الظاهرة الجديدة والملفتة للانتباه خلال هذا المونديال 0102 هي عودة الريادة للمقاهي في الكثير من المدن والقرى الجزائرية، هذه المقاهي التي فقدت بريقها في السنوات الأخيرة لأسباب عدة منها: سيطرة مقاهي الأنترنت وإعادة إنتاج صالون فاخر و تحويل مهام الكثير من المقاهي إلى نشاطات مزدوجة.. أو تقسيم مساحة المقهى إلى إثنين مقهى وكشك، حيث نجد مقهى في مساحة غرفة واحدة بدون كراسي.. وأيضا غلق الكثير من المقاهي التاريخية في كثير من المدن الجزائرية ربما أتحدث عن بعض مقاهي في مدينتي جيجلوعنابة .. مقهى بن يخلف توجد في منتصف مدينة الطاهير مواجهة للكنسية القديمة، وهي من المقاهي التاريخية، كنت وأبنائي أوراس وونشريس من روادها وهم أطفالا بحكم أنها كانت فضاء للقاء والنقاش والتبادل الفكري، ومازالا يحدثاني إلى يومنا هذا عنها وعن قِدم كراسيها وطاولاتها، تحوّل نشاطها إلى دكان واسع لبيع الخضروات والفواكه بعدما كانت المكان المفضّل للنخبة في الطاهير وللرئيس والمناضل الثوري فرحات عباس. هذه المقهى التي أغلقت أبوابها منذ سنة تقريبا، ولا أحد تكلم.. مقهى الكوبتاطا café des اCombattants''. هي من أجمل المقاهي في مدينة الطاهير لأنها تملك قاعة واسعة وبها فناءين وكانت شاهدة على لقاءات كثير بين مبدعي مدينة جيجل، وتم الآن تدميرها عن آخرها وبناء مكانها بناية جديدة.. ولا أحد تكلم؟ مقهى الجزائرية ALGERIA وهي من أجمل وأوسع المقاهي في مدينة عنابة، وهي شاهدة على لقاءاتي المتعددة مع صديقي الفنان الراحل بشير بلونيس والدكتور الموسوعي محمد صالح قرجومة والكثير من أعضاء نادي الإبداع الأدبي وأعضاء من جمعية نقد واتحاد الكتاب الجزائريين.. والتي تحوّلت الآن إلى وكالة تابعة لشركة موبيليس، وكلما مررت أمامها أحس بحزن شديد للغاية، إنني أفتقد أجواءها كثيرا ولا أحد تكلم.. مقهى بن صخرية بعد غلق الكثير من المكتبات وتحويل نشاطها التجاري، جاء دور الكثير من المقاهي التاريخية التي اغتيلت بصمت·· وظلت مجرد ذكرى أو صورة قي ألبوم عشاقها وروادها، ورغم ما حدث ويحدث من تشوه.. فإن بعض المقاهي جديدة النشأة أخذت رمزها في ذاكرة الاجتماعية والمخيال الشعبي ولكن ذات اهتمام رياضي وكروي تحديدا، ففي الطاهير لا يمكن بحال من الأحوال المرور بدون أخذ قهوة في مقهى بن صخرية بحي أولاد سويسي، هذه المقهى التي تجمع غريمين الأكثر شراسة في عالم كرة القدم ولا أعرف السبب إلى حد كتابة هذه الأسطر وهما عشاق البارصا وعشاق الريال وطبعا الفريق الوطني الجزائري.. فخلال المباريات الكروية يهاجر الأغلبية من المناصرين إليها وحتى الذين يملكون بطاقات الاشتراك وطراز عالي من الشاشات، ومن الصعب أن تجد كرسيا شاغرا، فكأس العالم ودرجة التشجيع وتخضع لمقياس البرصا والريال، فكلما كان لاعبا من هذين الفرقين كلما كان التشجيع أكبر.. وأجد فيها متعة كبيرة صراحة ليس بمشاهدة المباريات بل بمشاهدة المناصرين الأعداء وهم يخلقون مناخا مختلفا في حدود الأخلاق، إنه التصادم والسخرية والصراخ والتدخين، إنها المسرح الحي والفرجة.. بل إن مقياس الفرح والحزن سيكون بدون شك حسب نتيجة المباراة، وأعتقد أن في الجزائر مقاه مشابهة خرجت من فضاء الثقافة والفن والفكر إلى حالة هيستيريا كروية·· لكنها كرست حضورها في الفضاء الاجتماعي.. المهم في هذا كله.. تبقى نوعية القهوة والشاي الذي يقدم للزبون وهي أداة وصل بين كل فئات المناصرين المقهى..