وصلت ليلى الطرابلسي على متن سيارة تابعة للديوان الملكي إلى قصر الزهور المطل على البحر، وجدت الأميرة ياقوت في انتظارها، رحبت بها وقادتها إلى الصالون الكبير الفاخر حيث كانت نساء الحكام العرب·· سلمت عليهن وجلست إلى جنب مدام سوزان مبارك التي كانت ترتدي لباسا غربيا ويبدو على ملامحها بعض الحزن العميق·· كانت الأميرة ياقوت تتحدث بعربية غليظة ببعض الكلمات الإنجليزية، وكانت تبدو لطيفة ومتعاطفة بشكل خاص مع مدام سوزان مبارك·· كان الخدم يطوفون وهم يسكبون القهوة السعودية لضيفات الأميرة ياقوت·· سألت ليلى سوزان·· ''إيه الأحوال يا مدام؟!'' قالت سوزان ''الحمد لله، الحمد لله·· معنويات زوجي مبارك مرتفعة برغم خيانة الأصدقاء الأمريكان·· إنه مصرّ على المقاومة والصمود إلى آخر رمق يا حبيبتي يا ليلى'' وهنا تدخلت الأميرة ياقوت ''جلالة الملك خادم الحرمين، تأثر كثيرا مما حدث للرئيس زين العابدين، وللريس مبارك·· قال، حرام، ما يحدث لهما·· إنهما قدما لبلديهما الكثير·· وهو عازم على الوقوف إلى جانبهما في هذه الأيام الصعبة··'' قالت روزا زوجة العقيد القذافي·· ''أيضا تأثر زوجي كثيرا لما حدث للزين يا ليلى، ولولا العجالة التي أدار بها الزين أموره، لكانت الأوضاع أفضل بالنسبة للزين·· لقد كان زوجي مستعدا أن يبعث للزين ما يحتاجه من دعم لإسكات أولئك العملاء··'' وقاطعتها رانيا زوجة ملك الأردن ''يا جماعة، ما يحدث هو مخطط كبير يحظى برعاية كبار العالم·· أزواجنا في خطر·· لذا علينا أن نغير تفكيرنا بشكل جذري وحقيقي·· الكبار يبحثون عن مصالحهم في المنطقة، ولولاهم ما وصل رجالنا إلى مثل هذا الوضع السيء·· تصورن·· هل من المعقول أن تنقلب فرنسا وأمريكا بشكل خاص بتلك السرعة على رجال سهروا على مصالحهم في المنطقة ضد الإسلاميين والإرهابيين··· هؤلاء الكبار هم في حاجة الآن إلى أناس جدد يتمكنوا من خلالهم الحفاظ أكثر على مصالحهم···'' وهنا تدخلت روزا ''·· أنا متفقة معك يا أخت رانيا·· هؤلاء الكبار حسب تعبيرك، هم يحتقروننا في أعماقهم·· لا يعرفون سوى مصالحهم·· وللأسف الكثير من رجالنا انطلت عليهم حيلة الكبار وتحولوا إلى مجرد رجال شرطة لهم·· لذا، زوجي انتبه إلى ذلك·· وكان دائما يقول لي إن أمريكا وأوروبا هم أعداؤنا الحقيقيون·· لكن للأسف لم يستمع أحد من حكام العرب إلى زوجي، واعتبروه متهورا·· واليوم·· أنظرن إلى النتيجة··'' تدخلت الأميرة ياقوت قائلة بأدب ''إسمحي لي، يا أخت روزا·· زوجك أيضا كان يتعامل من خلف الستار مع مخابراتهم·· أنت تعرفين جيدا يا أخت روزا، أن لولا الإنجليز واستخباراتهم ما صعد العقيد إلى السلطة·· ولولا تعامله مع الأمريكان ما تركوه لحظة في الحكم·· لنكن صريحات·· أزواجنا أخطأوا·· والعالم تبدّل وتغير·· هم ظلوا يعتمدون على البطانة التي ظلت تنافقهم·· فاحتقروا شعوبهم، وتركوا باب الفساد مفتوحا على مصراعيه·· أزواجنا لم تكن لهم الشجاعة لينظروا إلى المرآة بشجاعة يا جماعة·· وها هم اليوم كلهم مهددون بالإطاحة والمحاكمة·· ربما نحن أيضا مسؤولات على ما يحدث، لأننا شجعنا أزواجنا المضي على الطريق غير الصحيح·· لذا يجب أن يكون لقاؤنا لقاء مصارحة·· أنا لا أعتقد أن هناك مؤامرة·· بل المؤامرة هي نحن، أقصد أزواجنا بشكل أساسي من تسبب فيها، قاطعتها أسماء ''معذرة يا جماعة·· لنكن صريحات·· المشكلة الحقيقية تكمن فينا نحن النساء·· نساء الحكام، لأننا بقين مشجعات لأزواجنا على المضي في طريقهم، وتشجيعهم على تغذية أنانياتهم·· هم أيضا أصبحوا رهائن لمحيطهم وبطانتهم من المنافقين·· ومعظمهم غير قادر على اتخاذ القرارات الشجاعة·· لذا كان علينا أن نقوم بالمبادرة ونستولي نحن على السلطة·· إننا أرحم من رجالنا، وقادرات على إقناع شعوبنا··'' لكن زوجة رئيس اليمن قالت بأنها غير موافقة، وأن مجتمعاتنا بدوية في معظمها وتحتقر النساء·· وأن التفكير في الإنقلاب على الأزواج، سوف يؤدي لا محالة إلى ثورة عارمة وخطيرة·· في تلك اللحظة من النقاش الحامي الوطيس·· دخل الخدم وهم يحملون أطباقا مختلفة ومتنوعة من المأكولات·· ثم انفردت الأميرة ياقوت بمدام سوزان مبارك، وقالت لها بصوت خافت·· للأسف أن تصل الأوضاع في مصر إلى مثل هذه الحالة الخطيرة·· لكن على الريس ألا يكون متعنتا·· عليه أن يجذب الإخوان المسلمين، ويعطيهم ضمانات بأنه سيرحل، وأنه سوف لن ينتقم منهم·· كما عليه أن يفهم أن ساعته انتهت، لكن بالمناورة يمكن له الحفاظ على مصالح العائلة ومصالح جمال وعلاء في مصر·· قالت سوزان ''يا أخت ياقوت، زوجي عنيد·· ولا يريد أن يصدق ما يحدث له الآن·· وحتى أكون معك صريحة، فلقد رفض كل نصائحي، وقال لي وهو يكاد يغمى عليه·· ''إلا أن أرحل هاربا·· عليّ وعلى أعدائي!''·