آلاف القضايا تطرح يوميا على محاكم الجزائر العاصمة، تختلف وتتشابه كلها في شيء واحد هو أن كل هذه القضايا فيها ضحايا ومتهمين، وكلها تنتظر حكم العدالة فيها· لن يسعك الوقت لتكون في صورة كل الأحداث التي أوجدت تلك القضايا وتحس أحيانا بالعطف نحو البعض منها، لكنك لن تكون الحاكم· قاعة الجلسات بمحكمة عبان رمضان تشهد يوميا تواجد عدة أشخاص بها تختلف أعمارهم وسماتهم، ما يجعلك تشبهها بالموت يتساوى فيها الفقير والغني، فقد تلاحظ أشخاصا في غاية الأناقة وآخرينئعلامات البؤس لا تفارق محياهم· الصمت مطلوب أثناء مداولة القضايا، الأمر الذي يحرص عليه أعوان الشرطة داخل المحكمة الذين يراقبون بدقة كل ما يحدث، إذ يمنع عليك استعمال الهاتف النقال أو قراءة الجرائد، لكن يمكنك الانحناء قليلا لتضع كمشة ''شمة'' دون أن يلاحظك أحد· نحن الآن بقاعة الجلسات بمحكمة عبان رمضان العاصمة، الزمن يوم الخميس صباحا، كالعادة رئيس الجلسة ومساعديه، محامين، متهمين وضحايا، الجو في الخارج بارد جدا، لكن داخل قاعة الجلسات رقم واحد درجة الحرارة مرتفعة جدا وحتى أماكن الجلوس لم تعد فارغة، ما دفع بالبعض للوقوف على طرف المقاعد، الآن القاضية تنادي على أصحاب القضايا، هناك من أوكل محام وآخر لا· وبالنسبة لرئيسة الجلسة، فضّلت أن يتم مداولة الموقوفين أولا خلافا لعادة بعض رؤساء الجلسات، وبمجرد وقوف هؤلاء المسجونين في المكان المخصص لهم يزيد عدد أعوان الشرطة، طبعا لضمان الحماية لهم أيضا، يطلبون من الحضور التزام الصمت أثناء النطق بالحكم على أن يفعلوا ما يشاءون مباشرة بعد مغادرتهم القاعة· أول قضية تُعرض في الحال تتعلق بشاب كان متهما بسرقة هاتف نقال فتاة استغل توافد الكثير من الأشخاص -حسب الضحية- على ملعب 5 جويلية لمشاهدة مباراة الجزائر - صربيا ليسرق هاتفها النقال، لكن المتهم الموقوف قال إنه بريء من التهمة، وأنه كان مغميا عليه عندما خرج من الملعب، ولم يقم أبدا بسرقة تلك الفتاة· هنا محامية الدفاع تتدخل لتسأل الضحية هل أنت متأكدة أنك رأيت هذا الشخص وأنه حقا من سرق هاتفك النقال، الضحية تقول أنها لم تره هو شخصيا، وبعد المداولة الطويلة استفاد الشاب الموقوف في السجن من البراءة، بعدهارفع يديه للسماء وشكر الله· احضروا طاولات باب الوادي الكثير من القضايا التي تطرح بقوة تتعلق بقضايا سرقة الهاتف النقال، وأغلب المتهمين هم شبان لا تتجاوز أعمارهم العشرين سنة، لكن المحير في الأمر أن هؤلاء المتهمين يرددون أنهم بدورهم ضحايا، وهذا ما يجعل هيئة الدفاع تستند أثناء المرافعة على هذه التصريحات حين يقولون، سيدتي الرئيسة، موكلي قام بشراء هاتف نقال من أحد الباعة المتواجدين بقارعة الطريق باب الوادي، لكن القاضية تجد مجالا دائما لإحراج المتهم حين تقول له لكنك اشتريت الهاتف النقال بسعر أقل بكثير مما هو عليه داخل محلات بيع الهواتف النقالة، وكأنها تريد القول بأن المتهم شارك في الجريمة أي السرقة حين استغل شراء هاتف من طراز رفيع بثمن بخس، اتهام يحاول المتهم التخلص منه عندما يقول إنه لم يكن يعلم أن الهاتف الذي اشتراه مسروق مادام الشرطة متواجدة في المكان الذي تعرض فيه طاولات بيع الهواتف النقالة بأسعار في متناول الجميع· وفي الحقيقة هؤلاء المتهمين، وبمجرد وضع الشريحة، يتم التعرّف عليهم من قبل الشرطة· المجوهرات المستوردة كانت هذه القضية مهمة بالنسبة لنا، حاولنا أن نعرف خلفيات العناصر المتهمة فيها، والخاصة باستيراد مجوهرات من الخارج وبيعها بطرق غير شرعية· اهتمامنا مرده إلى اعتقاد أن هذه الشبكة على علاقة بشبكة ما يعرف بشبكة ''الفهد الوردي'' المختصة في سرقة أغلى المجوهرات من فرنسا إلى شمال أوروبا· منذ وقت ليس ببعيد تم سرقة مجوهرات ثمينة من أغلى المحلات الباريسية بفرنسا، هي الأكبر على الإطلاق· لكن، وكالعادة غياب الطرف المدني المتمثل في إدارة الجمارك حول القضية إلى مستورد للمجوهرات، وإلى بائع لها بطرق غير قانونية وبقي اللغز محيرا· استرجاع الممتلكات ظهر جليا عندما وقفا أمام هيئة المحكمة أنهما ليس من الجزائر، فملامحها الأوروبية تؤكد ذلك، إنهما من جنسية فرنسية حضرا ووقفا أمام هيئة المحكمة كضحايا، أشارا إلى أن المتهم قام بانتحال صفة لأخذ ممتلكاتها الموجودة بشارع الحرية بالعاصمة، لكن عدم حضور ممثل عن الممتلكات العمومية دفع بالقاضية لتأجيل النظر في قضيتهما إلى غاية الشهر الداخل· النفقة ومشاكلها الإهمال عادة سيئة على ما يبدو، تشكو منها المرأة المطلقة المجبرة على اتهام زوجها أمام المحكمة بعدم التزامه بدفع النفقة، لكن أحد المتهمين بدوره أرجع السبب إلى الحوالات البريدية التي لا تصل في الوقت المحدد، ولكي يثبت حسن نيته دفع مبلغ 25 ألف دج أمام القاضية للضحية التي رفضت أن تسامحه، الشيء نفسه حدث لزوجة لم يحضر زوجها المتواجد بفرنسا في موعد وضع حملها، وبعدما اتهمته بالإهمال حضر إلى المحكمة غاضبا ليدافع عنه محام لا يتقن كثيرا اللغة العربية، ما دفع بالقاضية إلى مطالبته بالمرافعة بالعربية في العديد من المرات· والنظر في هذه القضايا مؤجل إلى غاية الشهر القادم· وبطبيعة الحال، لا تخلو القاعة من الحديث عن مشاكل الجيران، وعن الغيرة، وعن الطرد وقضايا الأصول وحتى عن كيفية اختيار المحامي من قبل المتقاضين، وأيضا من مشاحنات بين أصحاب الجبب السوداء وكذا قمة في التفاهم عند البعض·