هو واحد من أهم الروائيين الشباب، اعتبرت روايته ''حروف الضباب'' عملا مفصليا في الرواية الجديدة بحيث استطاع من خلالها الخروج بالرواية الجديدة من المستنقع التسعيني إلى فضاء سردي أكثر رحابة· حين فكرت في محاورتك، تخيلت أننا سنتكلم عن ''حروف الضباب''، ولكنني وجدت أن هكذا حديث استهلك ولا فائدة منه، لذلك أحب أن نتكلم عن رواية لم تكتبها، أقصد تلك الرواية التي ''لا تتشبه ''· هل تعتقد أن من الممكن كتابة هكذا رواية؟ اعتقد ذلك، وأنا مؤمن بالمقولة التي مفادها أن أجمل النصوص هي تلك التي لم نكتبها بعد، لكن الكتابة بالمقابل لها منطقها الخاص، تصيب صاحبها بما يشبه اللعنة السيزيفية، ففي كل مرة يشتغل فيها الواحد على نص روائي يظن أنه بصدد كتابة ''اللامتشبه '' على حد قولك، لكن عند الانتهاء منه وخروجه إلى الناس، يشعر برغة في إعادة التجربة من جديد ومن ثم يأتي التراكم، وقد تكون النصوص المتراكمة في النهاية هي محصلة ''اللامتشبه ''، وهذا هو سر الاستمرار في الكتابة· فلنحلم بالنص ''الكامل '' الذي لم نكتبه بعد، ولم لا نكتبه ذات يوم صديقي· أملك تصورا واحدا لمفهوم الرواية، وهي أنها حكاية ممتعة تحملك لتكون انطباعا ما، أي أنها تجعلك تؤمن بها رغم خبلها، وتدخلك في أحداثها، وقد تجد بين شخوصها واحدا ترافقه· هل الرواية ما أتصور أم هي غير ذلك؟ -أرى الرواية عالما قائما بذاته، له جنونه وتقلباته ومفاجآته، مجده وهزله، وكل ذلك يمتزج في صيرورة ما، وأرى الرواية من أعظم الإنجازات الحضارية في تاريخ الإنسانية على الإطلاق· وهذا لا يتناقض تماما مع رؤيتك لهذا الفن المدهش، فلكل صيرورة حكاية قد تكون ممتعة في المجمل وقد لا تكون كذلك، لكلنها في العموم منسجمة مع ذاتها والانسجام الكلي هو الذي يمنح كاتبيها صفة العبقرية، فعندما أعيد قراءة ''دون كيشوت '' مثلا لجدنا سرفينتس أحسد كاتبها على هذا السبق، وربما كان ذلك النص هو ''اللامتشبه '' مثلما ورد في سؤالك الأول، وهل يمكن تجاوز دون كيشوت في كل القرون التي تلته؟ انتقلت من القصة القصيرة إلى الرواية، وأنت ممن يحسن كتابة القصة القصيرة-لست أجاملك-، كيف يمكنك أن ترسم حدود هذين الشكلين الأدبيين وأنت تبدأ في الكتابة، هل ترسم تلك الحدود قبل البداية في التدوين، أم أثنائه؟ يخطئ من يعتقد أن الرواية هي قصة طويلة، والقصة هي رواية مختصرة، ولعمنا الطاهر وطار -شفاه الله- رأي طريف في الموضوع، مفاده أن فن القصة القصيرة يشبه ''برج الدلاع '' الذي يحتوي على كل عناصر البطيخة دون أن يكون البطيخة نفسها، وهو عكس البطيخة الصغيرة مثلما يتصور البعض ومن المحتمل جدا أن تكون مرّة المذاق· ومن هنا تكمن صعوبة القصة القصيرة التي يراها الكثير من كاتبيها أصعب من الرواية نفسها· وعن تجربتي الشخصية، فمازلت أكتب القصة القصيرة إلى الآن، لكني أضع حدودا صارمة بين الشكلين، وعند الاشتغال على حكاية ما أقدّر إن كانت ستتشعب وتتطور إلى رواية أو تبقى في حدود القصة القصيرة، وبعد تحديد الشكل، تأتي اللغة والتعامل مع الزمن ورسم الشخصيات وفق القالب الفني الذي تكتب فيه تلك الحكاية· أشعر بوحدة رهيبة وأنا أصرح '' قراءات الكتب في صحافتنا مجرد فهرسة لكتب لم تقرأ''، ألا ترفع عني بعض الوحدة، أو تكذبني وتصرح بدورك ''قراءات الكتب في صحافتنا قراءات جادة لكتب قرئت فعلا''؟ لن أفعل ذلك وأنا متفق معك للأسف في هذا التوصيف، والحديث في هذا الموضوع ذو شجون، فأنت من أصحاب المهنة وقد حاولت هجرها أكثر من مرة، وتعرف البئر وما يخفي البئر من مشاكل لا حصر لها في القطاع، وكيف تحتقر الصفحة الثقافية التي أصبحت من سقط المتاع، وأن الصحفي الذي ينجح في الثقافي يحوّل إلى السياسي، وإن رفض يقال له: ''وعلا ش راك تضيّع في وقتك''، وإن قبل العرض تم تعويضه في الثقافي بصحفي مبتدئ لا يعرف تركيب جملة، ولا يحسن حتى ''فن القص واللصق'' الذي أصبح من ثقافة العصر، بل ان قراءة الفهرس في حد ذاته لم تعد متاحة، في هذا الجو الذي يعادي الكتابة والكتّاب·· أتمنى ألا تكون صدقتني حين قلت أننا لن نتحدث عن ''حروف الضباب ''، فما زالت روايتك هذه تشعرني بالرغبة في قراءتها مجددا، وبيني وبينك أحسدك عليها، إلا أنني أشعر أنها لم تأخذ نصيبها من النقد والقراءة الجادة، وخاصة وأنها أول رواية جزائرية تخرج من نفق العقدة ''البطل المثقف- الزمن التسعيني ''، وتجعل للتراث بعدا آخر غير بعده ''النقلي''· ها قد عدنا إلى ''حروف الضباب''·· صدقني إن قلت لك أني أتلعثم وأشعر بالارتباك عندما أعود للتكلم عنها من جديد· وأعتقد أن هذا ما ساهم في كونها ''لم تأخذ حظها من النقد والقراءة الجادة'' مثلما تفضلت بالقول، وأعترف بأني قصّرت كثيرا في حق ذلك النص ولم أقم بترويجه وإهدائه لمن يمكن أن يكتب عنه، إلا في حالات محدودة جدا، وكنت قد كتبت عن حكايتي مع هذا النص الذي جاء في سياق قاس جدا في تجربتي الحياتية· انتقال الشاعر إلى الرواية يشبه انتقال ''البدوي'' إلى المدينة، على الأقل هذا ما أشبه به ردتي عن الشعر· هل حقيقة مات عصر الشعر وحل محله عصر الرواية؟ لا أتصور تقسيم العصور بهذا الشكل (عصر الشعر، عصر القصة القصيرة، عصر الرواية··)· صحيح أن الشعر تراجع كموضة ولم يعد له قراء مثلما كان في السابق، لكن تراجع الشعر لا يعني اختفاءه نهائيا، فقد يعود بقوة لاحقا ولا يحتاج الأمر إلا إلى شاعر عبقري قد يعيد للقصيدة جمهورها، الذي أخذت منه الرواية القليل وأخذت الفنون المرتبطة بالحضارة الرقمية الكثير· فحتى الرواية أصبحت في تراجع كبير مثل كل الفنون المكتوبة لصالح الوسائط الجديدة· * أحب أن أحاورك السنة المقبلة، فهل تعتقد أننا سنتحاور في رواية أخرى غير ''حروف الضباب ''؟ إن شاء الله· لكنني لا أعدك بأن نتحاور عن إحدى مشاريع رواياتي المتعددة التي لم تكتمل بعد، وبعضها يقرب من حروف الضباب، وبعضها يختلف تماما عنها· بالمناسبة أقترح عليك صديقي أن نتحدث عن إحدى رواياتك المقبلة التي ستكون حتما جميلة ك'' تصريح بالضياع '' و'' يوم رائع للموت ''، فمتى نبدأ الحوار القادم؟