موسكوكا (كندا) - ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة اليوم الجمعة كلمة حول موضوع السلم و الأمن بتأكيد خاص على مختلف أشكال الإجرام العابر للأوطان بمناسبة قمة مجموعة الثمانية المنعقدة بموسكوكا (كندا) هذا نصها الكامل: "السيد الرئيس إننا ما نزال نلاحظ فيما يخص مشاكل السلم و الأمن استمرار وجود مناطق في إفريقيا لا استقرار و لا أمن فيها مناطق تشكل بداهة أولى الأولويات التي تنصب عليها الجهود المبذولة من قبل الاتحاد الإفريقي و شركائه. ولئن حققت بعض مناطق النزاع و التوتر تقدما ملحوظا على درب التسوية ينبغي دعمه و تعزيزه فإن الوضع في مناطق أخرى ما يزال يستوقفنا من حيث إن المسارات التي تم الشروع فيها لم تفض بعد إلى النتائج المأمولة خاصة بالصومال وبدارفور بالرغم من الجهود التي تجشمها الاتحاد الإفريقي و التي تستدعي مساندة كبيرة من قبل المجموعة الدولية. من البديهي أن إعادة السلم والأمن تبقى الشرط الأساسي لنجاح أي مسار للتنمية الاقتصادية والاجتماعية و تحسين ظروف معيشة الساكنة يستجمع مقومات البقاء ويكتب له الدوام. إن إشكالية السلم و الأمن تطرح نفسها بعد ذلك من حيث تفاقم وتوسع رقعة ظاهرة الإرهاب وصلاتها المطردة مع الإجرام المنظم العابر للأوطان و مع المتاجرة بالمخدرات والأسلحة واختطاف الرهائن. إن التحديات الجديدة هذه بالتضافر مع استمرار النزاعات تشكل اليوم تحديا حقيقيا بالنسبة للمجموعة الدولية تحديا متفاقم الخطورة بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية التي قد يؤدي استمرارها إلى تقويض المجهود التنموي الاقتصادي والاجتماعي المبذول لصالح شعوب دول الجنوب التي يمكن أن يشكل سوء ظروف معيشتها مصدرا للتوتر و للاستقرار. إن منطقة الساحل التي غدت مرتعا للجماعات الإرهابية تكتنفها اليوم أخطار حقيقية و عوامل قد تنجم عنها مخاطر جمة. و قد تصبح بعد أمد فضاء مواتيا لتوسع المد الإرهابي نحو مناطق أخرى من القارة و من العالم. انطلاقا من هذا التشخيص اتفقت بلدان منطقة الساحل الصحراوي على مقارعة هذه الآفات مقارعة فعالة و منسقة ومتضامنة. ففضلا عن تفعيل أطر التعاون الثنائي رسا الاتفاق على إعطاء دفع جديد لتعاون جهوي يتمحور حول مبدأ تملك بلدان المنطقة للمشاكل الأمنية و احترام التعهدات الثنائية والدولية و اعتماد إجراءات ملموسة في مجال مكافحة الإرهاب. و أما فيما يخص بالذات مسألة دفع الفدية للجماعات الإرهابية المختطفة للرهائن فيجدر التنويه بالتقدم المعياري الذي حققه الاتحاد الإفريقي باعتماده خلال دورته الثالثة عشرة المنعقدة بسرت في يوليو 2009 قرارا يدين دفع الفدية للجماعات الإرهابية. إننا مرتاحون لتأييد مجلس أمن الأممالمتحدة هذا الموقف بإدراجه في قراره رقم 1904 الصادر في ديسمبر 2009 تدابير تخص التجريم القانوني لهذه الممارسة الكريهة للغاية والتي تشكل في جوهرها وغايتها مصدرا لتمويل الإرهاب. إنه لأمر بالغ الدلالة أن يخصص لقاؤنا جزءا من أعماله لموضوع السلم و الأمن مع التأكيد خاصة على مختلف أشكال الإجرام العابر للأوطان. إن إفريقيا ضحية للإجرام العابر للأوطان هذا وتعاني معاناة متنامية من أصناف المتاجرة غير القانونية بالسلع من مثل الأدوية المقلدة ومن النفايات السامة و الاستغلال الجنسي للنساء. و قد أخذ الإجرام هذا أبعادا خطيرة من خلال المتاجرة بالأسلحة الخفيفة و بالمخدرات من قبل شبكات الإجرام المنظم. انه يمثل خطرا لا تؤمن بوائقه خاصة و أن الشبكات هذه قد حبكت صلات وثيقة مع المنظمات الإرهابية التي تراجعت نحو إفريقيا ونحو منطقة الساحل على وجه الخصوص و هو خطر لا يقتصر على إفريقيا فحسب ذلك أن مداه يشمل أوروبا بل ومن هو أبعد منها بكثير. تمثل إفريقيا ثاني منتج عالمي للقنب و تبقى إفريقيا الغربية وهي منطقة عبور في المتاجرة بالكوكايين إحدى المناطق الأكثر عرضة للنشاطات غير القانونية لشبكات المتاجرة بالمخدرات. إن المعاينة هذه تبين مدى جسامة و تعقيد هذه الأدواء ومدى ضرورة اعتماد إجراءات فعالة وجريئة لمكافحتها. فلمواجهتها لا مندوحة لنا من أن نأخذ في الحسبان مختلف الجوانب التي تكتسيها هذه الظواهر وأن نولي عنايتنا لمسبباتها ولتجلياتها علي حد سواء بما يمكننا من تعهدها بالمعالجة الفعالة. إن كل عمل في مستوى هذا التحدي يقتضي اولا تعاونا وثيقا جهويا و دوليا. و للمجموعة الدولية و مجموعة الثمانية بوجه أخص دور أساسي ينبغي الاضطلاع به لدعم تنفيذ القرارات المتخذة على المستوى الوطني و على المستوى الجهوي. إننا ننتظر من بلدان مجموعة الثمانية دعما لآليات التعاون المعتمدة علي المستوى الجهوي على غرار بلدان منطقة الساحل الصحراوي من أجل التكفل بالفعل بمحاربة هذه الآفات و هذا في مجالات الاستخبارات و التجهيز والتكوين خاصة. إن المكافحة الشرسة التي ينبغي خوض غمارها من أجل الانعتاق من ربقة هذه الأخطار يجري القيام بها في إفريقيا بطبيعة الحال في إطار الاحترام الصارم للقانون الدولي. و إننا نرحب بكل عرض للتعاون الفعال تسنده عزيمة شركائنا القوية. ينبغي دعم الشراكة بين بلدان مجموعة الثمانية و إفريقيا لمكافحة التهريب و التجارة غير المشروعة و تعزيز السلم والأمن الدوليين . وعلى شركائنا أن يتحملوا قسطهم من المسؤولية في محاربة هذه الظواهر العابرة للأوطان من خلال مساندة الجهود التي تبذلها البلدان الإفريقية لمواجهتها سعيا لتعزيز الاستقرار و إعادة السلم و إيجاد أفضل الظروف للتنمية المستدامة. شكركم على كرم الإصغاء".