تواصلت اليوم الاثنين، ردود الفعل الرافضة للتصريحات العدائية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد الجزائر، والصادرة عن مسؤولين في الدولة وهيئات ومنظمات وطنية وباحثين. وفي هذا الإطار، قال الوزير الأول، وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، من وهران، أن تصريحات الرئيس الفرنسي حول تاريخ الجزائر "غير مقبولة ومردودة على قائلها"، مؤكدا أن الجزائر "أكبر من كل التصريحات التي تحاول المساس بتاريخها وبجذورها". وأضاف بالقول: "هي تصريحات لا نرضى بها أبدا، فالجزائر أمة واقفة وضاربة في التاريخ"، وتابع: "اسألوا إمدغاسن وماسينيسا والأمير عبد القادر عن تاريخ هذه الأرض". ومن جهته، عبر المجلس الشعبي الوطني، عن "امتعاضه" من هذه التصريحات التي من شأنها أن "تشنج العلاقات بين البلدين وترهن بالفعل ما كان يمكن أن يؤدي إلى تعاون متميز بينهما"، مشددا على أن "الجزائر الجديدة، بقيادة رئيسها، السيد عبد المجيد تبون، ماضية في تعزيز استقلالها الذي انتزعته بقوة وعزيمة وكفاح وبتضحيات شعب قدم الملايين من الشهداء، شعب كان وسيبقى مصمما على العيش بكرامة". واعتبر أنه "رغم ما قد تحاول الطبقة السياسية الفرنسية أن تبرر به مواقفها، فإن التصريحات المنسوبة لرئيس جمهورية فرنسا لا تخفي سوى نية لتدخل سافر في شؤون دولة مستقلة كاملة السيادة لها كلمتها ووزنها في المحافل الدولية وتتعامل مع شركائها وجيرانها من منطلق الندية داخل أطر حددتها الأعراف والقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية". وفي ذات السياق، شجبت النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية "سناباب" وأدانت ب"أشد العبارات"، التدخل "السافر للمستدمر السابق في الشؤون الداخلية للدولة الجزائرية، السيدة في قراراتها، القوية بتلاحم شعبها وجيشها". وبدورها، شددت المنظمة الوطنية للمجاهدين، على أنه "آن الأوان لمراجعة العلاقات القائمة بين الدولتين الجزائرية والفرنسية" وكذا التفكير جديا في إخضاع هذه العلاقات ل"تقييم يطال مختلف جوانبها". كما وصفت الرابطة الرحمانية للزوايا العلمية، في بيان وقعه رئيسها الشيخ محمد المأمون القاسمي، تصريحات ماكرون، ب"الانتهاك الصارخ" لسيادة الجزائر وبالتطاول على تضحيات الشهداء، داعية الجزائريين إلى الالتفاف حول الثوابت والقيم الخالدة لأول نوفمبر 1954 والوفاء لمبادئه. وفي تصريحات للإذاعة الوطنية، نعت الوزير السابق والدبلوماسي محمد العيشوبي تصريحات الرئيس الفرنسي ب"المسيئة والخطيرة والمثيرة للاستغراب"، على اعتبار أنها "صادرة عن رئيس دولة لا يزال يمارس مهامه حول قضية معقدة ألا وهي البعد التاريخي والتي خاض فيه بإفراط مذهل في التبسيط وبمنطق ضيق بل ومنافي للمسؤولية". وفي تحليلهم للسياق العام الذي تم خلاله الإدلاء بهذه التصريحات، أكد جامعيون جزائريون، أن هذه التصريحات كانت "مقصودة وتنم عن توجه جديد داخل الإدارة الفرنسية"، كما أنها تندرج في إطار "حملة مسبقة" للانتخابات الرئاسية بهذا البلد. وفي هذا الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية بالمدرسة العليا للصحافة والإعلام، شريف دريس، أنه "يمكن وضع تلك التصريحات في سياق حملة مسبقة للانتخابات الرئاسية المقبلة، لاسيما بعودة اليمين المتطرف إلى الساحة السياسية"، واصفا التصريحات ب"الخطاب اليميني". وبدوره أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة العفرون 2 بالبليدة، مولاي بومجوط، بأن تصريحات ماكرون كانت "بمثابة رد فعل على غلق المجال أمام فرنسا في الكثير من الميادين داخل القارة الإفريقية وحتى خارجها". ووصف الرد الجزائري على تصريحات ماكرون ب"الحاسم والفعال الذي كان في مستوى الحدث والأول من نوعه"، مؤكدا أن ما ورد عن الرئاسة الجزائرية جاء بشكل "استراتيجي وفي مستوى تطلعات الشعب". أما المحلل السياسي والأستاذ في المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، محمد سي بشير، فتساءل عن سبب امتعاض فرنسا من توجه الجزائر نحو شركاء غيرها في الوقت الذي يبحث فيه كل طرف عن مصالحه الاقتصادية، وبين بأن ماكرون يريد أن "يضع الجزائر وسط ورقة الانتخابات الرئاسية القادمة من خلال التدخل في شؤونها الداخلية، خاصة في ظل التخوف من نجاح اليمين المتطرف في الرئاسيات المقبلة".