شكل تحدي عملية "جوميل" التي أطلقتها قوات المحتل الفرنسي شهر جويلية 1959 "منعرجا حاسما" في تاريخ ثورة نوفمبر 1954 بالرغم من التضحيات الكبيرة المقدمة من أجل تحرير البلاد من نير الاستعمار، وفق شهادة المجاهد صلاح أوزرورو، ضابط سابق في صفوف جيش التحرير الوطني و أحد الناجين من هذه العملية التي خططت لها فرنسا بهدف إبادة أفراد جيش التحرير في معاقل الولاية التاريخية الثالثة. ولا يزال هذا الضابط السابق، و هو من مواليد 6 أكتوبر 1940 بقرية آيت حمسي بعين الحمام (ميشلي سابقا) بولاية تيزي وزو، يحتفظ إلى يومنا هذا بذكريات أليمة عن هذه العملية التي تلقى خلالها طلقات نارية لا تزال أثارها واضحة للعيان، قبل أن يكرس نفسه غداة الاستقلال لكتابة ذكريات الثورة و المهام العسكرية و الشبه العسكرية التي قام بها خلال الفترة ما بين 1957 إلى غاية شهر مارس 1962. وأكد المجاهد أوزرورو في شهادته أن "عملية جوميل كانت عملا عسكريا جهنميا هدفه نسف معاقل الثورة، حيث أثارت فينا بعض الاضطراب، لكن دون صرفنا عن هدفنا الأساسي المتمثل في الكفاح حتى الاستقلال"، يقول هذا الضابط السابق. وأضاف مسترسلا أن "الانتشار المهول للقوات الفرنسية في المعاقل و على مستوى القرى بالعديد من مناطق الولاية الثالثة التي تم إعلانها مناطق محرمة، "قلص كثيرا من مجال تحركاتنا، لكن بالرغم من ذلك تمكنا من فك الخناق عن قوات جيش التحرير بفضل الدعم المنقطع النظير الذي قدمته النساء". وخص المجاهد بالذكر نساء قرى ذراع الميزان (جنوب ولاية تيزي وزو) و مناطق أخرى مجاورة اللائي "كان لهن الفضل الكبير آنذاك في مد المجاهدين بالمعلومات و الأكل و اللباس"، وفق ما جاء في تصريحه لوأج. للإشارة كان الضابط صلاح أوزرورو مكلفا بالاتصالات ما بين عامي 1958 و 1959، قبل تعيينه أمين صندوق جهوي عام 1958 إلى غاية 1960 بالجهة الثانية التابعة للمنطقة الرابعة من الولاية التاريخية الثالثة. ولاحظ في حديثه أن "مواجهة عدو مدجج بالسلاح الثقيل و سلاح الطيران لم يكن بالأمر السهل، لكن شجاعة و عزيمة قوات جيش التحرير مكنت من رفع التحدي"، يقول الضابط اوزرورو، مبرزا أن "وحدات جيش التحرير كانت تعي جيدا أن هذا التحدي يشكل منعرجا حاسما في مسار الثورة و في الظفر بالاستقلال". وبالفعل، تمكن المجاهد و رفقائه، بالرغم من عمليات التمشيط المتتالية و احتلال العدو للمواقع الاستراتيجية و كل عمليات التفتيش التي خضع لها سكان المنطقة، من التنصل من عمليات المراقبة و إجراء تحركات عديدة من منطقة إلى أخرى حتى و إن شكلت خطرا على حياتهم. وأبرز الضابط أوزرورو "ضخامة التضحيات المقدمة في إطار هذه العملية"، حيث أصيب شخصيا بجروح خطيرة بالنابالم (قنابل حارقة) و بالرصاص و كذا بشظايا قنابل، لا تزال في جسمه إلى يومنا هذا، حسب تأكيده. كما لا يزال المجاهد يحتفظ في ذاكرته ببشاعة و فظاعة قنابل النابالم بغابة بومهني شهر أغسطس 1960، و الاشتباك الدموي الذي خاضه عناصر الجيش بمنطقة آث بوغرذان بآسي يوسف شهر نوفمبر 1960، مؤكدا أن "العنف و التعذيب الذي مارسه جيش العدو على جيش التحرير كان مروعا فعلا". جدير بالذكر أن المجاهد صلاح أوزرورو ألف كتابا بعنوان"من الثورة إلى حرب الجزائر ... شهادة ناج من عملية جوميل"، يسرد فيه نضاله البطولي من خلال جملة من الشهادات حول مختلف المعارك و العمليات العسكرية و الشبه العسكرية التي شارك فيها من 1956 إلى غاية 1962.