جاءت أغلب الأسئلة الإنسانية عن العذاب الدّائر في حلقة الحضارات المتراكمة ، كأنها لا تخلد لنوم أو لراحة ، ينشدها هذا الإنسان ، المتميّز بالعقل ، بينما ما فعله الفنّ بمتذوّقيه ، أذاب بعض الجليد المتصاعد على أبنية الأفكار والعلوم ، لكون هذا الإنسان هو رائد الشّقاء وهو صانع ''حلاوة الوجود'' ، تارة بمعاول هدمه وتارة أخرى بمعاول بنائه ، فنظرية التفكيك من نظرية البناء ، كما يحب أن يفعل ا جاك دريداب وغيره من الأتباع والمنبهرين ، مثلما جرت العادة مع ''أهل الحدس'' والاستكشافات النظرية والتطبيقية ، عبر سلسلة حلقات الإنسانية ، بعيدا عن كل خير وعن كل شرّ· هل الإنسان في الفن هو ذاته الإنسان في السياسة والإدارة والتنظيم والشارع ، كما هو في غبطة نومه منهكا من أعباء جسده فوق سطح هذه المعمورة ، وإذا كان ليس هو في كل الحالات ، فهل هو كائن له سقف ، ينتهي عنده سؤال مصيره ، في الوقت الذي يكون الزمن خادمه أو متمرّدا عليه ، أثناء لحظة حياته أو حتى بعد مماته ، بل هل توصّل الإنسان إلى الراحة التي بلغها في ''ميتا فيزيقيته اللاهوتية''، وهو دائما في سجال الكفر والإيمان والعمل والبطالة ، يتلذّذ برغباته التوسعية الحالمة ، تلك أسئلة مجرّدة من لباس الحضارات المتعاقبة والثقافات المتنازعة ، حيث يبقى الإنسان هو جدليتها على الدّوام · ومرّة أخرى ، هل العمران البشري هو ذلك السّجن الكبير للإثنيات والألسنة والألوان - على اعتبار العقل - أم أن ''الضّباع'' أكثر إبداعية في فطريتها وتناغمها مع الطبيعة ، وبصيغة مغايرة ، هل قال المنتوج الإنساني حقيقته و كاشفها - بعيدا عن الدين والقبيلة والإنتماء (بل) بعيدا حتى عن الفردية والمؤسسة والأنماط - ، هل نجحت الفلسفة في ''أخلقة الكون'' ، مع تزاحم العلوم والاستكشافات والإبداعات الإنسانية ، وأين - بالضبط - يمكن أن يرتاح هذا ''الكائن الإنساني'' ، فيما شعرية المكان و''هوس الزمان'' يتبادلان متعة ''تعذيبه'' وإن كان في بروجه العاجية أو تحت ردومه الماديّة · ألم يسأل ''شخوص الروايات في الأدب'' عن مصائرهم ، كما سأل ويسأل الشعراء والتّائهون عن ذات المصائر ، أم أن نظرية ''الخلاص في الإخلاص'' تبقى ذروة الإنجاز الأعلى للبشرية من خلال منظّريها وعلمائها وفنّانيها ، هذا ما لم يجب عنه'' العقل'' في اصطدامه بالعاطفة واحتكامه للنفس ، كترديد لأصداء الباطن ، مثلما تحمله الأرض من ثروات ، تجهر البشرية باستخراجها ، مشهرة سلاح الإبادة بيد وغصن الزيتون بيد أخرى ، كما أن كل إبداع إنساني هو ''سجال عقيم'' في وجه '' مفردات العدل'' و'' الإحترام المتبادل'' ، بينما سفسطة ''بورجوازية الخبز'' تعلو شأنا باسم الفن والجنس والدّين والسياسة - بصرف النّظر عن الجغرافيا والقومية - ، فهل للإنسان من خلاص في زوبعة تكنولوجياته الحديثة ، أم أن القرطاس والقلم سيجلبان''النّعمة'' على بساط تلك الشموع المضيئة في دهاليز كل العصور ، ما مضى منها وما هو آت ؟