مع تعقيدات الحياة الجديدة في بلادنا، لم يعد الحصول على شريك الحياة بالأمر السهل، فزيادة على المهر ومستلزمات الجهاز والوليمة، أصبح لزاما على البعض دفع عمولة أو ''رشوة'' لدى سماسرة من النساء والرجال· وعن طريق هذه ''الوكالات'' غير المعلنة بإمكان الحصول على زوجة أو زوج ''ميقري'' بمبلغ لا يقل عن 20000 دينار، في حين أن الزوجة أو الزوج المحليين لا تتعدى عمولة الحصول على أحدهما في بعض الأحيان الخمسة آلاف دينار· الاقتراب من هذا العالم لم يكن سهلا، نتيجة الغموض الذي يكتنفه والتكتم الشديد من طرف أصحابها، فالظاهرة لم تعد تقتصر على المرأة، وإنما هناك من الرجال من يمتهنونها بالتنسيق مع مختصات في إيجاد النصف الآخر، وهي عبارة عن شبكة أكثرها نسوة منتشرة عبر الوطن وحتى خارجه، حيث أكدت إحداهن في حديثها لنا، أنه في بداية الأمر كانت تتوسط بين الرجل والمرأة دون أي دافع مادي، الأمر الذي ينتهي بزواج سعيد غالبا، وهو ما جعل العديد من الراغبين في الزواج الاستعانة بها، مضيفة أن الجحود الذي تلاقيه من طرف بعض المستفيدات من خدماتها أدى إلى تغيير دافعها، حيث أكدت أنه في البداية الباحثة عن زوج تتوسل إليها ولا تكاد تغادر منزلها وتتوعدها بأنها لن تنسى معروفها طوال حياتها إذا وجدت لها عريسا، وكان لها ما أرادت -تقول محدثتنا- التي أضافت أنها تفاجأت بسماع يوم زفافها ولم تكلف نفسها حتى بدعوتها لحضور العرس، وشهدت الحادثة نفسها مع أخريات، وهو ما جعلها تغيّر رأيها لتشترط مبلغا من المال مقابل ذلك لتقول ''ماكاش الخير فلعرب''، وأشارت سيدة أخرى (ع) إلى أن سبب إقدامها على ممارسة هذه ''المهنة'' الظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها، وأنها الوسيلة الوحيدة لكسب قوت أولادها، خاصة وأن زوجها عاطل عن العمل ولديه إتصالات مع العديد من الأشخاص الذين يقصدونه للتوسط مع زوجة المستقبل، وتقصد العنصر الرجالي، في حين تتولى هي مهمة إيجاد العروس التي يتمناها ذلك الشخص، فيما أكدت لنا خالتي (ز) أنها دخلت هذا العالم صدفة بحكم علاقاتها الطيبة مع الناس الذين غالبا ما يلجأون إليها لإرشادهم إلى ''البنات الفاميلية، ووليد الفاميلية''، وغالبا ما تكلل هذه العلاقة بالزواج، وهو ما أدى -حسبها- إلى انتشار الخبر في ناحيتها، وأصبح العديد من الأشخاص يقصدونها، مشيرة إلى أن إحدى النسوة ''البياعات'' اقترحت عليها التعاون مع بعضهما البعض مقابل مبلغ مالي الذي سيكون مناصفة بينهما، وهو ما حدث بالفعل -حسب المتحدثة ذاتها- التي أصبحت تشترط المال مقابل ذلك· لائحة ''أسعار'' الزوج المستقبلي أجمع كل من تحدثنا إليهم عن اختلاف الأسعار حسب الطلب والعرض المقدم، إذ أشار محدثونا إلى أن سعر الزوج المحلي أرخص من ''الميفري''، نتيجة كثرة الطلب على هذا الأخير، وأصبح الحصول عليه يستلزم منك دفع الكثير وأن تكون سخيا للغاية حتى تمنح لك فرصة العيش في الخارج دون الحاجة إلى ''الحرفة''، فقد أكدن أن مبلغ الحصول على ''الميفري أو الميفرية'' لن يقل عن 20 ألف دينار، وتعرف رواجا كبيرا في فصل الصيف بقدوم المغتربين إلى أرض الوطن لقضاء عطلتهم وإيجاد شريك أو شريكة حياتهم، حيث يفضّل هؤلاء ''بنات البلاد''، وأشارت (ع) إلى أنها لن تجد صعوبة في إيجاد الزوجة في حال ما إذا كان الطالب من جنس ذكر بسبب كثرة العرض، وله الحرية في اختيار شريكة حياته بسهولة تامة، إذ تشير إلى أن أغلب الفتيات اللائي يقصدنها يطلبن مغترب ولا يهمّ لا سنه ولا شكله ولا حتى مهنته، المهمّ لديهن أن تكون له بطاقة إقامة في أي بلد أجنبي طبعا يكون في أوروبا أو أمريكا ليتمكن من العبور بسلام· وقالت محدثتنا، في الحقيقة مبلغ 20 ألف دينار ما هو إلا مبلغ أولي، لتبتسم وتقول إن الزوج ''الميفري'' سيكون من نصيب من تدفع أكثر من المبلغ المحدد، وتضيف أنها لا تشترط للراغبة في الزواج مباشرة ذلك، ولكن ''ياختي لازم واحدة تعرف روحها إذا صح راهي حبة واحد ميفري''، لأنه -حسبها- إذا انتقلت إلى الخارج ستجني أكثر من ذلك بكثير، ناهيك عن الامتيازات الأخرى التي تجدها هناك، تقول (ز) التي تشاطر رأي زميلتها، والشيء نفسه بالنسبة للرجل· أما عن أسعار الزوج أو الزوجة داخل الوطن، فهو الآخر يتغير حسب مزايا الزوج أو الزوجة، ''فالخدمة'' غير المكلفة -حسبهن- هي العثور على زوج يقطن بالجنوب، حيث يفضّل الرجل الصحراوي المرأة في الشمال خاصة من منطقة القبائل لعدم غلاء المهر وكذلك جمال المرأة القبائلية -تقول محدثتنا- اللائي أضفن أن الأمر لا يقتصر على المطلقات فحسب مثل السابق، حيث أن أغلب المتزوجات إلى الجنوب من هذه الفئة، في حين في الوقت الراهن حتى فتيات في مقتبل العمر يرغبن في الزواج برجل من الصحراء ليتجنّبن لقب ''البايْرة''، وأجمعن في السياق ذاته على المطالبة بمبلغ 5 آلاف دينار مقابل ذلك، وهو السعر نفسه الذي تدفعه المرأة في حال ما كان زوج المستقبل مطلق، ومبلغ 10 آلاف دينار إذا كان كل من الرجل والمرأة المقبلين على الزواج عزاب لم يسبق لهما الزواج، ومبلغ 12 ألف دينار إذا كان زوج المستقبل من حاملي الشهادات الجامعية ويملك منصب عمل لائق، ويصل المبلغ أحيانا إلى 15 ألف دينار إذا كان زوج المستقبل يعمل في شركة كبيرة· وعن الفئات العمرية التي تقصد هذه الشبكة، فقد أكدن أن جل الفئات تقصدنهن وفي بعض الأحيان تكون الفتاة في السابعة عشر من عمرها وأمها ترغب في تزويجها مبكرا، ونجاح زواجها -يقلن- يتوقف على زوج المستقبل، مشيرات في السياق ذاته إلى أن الفئة أكثر طلبا هي التي تتراوح مابين 18 سنة إلى 30 سنة· يا أختي أنا عييت من هذوا تع أهنا، غير لخداع اختلفت دوافع المستفيدات من خدمات هذه الشبكة من فتاة لأخرى، فهناك من لجأت إليهن نتيجة كبر سنها هروبا من المجتمع الذي لا يرحم المرأة غير المتزوجة والنعوت التي تلحق بها، وأخريات نتيجة فشل علاقتهن العاطفية، في هذا المجال تقول سامية، مهندسة، إنها خلال فترة دراستها الجامعية ربطت علاقة مع زميلها في الكلية ووعدها بالخطبة بعد نهاية الدراسة، لتضيف أنها كانت آمالها معلقة عليه وترفض كل من تقدم لخطبتها بحجة أنها لا تزال تدرس، لتواصل حديثها أنه بعد التخرج اتفقا على موعد الخطبة الذي سيتم خلال شهر على أقصى تقدير، تسكت لحظة لتواصل أنه بعد انقطاع اتصاله بها انتابتها بعض الشكوك لتتصل به، ويتأسف لها متمنيا لها زوجا صالحا لأنه ببساطة -تقول- عقد قرانه ب ''ميفرية''، ومنذ ذلك -تقول- أرفض إقامة أية علاقة قبل الزواج، وهو ما جعل أمي تتصل بخالتي (ز) التي وجدت لها عريسا، وهي متزوجة منذ سنة تقريبا، مؤكدة أنها فضّلت الزواج بشخص يقطن بالوطن والبقاء بجوار أهلها· وحكاية سامية لا تختلف عن ريمة التي قالت إن صديقها يتهرّب في كل مرة تطلب منه خطبتها بحجة أنه غير مستعد لربط علاقة جدية، لتفضّل بذلك ''الميفري'' عليه، وتقول شاءت الأقدار أن أتزوج إلى كندا بواسطة هذه المرأة، وتضيف أنه لو أتيحت الفرصة نفسها لصديقها القديم كان سيفعل الشيء نفسه، ولا يسأل عنها· أما كاهينة التي لا تزال تنتظر ''الميفري'' تقول: ''ياختي أنا عييت من هذوا تع أهنا، غير لاخداع''، لتضيف أنها اشترطت على (ع) أن تعثر لها على زوج ''ميفري''، المهم بالنسبة إليها أن تعيش في أوروبا أو أمريكا، وعن سبب تفضيلها ل ''الميفري'' تقول: ''هنا ليسقسي عليك، يسقسي قبل أشحال تخلصي''، فحسبها أن من تقدموا لخطبتها كان لأجل عملها، وهو ما أثار استياءها، لتضيف أن إبنة خالتها نجحت في حياتها الزوجية في فرنسا وأن (ع) هي من وجدت لها العريس، ولِمَ لا هي، تضيف محدثتنا· وعلى عكسهن، تقول سهام إنها اشترطت أن يكون زوجها جامعي مثلها ولديه عمل، ''وما حاجتها للعيش في ديار الغربة''، مؤكدة أنها سعيدة بزواجها، فكل واحدة منهن تملك حجتها في ذلك· أما حورية فتقول إن سبب لجوئها إلى هؤلاء النسوة يعود إلى النعوت ب ''البايْرة'' وغيرها من النعوت التي لحقتها من طرف أهلها خاصة زوجة أخيها التي لا تتردد في إطلاق العنان للسانها السليط أثناء نشوب خلافات بينهما -تقول- لأنها بلغت سن 38 سنة ولم تتزوج، لتضيف أنها كانت مستعدة لدفع الملايين لتتزوج ويرحمها الجميع، وهو ما كان لها لتقول: ''الحمد الله راني مزوجة ضرك'' بفضل الوساطة· والوضعية نفسها عرفتها العديد من النسوة اللائي حالفهن الحظ وحصلن على زوج المستقبل، مؤكدات أن همّهن إيجاد زوج وليس من الضروري أن يكون ''ميفري''· وفي السياق ذاته، تقول نوال: ''إذا وجدت زوجا صالحا جامعيا ''ووليد فاميليا'' ماذا أطلب أكثر· شهادة ضحية: دفعت 5 آلاف دينار ولم أتحصل على زوج إذا كان الحظ حليف البعض، فإنه خان الكثيرات، حيث تعرّضن إلى النصب من طرف هؤلاء النسوة اللواتي يوهَمهن بإيجاد عريس، وفي السياق ذاته تقول تسعديت، وهي ماكثة بالبيت تبلغ من العمر 35 سنة، إنها قامت بدفع مبلغ 5 آلاف دينار لإحدى هؤلاء النسوة التي وعدتها بإيجاد زوج، ولكن حلمها لم يتحقق، لتقول إن المبلغ الذي دفعته جنته من بيعها للبيض وتربيتها للدواجن، إلا أن ذلك لم يشفع لها، حيث قالت إنها في كل مرة تتصل بالسيدة التي وعدتها إلا أنها تقطع إتصالها، وفي مرات عدة تُسمعها كلاما جارحا وترفض إعادة المبلغ· وحال تسعديت لا يختلف عن إيمان، وهي أستاذة قالت بأن السيدة (ز) وعدتها بإيجاد زوج مثقف جامعي، حيث طلبت منها تقديم صورتها لتأخذها لذلك الشاب، ومنذ ذلك الحين -تقول- لم يظهر عليها أي أثر، وعندما طلبت منها سبب عدم إتمام الاتصال، أجابتها أنه وجد أخرى لتكتشف إيمان أنها حوّلته لامرأة أخرى قدمت لها أكثر من السعر المطلوب، وقد أجمع العديد من الضحايا أن هذه الشبكة تقوم باستغلال بعض النساء خاصة الماكثات بالبيت لسذاجتهن للاحتيال عليهن وإيهامهن بإيجاد زوج المستقبل، ولكن في حقيقة الأمر أنه من تدفع أكثر تحصل على الزوج في أقصر مدة· وفي سياق متصل، أكدت بعض النسوة اللائي كن ضحايا هذه الشبكة، أن هذه الأخيرة أثناء تقديم العروس خاصة في منطقة دلس وضواحيها المعروفين بكرمهم، يقوم أهل العروس بمنح هدايا لأهل الخطيب، فتقوم النسوة بجردهن من كل الهدايا بحجة أنها الوسيطة وهي من تستحق تلك الهدايا، وفي حال رفضت أم العريس منحها تلك الهدايا، تقوم بإبلاغها بأن أهل العروس رفضوا ابنها· فإذا كان العديد نجحوا في إيجاد النصف الآخر بهذه الطريقة، إلا أن الحذر يبقى سيد الموقف·