قال رئيس المجلس الدستوري كمال فنيش، أمس، إن المحكمة الدستورية، التي ينص على إنشائها الدستور الجديد، «قيمة مضافة»، من صلاحياتها التدخل في النقاش السياسي لتفادي شلل المؤسسات الدستورية، ما من شأنه أن يجر البلاد إلى أزمات سياسية لا تحمد عقباها. اعتبر فنيش، في حوار لوكالة الانباء الجزائرية، أن إنشاء المحكمة الدستورية التي ستحل محل المجلس الدستوري الحالي يعد «قيمة مضافة» في النظام الدستوري الجزائري، لكونها ستتولى مهاما جديدة من بينها الفصل في الخلافات التي قد تحدث بين السلطات الدستورية «بالشكل الذي يقي البلاد من الأزمات السياسية التي قد تحدث والتي قد تؤدي إلى شلل إحدى السلطات أو المؤسسات الدستورية أو تعطل إحداها». وتعد هذه المسألة من أهم ما يميز المحكمة الدستورية، التي ينص على إنشائها مشروع التعديل الدستوري، الذي سيعرض على الاستفتاء الشعبي في الفاتح من نوفمبر المقبل. وتندرج إمكانية إخطار المحكمة الدستورية من قبل الجهات المخولة قانونا (رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الأمة، رئيس المجلس الشعبي الوطني، الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة)، من أجل تفسير الأحكام الدستورية وهو ما من شأنه «المحافظة على استقرار البلاد وتجنيبها الكثير من الأزمات التي قد تنجر عن اي لبس أو سوء تفسير وبالتالي المساهمة في ضمان عدم استيلاء أو اعتداء أي سلطة، عن قصد أو عن غير قصد، على صلاحيات أخرى»، يضيف فنيش. ومن شأن كل ما سبق ذكره «التعزيز من ركائز الديمقراطية» من خلال حرص المحكمة الدستورية على احترام الدستور، وستضطلع بدور «الحكم وضامن الاستقرار بين السلطات الثلاثة»، يقول فنيش. وبرأي المتحدث، ستعمل هذه الهيئة الدستورية المستحدثة ضمن الدستور القادم على»الحفاظ على التوازن بين السلطات والفصل المرن بينها»، مع حماية أبرز المبادئ الديمقراطية المكرسة فيه والتي تشمل التداول على السلطة وصون حقوق وحريات المواطن وحماية المعارضة» إلى غير ذلك. وأسهب فنيش في تعداد المهام الجديدة التي ستسند للمحكمة الدستورية باعتبارها مؤسسة «مستقلة» تسهر على «ضبط سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية»، وهي مهام أساسية «تخول للمحكمة الدستورية، حقيقية، توفير الضمانات لأخلقة الحياة العامة في الجزائر». ترقية الديمقراطية بدسترة مؤسسات رقابية مستقلة يرى رئيس المجلس الدستوري في دسترة أو إنشاء عدد من المؤسسات الرقابية أو الاستشارية ضمن الدستور المقبل خطوة تنم عن الرغبة الصادقة في الاستجابة للمطالب الشعبية. وفي هذا الإطار يندرج تعزيز دور مجلس المحاسبة الذي يعد مؤسسة عليا مستقلة للرقابة على الممتلكات والأموال العمومية، يتكفل بالرقابة البعدية على أموال الدولة والجماعات الإقليمية والمرافق العمومية ورؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة. وتساهم هذه الهيئة في «ترقية الحكامة والشفافية في تسيير الأموال العمومية»، ما يعد شقا أساسيا في أخلقة الحياة العامة، لاسيما أن التقرير الذي سيرفعه لرئيس الجمهورية ليتم نشره فيما بعد يعد «إضافة نوعية جاءت لإبقاء المواطنين على اطلاع بكيفيات تسيير المال العام»، يقول فنيش، الذي لفت أيضا إلى أن مجلس المحاسبة، في صورته المستقبلية، يقع عليه التصديق على حسابات الدولة، مما يعتبر «إجراء جوهريا يعطي مصداقية لميزانية الدولة». ومن بين المؤسسات الرقابية التي ستتم دسترتها بمقتضى التعديل المقبل، السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي ستسهر على «إضفاء الشفافية والنزاهة على الانتخابات»، مما «يعطي مصداقية للمؤسسات ويعمل على تمتين العلاقة بين الحاكم والمحكوم واسترجاع الثقة المفقودة بينهما»، يضيف رئيس المجلس الدستوري. ومن بين ما تم استحداثه ضمن التعديل الدستوري «السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته»، التي تعتبر هي الأخرى مؤسسة مستقلة من مهامها وضع إستراتيجية وطنية للوقاية من الفساد وتنفيذها وجمع المعطيات حول الفساد والتبليغ عنها. ومن بين الإضافات التي سيتميز بها الدستور الجديد إنشاء «المرصد الوطني للمجتمع المدني» الذي يعد هيئة استشارية تعكس «سعي الدولة إلى تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العامة» و»تشجيعها للديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية». تعزيز الصلاحيات لاستقلالية السلطة القضائية اعتبر فنيش مراجعة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء من خلال استبعاد وزير العدل، باعتباره أحد أعضاء الجهاز التنفيذي، «أحد أبرز الدلالات على سعي المؤسس الدستوري لضمان القدر الأقصى من الفصل بين السلطات وتكريس استقلالية القضاء»، وبالتالي إرساء دولة الحق والقانون. وفي نفس الخانة يصب توسيع التشكيلة ليصبح عدد القضاة المنتخبون 75 بالمائة من إجمالي أعضاء المجلس الأعلى للقضاء. وعلى ضوء مواد جديدة يتضمنها التعديل الدستوري، تم تحديد العديد من النقاط المتصلة بتعيين القضاة ونقلهم ومسارهم المهني والكفيلة بتحقيق استقلالية القاضي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، سيصبح تسيير المسار المهني للقضاة من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء بتشكيلته المعدلة مما يبقي السلطة التنفيذية «بعيدة كل البعد عن التدخل فيه»، وهذا بما يعزز من أدائهم. وأضاف فنيش أن الدستور المقبل سيحول دون عزل القاضي أو إيقافه عن العمل أو إعفائه أو تسليط عقوبة تأديبية عليه أثناء ممارسته لعمله، إلا في الحالات التي يحددها القانون وبقرار معلل من المجلس الأعلى للقضاء.