مرة أخرى·· التاريخ·· وبصفة لا متناهية تعود قضايا الماضي الأليم وسنون الاستعمار والاستغلال الفظيع لشعب بأكمله، تذكي الجدال والنقاش بين ضفتي المتوسط· وللمرة الألف يحاول الساسة الفرنسيون إملاء قراءتهم للتاريخ وفرض رواية واحدة ووحيدة للتاريخ وكأني بهم تتملكهم رغبة في تبييض سنوات الاضطهاد وما فعله آباؤهم وأجدادهم بالجزائريين· إن سلوكيات بعض الساسة الفرنسيين توحي للملاحظ إصرارا على عدم النسيان أكثر من الجزائريين أنفسهم ضحايا فرنسا الاستعمارية بل ويسعون إلى تزييف بعض الحقائق التي أرخ لها مؤرخوهم قبل مؤرخينا· فظائع الثامن من ماي يشهد لها التاريخ بأنها كانت مجزرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى·· وعندما يحاول فنان سينمائي من طينة رشيد بوشارب التأريخ على طريقته وفضح ممارسات فرنسا الاستعمارية بنقل الحقائق للأجيال المقبلة يقابل بالرفض والتشكيك· أما السينمائيين الفرنسيين عندما يقومون بإخراج أفلام تاريخية عن الحرب العالمية الثانية و''بطولات مقاومتهم للنازية'' مع كل التحفظ على صدقية ما ينقل توصف الأعمال بالعظيمة··؟ أو عندما أنتج سينمائيون فرنسيون فيلم ''أنديجان'' يصور تضحيات محاربي شمال إفريقيا إلى جانب الجيش الفرنسي ضد النازية لم يناقش أحد صحة المعلومات التاريخية الواردة في الفيلم ولم يجرؤ أحد على التشكيك في الرواية الفرنسية·· أما اليوم فتقوم الدنيا على فيلم مرشح لمهرجان ''كان'' فقط لأن فنانا جزائريا تجرأ على تصوير جرائم الاستعمار ونقض فرنسا الاستعمارية لوعدها بمنح الاستقلال للجزائريين بل والرد على الجميل·· جميل الدماء التي سالت لأجل تحرير فرنسا من قبضة هتلر، كان دماء الجزائريين التي روت شوارع فالمة وخراطة وسطيف· إن الحملة الشرسة التي يتعرّض لها فيلم رشيد بوشارب في اعتقادي ليس لكونه فيلما ''زوّر'' حقائق تاريخية كما يعي الساسة الفرنسيون بل لأنه صورة وصوت وتوثيق لجريمة ودليل إثبات وإدانة لمجرم فار، ومجرم ينكر جريمته ويرفض أن يحاكم، وعليه فإن فيلم ''خارجون عن القانون'' هو فصل من فصول مسلسل الدم الذي أنتجه وأخرجه المستعمر· في انتظار أفلام أخرى وأدلة إثبات أخرى لإدانة المجرم الفار·