أن تكون حياً دون أن تملك وسائل الحياة، أو تحظى بشرف ''الموت'' شهيداً واقفاً، ذلك هو عين الألم الذي يعتصر قلوب القابعين خلف القضبان، أولئك الذين يجوز تسميتهم ب ''الشهداء الأحياء''·· إنهم الأسرى الفلسطينيون الذين يرزحون في زنازين الدولة العبرية· حتما ليسوا مجرد رقم في معادلة عصية التطويع، بل هم ''ثابت'' مركزي في قضية تعصف بها الكثير من المتغيرات، ومهما تعمقت ''التحولات'' أو تكالبت القوى الدولية والإقليمية للإجهاز على ما تبقى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، فإن قضية الأسرى تبقى خارج كل تلك المحاولات لأنها بالدرجة الأولى تتعلق بالمجتمع الإنساني أكثر من تعلقها بأي جهة أخرى، وبالتالي لا ينبغي ولا يجوز حصرها ضمن أجندة ''المقايضات السياسية''· قضية الأسرى ستبقى تؤرق الضمير العالمي، وتهز كل القيم التي قامت عليها حضارة الإنسان الحديث·· فإذا ما كان ''تحرير الأوطان ومقاومة الاحتلال'' حقان أصيلان تكفلهما شريعة المجتمع الدولي فضلا عن شرائع السماء، فإن ''تحرير الإنسان'' ينبغي أن يمثل أولوية الأولويات·· وإنه لمن المعيب حقاً بل من المخزي أن تقف الدول الغربية عاجزة عن التوجه جديا نحو تحرير أطفال (وشباب) ونساء يقبعون لأعوام وعقود خلف قضبان الاحتلال دون وجه حق ودون أدنى حماية إنسانية، ناهيك عن التمتع بالحقوق القانونية والدستورية التي يتبجح بها الغرب لابتزاز الدول العربية فيما لا يتحرك أبدا بذات الخطوات عندما يتعلق الأمر بأكبر دولة تنتهك تلك الحقوق· وفيما ستبقى ''قضية الأسرى'' عاراً على الجبين الإنساني الذي لم تهزه ولم تحرك كيانه جريمة بهذا الحجم (11 ألف أسير)، فإن على ''السلطة الفلسطينية'' وبخاصة على حركة ''فتح''، التي خرجت مؤخرا من المؤتمر التنظيمي السادس بقيادة جديدة، عليها مسؤوليات مضاعفة تجاه ''الأسرى''· وإن تجديد هياكل ''فتح'' وضخ الدماء الشابة في قلب الحركة الأولى في الواقع السياسي الفلسطيني لهو كفيل -في اعتقادنا- بإعادة مركزية ''قضية الأسرى'' في التعاطي مع الدولة العبرية أو مع الوسطاء الدوليين والإقليميين، سيما وأن هناك ''ترسانة'' كاملة من القوانين والمواثيق الدولية التي تدعم وتقوي الموقف الفلسطيني الخاص بالأسرى· ومما لا ينبغي تجاهله حتما في مثل هذا الطرح، هو أن منطق الحديث ينسحب على كل ''الأسرى والمعتقلين'' السياسيين في كل من معتقلات حركة حماس والسلطة·· وهي قضية وإن مثلت ''طارئا / ومتغيرا'' حديثا فرضته حالة الانقسام والتشرذم الذي تعيشه الساحة الفلسطينية - مع شديد الأسف - فإن أولوية حلها ينبغي أن يمثل القناعة الراسخة لدى جميع الأطراف، ليس لأنها تمثل الخطوة الأولى نحو تعزيز الثقة بين الفرقاء الفلسطينيين، بل لأن الجميع يدرك أن ''الاعتقال السياسي'' لا يمكن أن يكون سوى خصما من وعاء النضال الوطني الفلسطيني فضلا عن الأمر - مرة أخرى - يتعلق بجانب إنساني وقانوني·