مع الانتهاء من غربلة ملفات الترشح للتشريعيات المقبلة، أصبح مؤكدا توجه المترشحين الأحرار نحو صنع الفارق خلال هذه الاستحقاقات، مما سيحدد، مسبقا، معالم المجلس الشعبي الوطني المقبل الذي لطالما كانت فيه الكلمة الفصل للأحزاب السياسية. فبانقضاء آجال دراسة ملفات الترشح للانتخابات التشريعية ل 12 يونيو، منتصف ليلة أمس الأحد، أخذت موازين القوى خلال هذه الاستحقاقات تتضح أكثر فأكثر، حيث كان رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، أعلن أن القوائم المقبولة "كليا" و "دون تحفظ" لخوض غمار هذا السباق الانتخابي قد بلغ عددها 1483 قائمة منها 837 قائمة من المترشحين الأحرار، مقابل 646 قائمة حزبية. وتوحي هذه المعطيات المسجلة لأول مرة، ببروز اتجاه جديد في الحياة السياسية الوطنية التي كانت الأحزاب السياسية الفاعل الأكبر فيها. تغير بدأت أولى معالمه في الظهور بحصول القوائم المستقلة على أكبر عدد من الترشيحات التي نجحت في اجتياز "غربال" السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات و كذا اختيار الكثير من التشكيلات السياسية التقليدية "الاستنجاد" بمترشحين أحرار ليسوا من مناضليها للمشاركة في هذه الانتخابات. ومن بين التشكيلات السياسية التي اهتدت لهذا الحل البديل، "حركة البناء الوطني" التي كان رئيسها، عبد القادر بن قرينة، قد صرح سابقا بأن "أكثر من 65 بالمائة من الذين ترشحوا للانتخابات التشريعية المقبلة في قوائم الحركة ليسوا من مناضليها"، و هذا مقابل "نسبة قليلة من مناضلي الحزب". ونفس الأمر بالنسبة لحركة مجتمع السلم، التي كان رئيسها، عبد الرزاق مقري، أفاد بأنها ستشارك ب 584 مترشح، 330 منهم ليسوا مناضلين بالحركة و حزب "التجديد و التنمية" الذي فضل هو الآخر الاعتماد على مترشحين أحرار يشكلون "دعما للحزب و تعزيزا لصفوفه"، مثلما جاء على لسان رئيسه أسير طيبي. ويرى العديد من المحللين السياسيين المهتمين بالشأن الوطني في هذا التوجه الجديد انعكاسا لتراجع عامل الثقة في هذه الأحزاب التي فقدت من بريقها نتيجة تدني مصداقيتها لدى الناخب الذي أضحت، في نظره، مرادفا ل "الإفلاس السياسي". ومن بين أهم الاسقاطات المنتظرة مستقبلا، بروز تركيبة جديدة للغرفة السفلى للبرلمان التي لطالما سيطرت عليها الأحزاب السياسية، مقابل حضور ضئيل للنواب الأحرار. ومن بين العوامل التي كان لها أثرها في تقوية جبهة المترشحين الأحرار، دعوة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الشباب إلى المشاركة في الحياة السياسية والانخراط في مسار بناء مؤسسات جديدة، تحظى بالثقة والمصداقية. وفي هذا الإطار، كان رئيس الجمهورية قد وجه تعليماته، خلال مجلس الوزراء، باتخاذ كافة الترتيبات المتعلقة بدعم وتشجيع مشاركة الشباب في تشريعيات 12 يونيو المقبل، تجسيدا لانتخابات "ديمقراطية تعبر عن التغيير الحقيقي''، كما أمر بمجانية القاعات والملصقات الإشهارية وطبعها لفائدة المترشحين الشباب. كما أشار في وقت سابق إلى أن الانتخابات التشريعية المقبلة "نابعة من برنامج سياسي واضح''، ليؤكد تقديم كل التسهيلات والضمانات التي تسمح للشباب بالدخول في هذا الاستحقاق. للإشارة، كانت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات قد أفادت بأنها استقبلت 4900 قائمة عبرت عن رغبتها في المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة وقامت بسحب الاستمارات. وقد بلغ عدد القوائم التي أودعت استمارات الترشح لهذا الموعد الانتخابي 2490 قائمة، منها 1237 تابعة لأحزاب سياسية و 1253 قائمة حرة. ومن ضمن هذا العدد الإجمالي، تم قبول 1483 قائمة، من بينها 646 قائمة حزبية و 837 قائمة للأحرار، فيما رفضت 898 قائمة، منها 462 قائمة تابعة للأحزاب السياسية و 436 قائمة تمثل مترشحين أحرار. ومن باب التذكير، يكون قبول ملفات الترشح للانتخابات التشريعية محددا بجملة من الشروط التي يتعين على الأحزاب السياسية توفيرها، من ضمنها تزكية القائمة ب25.000 توقيع للناخبين عبر23 ولاية، على أن لا يقل العدد الأدنى من التوقيعات، في كل ولاية، 300 توقيع. أما بالنسبة للقوائم المستقلة فتنص المادة 316 من القانون العضوي للانتخابات على أنه "يجب أن تدعم كل قائمة ب100 توقيع على الأقل، عن كل مقعد مطلوب شغله من ناخبي الدائرة الانتخابية المعنية". وفيما يتصل بالقوائم الانتخابية في الخارج، تنص المادة 202 من قانون نظام الانتخابات، على أن قوائم المترشحين تقدم، "إما تحت رعاية حزب سياسي أو عدة أحزاب سياسية (دون اشتراط التوقيعات) وإما بعنوان قائمة حرة، تكون مدعمة ب200 توقيع على الأقل عن كل مقعد مطلوب شغله من توقيعات ناخبي الدائرة الانتخابية المعنية".