48 سنة من الإبداع والعمل المسرحي، 48 سنة من التفاني وحب المسرح، هو عمر المسيرة الفنية لمحمد بن قطاف الممثل، المخرج والمؤلف المسرحي، وحاليا مدير المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي، كُرّم منذ حوالي أربعة أشهر في المسرح الوطني الجزائري من طرف جمعية الألفية الثانية، ومؤخرا في ولاية برج بوعريريج مسقط رأس والده من طرف والي الولاية· ''الجزائر نيوز'' حضرت هذا التكريم في ولاية برج بوعريريج وجمعت بعض المقتطفات من الأحاديث مع شيخ المسرحيين الجزائريين محمد بن قطاف· رب صدفة خير من ألف ميعاد السؤال الأول الذي يخطر على بالك في جلسة كهذه مع محمد بن قطاف هو كيفية دخوله التمثيل المسرحي، لكن ستفاجأ بإجابته، لأنه سيقول لك وبابتسامة عريضة، إنه كان يحب الغناء وخيل له أن صوته جميل وبإمكانه أن يحترف الغناء، هذا ما شجعه على الترشح لمسابقة اكتشاف المواهب حين كانت التلفزة الجزائرية تعمل على تكوين أول ''كورال'' خاصة بها، ليضيف لك أنه نجح في المسابقة، لكن كممثل مسرحي متربص، هذا الذي أزعجه قليلا، لكن بالمقابل لم يتجرأ أبدا على الخروج من هذا العالم الذي سحره، خاصة مع بدايته في اكتشاف أكبر النصوص والكتاب المسرحيين العالميين الذين أبهروه في العمل· فصاحة اللسان والأداء الجيد حديثه عن الإذاعة كثيرا وبهذا الشغف يجعلك تستفسر عن السبب الذي جعله يطلّقها وينتقل إلى المسرح الوطني الجزائري، فيخبرك عن مسرحية ''بلا عنوان'' التي أداها سنة 1965 والتي كان من بين المدعوين لحضورها العملاق مصطفى كاتب الذي أعجب باللغة الفصحى التي يتكلم بها بن قطاف وقرر ضمه إلى فرقته، ويحظى بأول دور رئيسي في مسرحية ''عنبسة'' لتأتي بعدها أكثر من 40 مسرحية أخرى لا يكفي وقته الضيق لأن يذكرها كلها· من التمثيل إلى الاقتباس والتأليف يتحدث بن قطاف عن أول مسرحية مثّل فيها، لكن لا يتحدث عن تلك التي اقتبسها أو ألفها، فيتبادر إلى ذهنك أن تسأله عنها، لكنه سيحدثك عن تجربة أخرى لا تقل جمالا عن مثيلاتها ''الترجمة''، وبالتأكيد ستكون أول مسرحية يتحدث عنها في هذه النقطة هي مسرحية ''ايفان ايفانو فيتش'' التي ترجمها لعلال المحب التي أخرج بها مسرحية ''إبليس لعور'' هذه النصوص العالمية التي استطاع أن يهضمها، ويشتغل عليها بسهولة من خلال احتكاكه بها في الإذاعة الوطنية على مدى ثلاث سنوات، بعدها ترجم مسرحية ''الرجل ذو النعل المطاطي'' للعملاق الجزائري كاتب ياسين، ليدخل بعدها عالم التأليف بمسرحية ''حسنة وحسان'' التي أخرجها أقومي، بعدها ''ستوب''، ''جحا والناس''··· العمالقة يُكَوَّنُون··· المبتدىء يثابر كي يتعلم يتحدث بن قطاف عن أعماله، والأناس الذين تعامل معهم، فتلاحظ أن الكثير منهم هم من رواد المسرح الجزائري علال المحب، مصطفى كاتب، سيد علي كويرات، كلثوم، رويشد، تسأله عن الذي أثّر فيه أكثر، ليقول لك أن معظمهم كانوا قريبين إليه، وكلهم أصدقائه، أخذ عنهم أسرار المهنة، وتعلم من كل واحد منهم، بل كل واحد منهم يشكّل مدرسة· المسرح الحر غير موجود··· رغم تأثيره القوي يقول بن قطاف إن سألته عن تجربته في مسرح القلعة، أن المسرح الحر غير موجود في العالم إلا إذا كان لديك مسرحا خاصا، أما عن مسرح القلعة، فيضيف، أنه لا يمكن أن نضعه في خانة المسرح الحر لأن الفرقة لا تملك مسرحا خاصا، لكن بالمقابل الفرقة لم تكن تمول أعمالها من ميزانية الدولة أو أي قطاع من القطاعات الثقافية، بل كانت تمول من طرف مؤسسات خاصة، وقد كانت التجربة ناجحة جدا، حيث استطاعت أن تنتج الفرقة العديد من الأعمال المسرحية بين سنة 1989 و,1994 ويمكن أن نقول أنها كانت بالقدر الذي أنتجه المسرح الوطني الجزائري في نفس الفترة، يمكن أن يذكر لك مثلا مسرحية باية، فاطمة، آخر المساجين، الحافلة تسير والعيطة التي تحصلت على الجائزة الأولى في مهرجان قرطاج المسرحي الدولي· من أمجاد الكبار إلى أمجاد جيل جديد حامل للمشعل حين يتحدث الشيخ كما يناديه كل العاملين بالمسرح الوطني ومعظم الفنانين عن أمجاد وعمالقة المسرح الوطني الجزائري، يتبادر إلى ذهنك سؤاله عن وضعية المسرح اليوم وكيف يرى مستقبله، لكن تفاؤل بن قطاف لن يدع اليأس يتسرب إلى نفسك، فيؤكد لك أن هؤلاء العمالقة الذين نتحدث عنهم اليوم كانوا لا يعلمون شيئا عن المسرح وتعلمهم ومثابرتهم هما من أوصلاهم إلى ما أصبحوا عليه، لكن بالمقابل سيحدثك عن الممثلين الحاليين خاصة في المسرح الوطني والذين لا تتعدى أعمارهم الثلاثين سنة في أكثر الأحوال، بالإضافة إلى تكوّن معظمهم في المعهد العالي للفنون الدرامية وفنون العرض والسمعي البصري، هذه النقطة التي تحسب لصالحهم، عكسنا نحن، أين كان الكل عصامي التكوين ويعمل فقط بموهبته وحبه للفن، كما سيقول لك أن هؤلاء الشباب هم من سيصنعون أمجاد المسرح الجزائري، ويعيدونه إلى المكانة التي يستحقها وسط المسرح العربي و العالمي، ليضيف أن المسرح الوطني الجزائري سيراهن عليهم في هذه المهمة· حنينه إلى الركح··· وعمله في الإدارة بن قطاف في كل هذه الجلسة لا يفوت فرصة إلا وذكرك بحبّه للفن، هذا ما يجعلك تسأله إن نسي الركح الآن بعد أن أصبح مديرا للمسرح الوطني الجزائري، ويجيبك بأنه من المستحيل أن ينسى الركح، ولا يزال لحد الساعة يحنّ إلى عمل يعيده إلى الركح، لكن التزاماته في الإدارة، بالإضافة إلى حالته الصحية لا تسمح له بهذا، لكن الإخراج لم يبتعد عنه ولا التأليف·