يهدف استحداث المحكمة الدستورية ضمن مشروع تعديل الدستور المصادق عليه من طرف البرلمان و المعروض للاستفتاء الشعبي بتاريخ 1 نوفمبر المقبل إلى "بناء مؤسسات الجزائر الجديدة", حسب ما أكده نذير عميرش أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بجامعة الإخوة منتوري (قسنطينة 1) مختص في القانون الدستوري و محامي معتمد لدى المحكمة العليا و مجلس الدولة. وأوضح الأكاديمي لوأج أن المحكمة الدستورية "تعد فعلا مؤسسة جديدة ضمن مؤسسات الدولة الرقابية والتي لم يسبق أن تضمنتها الدساتير الجزائرية المتعاقبة منذ الاستقلال سواء من حيث تسميتها أو من حيث طبيعتها و تشكيلتها واختصاصاتها و مهامها". وفي هذا السياق, يعتبر السيد عميرش الذي شغل أيضا في وقت سابق منصب رئيس المجلس الشعبي الولائي لقسنطينة أن إقرار هذا التوجه الدستوري قد جاء "لمعالجة الاختلالات التي استهدفت تنظيم السلطات العامة في الدولة بسبب عدم احترام مبدأ الفصل بين السلطات, ما أدى إلى المساس بالحقوق الأساسية و الحريات العامة المكفولة دستورا". وبصفتها مؤسسة رقابية مستقلة مكلفة بضمان الاحترام الفعلي للدستور, فإن المحكمة الدستورية, حسب المختص, تشكل "الخيار الأنسب كبديل للمجلس الدستوري" الذي تمت دسترته لأول مرة في الجزائر بموجب دستور 1989. وكشف السيد عميرش بأن هناك "عدة اختلافات جوهرية" بين المجلس الدستوري المكرس في الدستور الجزائري ساري المفعول و بين المحكمة الدستورية المستحدثة بموجب مشروع تعديل الدستور لسنة 2020 و المقترح للاستفتاء بتاريخ 1 نوفمبر المقبل. فالمجلس الدستوري, كما قال, هيئة رقابية ذات طابع سياسي مكون من 12 عضوا يمثلون السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية في الدولة غالبيتهم متحزبين, وصلاحياته يغلب عليها إبداء الرأي في دستورية المعاهدات و القوانين و التنظيمات و الدفع بعدم دستورية حكم تشريعي تمت إثارته أمام جهات قضائية و أخطر به المجلس من قبل المحكمة العليا أو مجلس الدولة". و بعكس ذلك, تعتبر المحكمة الدستورية مؤسسة رقابية ذات طابع قضائي مختلفة جذريا عن المجلس الدستوري الذي ستحل محله لاسيما من حيث تشكيلتها التي تعتمد بشكل أساسي على مبدأ الانتخاب, حسب ذات الأكاديمي. وأضاف أنه من بين 12 عضوا يشكلون هذه المؤسسة يقوم رئيس الجمهورية بتعيين أربعة (4) منهم (بما فيهم رئيس المحكمة الدستورية), فيما يتم انتخاب الثمانية (8) أعضاء المتبقين من بينهم عضو واحد (1) ينتخب من طرف المحكمة العليا و واحد (1) من طرف مجلس الدولة و ستة (6) آخرون يتم انتخابهم من طرف أساتذة القانون الدستوري. وزيادة على ذلك, فإن أعضاء هذه المحكمة ( المنتخبون أو المعينون) يجب أن يكونوا بالغين من العمر 50 سنة عند تاريخ انتخابهم أو تعيينهم و غير متحزبين, كما يجب أن تكون لديهم خبرة في القانون لا تقل عن 20 سنة, كما استفادوا من تكوين في القانون الدستوري, حسب السيد عميرش. وسجل أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بجامعة الإخوة منتوري (قسنطينة 1) أن الجهات المخولة بإخطار المحكمة الدستورية هي رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الأمة أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو الوزير الأول (أو رئيس الحكومة حسب الحالة) أو كذلك أربعين (40) نائبا أو 25 عضوا بمجلس الأمة. كما أن قرارات المحكمة الدستورية هي نهائية و ملزمة لجميع السلطات العمومية و الهيئات الإدارية و القضائية. اقرأ أيضا : بعجي: مشروع تعديل الدستور "بوابة للإصلاحات في مختلف المجالات و القطاعات" دور هام في تعزيز الممارسة الديمقراطية تلعب المحكمة الدستورية باعتبارها مؤسسة دستورية رقابية مستقلة "دورا هاما في تعزيز الممارسة الديمقراطية في الجزائر", وذلك من خلال ضمان احترام الدستور لاسيما الأحكام المرتبطة بتجسيد ما تضمنته ديباجته, حسب ما أكده أيضا البروفيسور عميرش. وأوضح بأن الدستور "فوق الجميع" و هو "القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية و يحمي مبدأ حرية اختيار الشعب و يضفي المشروعية على ممارسة السلطات و يكرس التداول الديمقراطي عن طريق انتخابات دورية حرة و نزيهة". كما ذكر بأن هذا الدستور نفسه "يضمن تطبيق المادتين 07 و 08 من الدستور اللتين كانتا من المطالب و الشعارات الرئيسية التي رفعها الجزائريون في حراكهم الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير 2019 و اللتين تتضمنان بأن الشعب مصدر كل سلطة و هو مالك السيادة الوطنية و مالك السلطة التأسيسية". ويرى البروفيسور عميرش كذلك بأن المحكمة الدستورية "تتمتع بصلاحيات ضرورية ستمكنها من المساهمة الفعلية رفقة باقي المؤسسات الرقابية الأخرى) مجلس المحاسبة و السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات و السلطة العليا للشفافية و الوقاية من الفساد و مكافحته ) بالإضافة إلى القضاء في أخلقة الحياة العامة بالجزائر و ذلك في حال ما إذا صادق الشعب الجزائري على مشروع تعديل الدستور في الفاتح من شهر نوفمبر المقبل". وأفاد بأن المؤسسات الدستورية و أجهزة الرقابة مكلفة بالتحقيق في مطابقة العمل التشريعي و التنظيمي للدستور و في كيفيات استخدام الوسائل المادية و الأموال العمومية و تسييرها, مشيرا في هذا الصدد إلى ديباجة الدستور التي توضح بأن "الجزائر تعبر عن تمسكها بالعمل للوقاية من الفساد و مكافحته وفقا للاتفاقيات التي صادقت عليها". وخلص المختص في القانون الدستوري بالقول أن "فخر الشعب و تضحياته و إحساسه بالمسؤوليات و تمسكه العريق بالحرية و العدالة الاجتماعية تمثل كلها أحسن ضمان لاحترام مبادئ هذا الدستور".