما يصل هذا المعدل إلى7 آلاف و 500 نسخة بالنسبة للكتب المنشورة باللغة الفرنسية التي يمثل عدد الناطقين بها أقل بكثير من نصف عدد الناطقين بلغة الضاد. كما أن عدد الكتب المترجمة إلى اللغة العربية في الألفية المنصرمة لا يعادل الكتب المترجمة إلى اللغة الاسبانية سنويا أي قرابة 10 آلاف عنوان في حين أن الكتب المترجمة إلى اللغة اليونانية التي لا يتقنها سوى 11 مليون نسمة تمثل خمسة أضعاف ما يتم تعريبه سنويا. إن هذه المعطيات المتصلة بمختلف جوانب المعرفة تشير إلى واقع يشكو بعض الوهن و الضعف بما يتطلب تشخيصا لأهم الأسباب التي تساهم في تعميق الثغرة المعرفية التي تعاني منها جل البلدان النامية. -- معوقات تطور التعليم في البلدان النامية -- ويقدر تقرير اليونيسكو العاشر لرصد التعليم (2012) أن "كل دولار ينفق على تعليم شخص يثمر ما يتراوح بين 10 و15 دولارا أمريكيا من حيث النمو الاقتصادي لعمل هذا الشخص طوال حياته". وتحدد تقارير دولية تسعة أسباب تحد من تطور التعليم في الدول النامية يأتى على رأسها ارتفاع نسب الأمية والبطالة وتواضع مستويات المعلمين و إختلال توزيع الهياكل التربوية جغرافيا. من جانبه يقدم الباحث هيوارد ستيفن فريدمان في كتابه "خمسة مقاييس لبناء الأمم" ثلاث نصائح لتطوير قطاع التعليم الأولى هي تحسين مستوي التعليم الإبتدائي مع وجود مراقبة صارمة للجودة والنصيحة الثانية هي الإستثمار في تطوير مستوى المدرسين مستندا في ذلك على أحصائيات تشيرا إلى أن الأداء الأفضل بين الدول المتقدمة يكون في الدول التي توظف أكبر عدد ممكن من خريجي الجامعات والكليات المتخصصة في التعليم الإبتدائي أما النصيحة الثالثة هي تحقيق المساواة في العملية التعليمية بتشجيع الطلاب الفقراء علي الإستفادة من العملية التعليمية في مختلف المراحل. وعليه يبقى على الدول النامية من خلال تكتل حركة عدم الإنحياز أن تضاعف جهودها من اجل المضي قدما في مسار التنمية من خلال التعليم و التربية ونقل المعارف بما يضمن لها مستقبلا زاخرا بالحرية والديمقراطية والنمو.