من ذا الذي ينسى أو يتناسى أن الجزائر ذات يوم كانت كعبة الثوار، أظن إن لم تخني الذاكرة أن قائلها كان أميرال كابران·· كان ذلك في عهد العقيد هواري بومدين، هذا الرجل الذي بدأ مشواره محافظا وانتهى وطنيا ثوريا، هو في حاجة إلى إعادة اعتبار، وإلى قراءة جديدة لنظرته الفلسفية ذات الإرتباط العميق بالسلوك السياسي الذي انتهجه، وانتظرت أن يكون تكريمه على الصعيد الرمزي بمناسبة انعقاد الندوة الدولية الخاصة بالذكرى الخمسين للإعلان الأممي لإستقلال الدول المستعمرة، ألم يكن الهواري بومدين من أبطال المكافحين ضد الإستعمارالكلاسيكي والجديد؟! ألم يضع إمكانات الدولة الجزائرية، ويبذل من جهده الكثير في سبيل استعادة الشعوب لحريتها وكرامتها·· إنني لا أزال أتذكر صورة السفير الفيتنامي بالجزائر عندما وقف خاشعا أمام هواري بومدين وهو يطلب منه الإذن أن يقبّله بدل مصافحته·· يمكن أن نأخذ ربما الكثير على سياسة بومدين الداخلية، لكن لا يمكن أن ننسى لهذا الرجل، وقفته الحازمة تجاه القضية الفلسطينية، ولقد خلّف قولته المشهورة ''مع فلسطين ظالمة أو مظلومة'' ووقفته التاريخية إلى جانب القضية الصحراوية، ووقوفه الشجاع، منقطع النظير في حرب أكتوبر 1973 عندما بعث بصك أبيض للإتحاد السوفياتي حتى لا يخذل مصر في تموينها بالسلاح·· ولا يمكن أن ننسى أيضا أن هذا الرجل، يوم توفي لم يترك من ورائه ثروة·· ولم يترك شيئا يذكر لعائلته·· كان بومدين مثاليا وطوباويا في حبه للجزائر، وفي نضاله ضد الاستعمارات والإمبرياليات التي قادت العالم العربي اليوم إلى انحطاط سياسي وأخلاقي·· ولهذا يا الله، تمنيت أن يكون هذا الرجل بحضور رموز النضال الأفارقة والآسويين الذين قدِموا إلى بلادنا·· تمنيت أن يذكر بخير، أن يقدم كرمز·· لكن الرجل لم يتم ذكره إلا مرة واحدة وبخجل·· صديقي بوعقبة فسّر ذلك بحضور الرئيس الأسبق أحمد بن بلة في القاعة، لكن إن كان الأمر كذلك، فهو بالفعل محزن ومؤلم·· لأن ثقافة الاعتراف هي من صلب ثقافة الرجال والحركات العظمية، وهي من صلب الأخلاق الثورية وأخلاقيات الدبلوماسيات السامية··· وعلى كل، فإن تناسى الرجال فضل الرجال، فالتاريخ لا، ولن ينسى··