شدد وزير المجاهدين, الطيب زيتوني على أن تعزيز الثقة بين الجزائر و فرنسا و التخلص من ترسبات الماضي يمر عبر التكفل بملف الذاكرة في إطار ''مقاربة موضوعية" تتحمل فيها فرنسا "مسؤولياتها التاريخية" والاعتراف بما ارتكبته في حق الشعب الجزائري'' من ممارسات "لا يمكن وصفها إلا بالجرائم ضد الإنسانية". و في حوار لوأج (النص الكامل على www.aps.dz),عشية الاحتفال بالذكرى ال62 لاندلاع الثورة التحريرية, سجل السيد زيتوني أن العلاقات بين الجزائروفرنسا ''تتجه بعد أكثر من خمسين سنة من الاستقلال نحو فتح فصل جديد قوامه الندية والتعاون وتبادل المنافع بما يخدم مصالح وتطلع الأجيال لبناء المستقبل''. كما توقف وزير المجاهدين عند "الطموح" الذي يحذو الجزائر للارتقاء بهذه العلاقات إلى المستوى الذي "يتوافق مع قدرات وتطلعات الشعبين", مؤكدا على أنه يتعين إلى جانب ذلك "بذل المجهودات الضرورية للتكفل بملف الذاكرة برصانة وتبصر في إطار مقاربة موضوعية تتوخى تحمل الطرف الآخر لمسؤولياته التاريخية والاعتراف بما ارتكبه خلال الحقبة الاستعمارية في حق الشعب الجزائري" و هو ما من شأنه, حينئذ, ''تعزيز الثقة أكثر و التخلص من ترسبات الماضي". و بخصوص عمل اللجان المشتركة التي تم إحداثها خلال الزيارة التي قادته لفرنسا للتكفل بعدد من الملفات العالقة وفي مقدمتها استرجاع الأرشيف والمفقودين خلال الثورة وتعويض ضحايا التفجيرات النووية بالصحراء الجزائرية, أوضح الوزير أن المباحثات السياسية متواصلة بين الطرفين في إطار اللجنة الحكومية العليا المشتركة. و أشار في هذا الصدد إلى أن زيارته لفرنسا سمحت بتناول هذه المسائل التي كانت "تحتاج إلى الجرأة والشجاعة لطرحها واعتماد منهجية عمل محكمة لتدارسها". كما ذكر في ذات الصدد بأن هذه الزيارة جاءت تجسيدا للإرادة السياسية التي ترجمها "إعلان الجزائر حول الصداقة والتعاون بين فرنساوالجزائر" الذي كان قد توج الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند إلى الجزائر في ديسمبر 2012. و حول قضية الأرشيف الوطني الذي ترفض فرنسا تسليمه للجزائر, رد السيد زيتوني بأن المباحثات مع الطرف الفرنسي متواصلة على مستوى اللجان التقنية ف"حتى و إن كانت الوتيرة تبدو بطيئة إلا أنها تتجه بثبات نحو إيجاد حل يلبي تطلعات الطرف الجزائري", مثلما أكد. غير أن الوزير لفت إلى أن الاهتمام بالأرشيف الوطني المحول من قبل فرنسا "لا ينبغي أن يصرف النظر عما تزخر به بلادنا من شواهد كثيرة وذات مصداقية لا تقل أهمية عن الوثيقة الأرشيفية الكلاسيكية", في إشارة منه إلى الشهادات الحية لمن عايشوا تلك الفترة و التي تعد مادة تاريخية يعمل القطاع على جمعها من خلال تسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة. و في نفس الإطار يندرج سعي القطاع للحفاظ على المواقع التاريخية وتأهيلها كمقابر الشهداء والمعالم التاريخية ومراكز التعذيب والمعالم التذكارية وما إليه وهي "شواهد قارة تغنينا عما سواها للوقوف على عظمة ثورتنا وحجم المعاناة والتضحيات التي تكبدها شعبنا في سبيل الخلاص من استعمار استباح كل الممارسات (...) و التي لا يمكن وصفها إلا بالجرائم ضد الإنسانية", يقول ذات المسؤول. أما فيما يتعلق بمساعي الجزائر لاسترجاع جماجم المقاومين الجزائريين التي لا زالت فرنسا تحتفظ بها في أحد متاحفها, ذكر السيد زيتوني بأن إصرار الشعب الجزائري على استرداد رفات شهداء المقاومة "ينطوي على إيمانه واعتقاده بأن حرمة الأموات كحرمة الأحياء وأنه لا يوجد مسوغ أخلاقي أو وجداني لترك تلك الرفات في الوضعية المؤسفة التي توجد عليها", مؤكدا على أن الجهود "قائمة" لاسترجاعها. أما فيما يتصل بتوظيف فرنسا لمفاهيم مغلوطة من خلال إلصاقها لوصف الإرهابي على العمليات الفدائية التي قادها المجاهدون اثناء الثورة التحريرية, فقد استشهد السيد زيتوني بما حملته الرسالة التي وجهها مؤخرا رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة للأسرة الإعلامية عشية الاحتفال باليوم الوطني للصحافة و التي أسدى فيها التحية للمجاهدين والمجاهدات "الذين نعتهم المستعمر بالإرهابيين آنذاك, المجاهدات التي تجرأت بعض الأصوات الحاقدة ووصفتهن بالإرهابيات معاذ الله". و على صعيد آخر, تطرق السيد زيتوني إلى العمل الجاري مع وزارة التربية في مجال تدريس التاريخ الوطني, حيث حرص على التوضيح بأن وزارة المجاهدين لا تكتب التاريخ وإنما تكمن مهمتها في توفير المادة التاريخية للمؤرخين و المختصين و كذا تحفيز الأقلام الوطنية وتشجيعها لتوثيق وكتابة تاريخ الثورة و تبليغه للأجيال. و في هذا الإطار, تعمل الوزارة على تمكين قطاع التربية الوطنية من كل الإصدارات والأعمال التي تنتجها على غرار كتيبات سلسلة "من أمجاد الجزائر 1830-1962" التي تم إصدار 3ر9 ملايين نسخة منها و التي تتناول سير الشهداء لتوسيع معارفهم التاريخية وغرس قيم الاعتزاز بالوطن وتوثيق الارتباط بالمفاخر والملاحم. و يضاف إلى ذلك, الزيارات التي تبرمج لفائدة تلاميذ المدارس إلى المتاحف ومعرض الذاكرة والمواقع التاريخية فضلا عن إقامة لقاءات وحوارات مع المجاهدين وهي كلها نشاطات تندرج في خانة المساهمة --إلى جانب قطاع التربية الوطنية-- في تبليغ وتلقين التاريخ الوطني للناشئة, يقول الوزير.