كشف محمد لكصاسي، محافظ بنك الجزائر، عن قيمة الديون الخارجية الجزائرية والتي قدرها بحوالي أربعة ملايير دولار أمريكي· رقم كبير بالنظر لتلك التصريحات الرسمية التي كانت تؤكد في الفترة الأخيرة أن الجزائر نجحت في التخلص من الديون الخارجية· وهو ما أكده وزير المالية كريم جودي،مطلع السنة الحالية، الذي صرح في جواب على أسئلة النواب بالمجلس الشعبي الوطني أن الدين العمومي الخارجي استقر في مستوى 486 مليون دولار نهاية شهر نوفمبر ,2009 في الوقت الذي كانت قيمة هذا الدين الخارجي حوالي 623 مليون دولار نهاية .2008 هل يعقل أن يتضاعف حجم المديونية لأكثر من أربع مرات في أقل من ستة أشهر· هذا التضارب في الأرقام، يأتي في الوقت الذي تؤكد فيه السلطات العمومية على أن الجزائر تتوافر على السيولة المالية ما يسمح لها بتمويل المشاريع الكبرى في إطار المخططات الخماسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، ما يعني أن البلاد ليست في حاجة لقروض خارجية لتمويل هذه المشاريع، فما الذي عساه يفسره هذا الارتفاع في حجم الديون الخارجية· قبل الجواب على هذا السؤال، لا بد من العودة للخلفية التي تمت فيها تسوية ديون الجزائر الخارجية· فقد كان القرار بمثابة النقلة النوعية في مرحلة بعث التنمية، على اعتبار أن هذه الديون ظلت تعيق خوض إصلاحات اقتصادية دون تدخل من الهيئات الدولية الاقتصادية، التي كانت تتدخل بشكل مباشر في كل كبيرة وصغيرة من منطلق حماية أموال المدينين الأجانب في الجزائر· على هذا الأساس، ولتحرير المبادرة الاقتصادية، كان لابد من التحرر من هذا القيد، فكان ذلك بأمر من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة· فقد بدأت المفاوضات مع نادي باريس، المكون من 19 دولة، كان ذلك عام ,2006 حيث كانت ديون الجزائر في تلك الفترة مقدرة بحوالي 16 مليار دولار، مع العلم أن قيمتها بلغت مطلع عام 1994 حوالي 34 مليار دولار أمريكي· وما كان يمثل خطورة حقيقية على الاقتصاد خلال تلك المرحلة، هو اضطرار الجزائر لتسديد قيمة أصول الدين الخارجي، إلى جانب تسديد قيمة خدمة الدين، التي باتت تثقل كاهل الخزينة العمومية وتشكل قيدا حقيقيا· وعلى سبيل الذكر، فإنه بين سنتي 1985 و2005 اضطرت الجزائر لدفع ما يقارب ال 84 مليار دولار، في حين أن قيمة خدمة الديون بلغت 34 مليار دولار· مبالغ مالية مهولة تذهب سدا دون التمكن من الاستفادة منها بأي شكل من الأشكال· ومع أن الخبراء في الاقتصاد لا يرجحون كفة التهويل بخصوص هذا الرقم المعلن عنه من طرف محمد لكصاسي، على اعتبار أن حجم المديونية في مثل هذه الحدود ليس بالأمر الخطير ولا المؤثر على الاقتصاد الوطني، حيث يذهب البعض لمحاولة تفسير هذه الديون بكونها ضمن ما يعرف بالديون قصيرة الآجال، إلا أن تفاقم حجم الديون في فترة وجيزة يعيد طرح تساؤلات حول المنحى الذي يسير وفقه الاقتصاد الوطني·