سطر مخطط عمل الحكومة, الذي صادق عليه الخميس المجلس الشعبي الوطني, "أهدافا مهمة" في المجال الاقتصادي و لكن تحقيقها يبقى مرهونا بإيجاد موارد مالية في ظل الوضع المالي الصعب الذي تعيشه البلاد, حسب ما أفاد به خبراء لواج. و أوضح الخبير المالي و الوزير السابق للمالية, عبد الرحمن بن خالفة بان هذا المخطط, الذي يستند على برنامج رئيس الجمهورية, "يغطي الاهتمامات الكبرى الوطنية بما فيها المؤسساتية و القانونية و الاقتصادية الى جانب التأكيد على الاهتمامات ذات الطابع الاجتماعي" لكنه "لم يشر الى الميكانيزمات الكفيلة بتحقيق هذه الاهداف خاصة في ظل الظرف المالي الصعب الذي تعرفه البلاد". و من أجل تمويل الاصلاحات المزمعة, اقترح السيد بن خالفة العمل على استقطاب الاموال الموجودة خارج البنوك من خلال اطلاق الية " قرض سندي ثاني" و تعزيز الصيرفة الاسلامية و ادراج اليات اخرى مستحدثة. و اقترح في هذا السياق عقد ندوة وطنية للإصلاحات الاقتصادية و المالية قبل شهر رمضان المقبل تضم الخبراء و الجامعيين و نواب الشعب و ممثلي المجتمع المدني للتفكير في سبل تجسيد الاقلاع الاقتصادي. وحول إلغاء الضريبة على الدخل الاجمالي بالنسبة للأجور التي لا تتجاوز 30 الف دج , قال ان هذا الاجراء يتطلب "تقييم الكلفة" التي ستنجر عنه مشيرا الى ان هذه الاخيرة "غير كبيرة". و عن لجوء الحكومة الى قانون مالية تكميلي لسنة 2020, اعتبر أن هذا القانون لا يجب ان "يكون اداة لزيادة النفقات و انما اداة لتعبئة موارد مالية جديدة. اما بالنسبة للإصلاحات المتعلقة بالقطاع الصناعي, فاكد انه يجب "المحافظة" على ما هو موجود كما هو الحال بالنسبة للصناعات التركيبية حتى و لو كانت لها قيمة مضافة ضئيلة والعمل عل ادراجها ضمن الرؤية الاقتصادية الجديدة. و بخصوص الانتقال الطاقوي, أوضح السيد بن خالفة انه لا يمكن مواصلة استهلاك الطاقة بالوتيرة الحالية و لذلك يجب مراجعة الدعم في مجال الطاقة للحد من التبذير و الشروع في برنامج الطاقات المتجددة بالاعتماد على الشراكة مع المستثمرين الاجانب الذين يملكون التكنولوجيا و الخبرة في هذا المجال. من جانبه, اعتبر استاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة, الدكتور سليمان ناصر ان " الحكومة لم تقدم حلولاً لمشكلة العجز في الميزان التجاري سوى كلاماً عاماً يفيد بالتحكم أكثر في الواردات ولم تقدم آليات عملية واضحة لتحقيق ذلك". واضاف أن التكفل بهذا العجز يكون" بتشجيع المنتوج المحلي ليعوض المستورد والرفع من تنافسيته ضمن استراتيجية اقتصادية عامة و شاملة مما سيمكن من زيادة حجم الصادرات خارج المحروقات تدريجياً لتقليص ذلك العجز" و ذلك بالموازاة مع "محاربة تضخيم الفواتير". واكد ان تنويع الاقتصاد الوطني لن يتحقق إلا "برؤية واستراتيجية شاملة متوسطة أو طويلة المدى تشمل كل القطاعات الاقتصادية تمتد إلى 2030 أو 2040 (...) بشرط أن نبدأ لتحقيق ذلك من الآن دون النظر إلى أسعار النفط تحسنت أو انهارت". و يرى أستاذ الاقتصاد أن "أهم شيء لم تشر إليه الحكومة في مخطط عملها هو مصدر تمويل هذا البرنامج" مضيفا انه " في ظل عجز كبير في الميزانية والخزينة وفي ظل تهاوي سعر برميل النفط (...) , فإن السؤال يبقى مطروحاً: من أين يتم تدبير الأموال لتنفيذ هذا البرنامج". و أشار الى أن وجود مشروعين كبيرين من حيث استهلاك النفقات و هما إدماج حوالي 601 ألف من عقود ما قبل التشغيل في مناصب عملهم خلال 2020 وإنشاء 10 ولايات جديدة و 44 مقاطعة إدارية. و عن لجوء الحكومة الى قانون مالية تكميلي لالغاء الأحكام الجبائية المجحفة, اعتبر السيد ناصر ان هذه " الاجراءات لابد منها لتصحيح الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها الحكومة السابقة بوضع ضرائب ورسوم دون دراسة". كما اقترح, في اطار مشروع المالية التكميلي, إلغاء ضريبة البيئة المفروضة على السيارات، والتي كلفت بتحصيلها شركات التأمين، معتبرا ايها "إرهاقا أكبر للمواطن" مقترحا فرضها حصريا على الشركات و المؤسسات الملوثة. و اعتبر ان الغاء الضريبة على الدخل الاجمالي بالنسبة للأجور التي لا تتجاوز 30 الف دج يدخل في إطار المحافظة على الطابع الاجتماعي للاقتصاد الوطني مشيرا في ذات الوقت أن هذا الاجراء سيضيع على خزينة الدولة تحصيلا ضريبيا يتراوح بين 300 و 400 مليار دج "يصعب تعويضها والبلاد تعاني شحاً في الموارد المالية ". و عن تحسين القدرة الشرائية للمواطن, قال استاذ الاقتصاد ان ذلك لا يمكن أن يتم الا من خلال الزيادة في الأجور. لكن الخبير تساءل عن كيفية الزيادة في الأجور و ميزانية الدولة لسنة 2020 تعاني من عجز بأكثر من 1500 مليار دج, مشيرا الى وجود حلينك الأول يتمثل في العودة الى التمويل غير التقليدي "بكل ما ينتج عن ذلك من مخاطر" و الثاني يتمثل في اللجوء إلى الاستدانة الخارجية و الذي يعد بدوره خيارا "صعب التحقيق", على حد تعبيره. و بخصوص الإنتقال الطاقوي, اقترح دكتور الاقتصاد إحياء مشروع "ديزرتيك" العملاق بشرط إدراجه ضمن استراتيجية طاقوية شاملة. تجدر الاشارة الى أن الوزير الأول عبد العزيز جراد قد أكد أمس الخميس, خلال رده على انشغالات النواب بخصوص مخطط عمل حكومته, أن هذه الأخيرة قادرة على حشد الموارد المالية الضرورية لتمويل المخطط من خلال مقاربة متكاملة تشمل اصلاح الجباية و القطاع البنكي و استقطاب الأموال الموجودة في السوق الموازي و دعم الصيرفة الاسلامية ب"قوة" مع امكانية اللجوء الى المؤسسات العربية و الافريقية للتنمية للحصول على تمويلات خارجية بشروط جد ملائمة.