هل ستكون هذه السنة الغريبة والعجيبة 2011 هي سنة نهاية عصر الثورات الشعبية؟ يبدو لي ذلك·· ففي ظرف شهرين استطاعت الشعوب أن تقتلع ثلاث من أكثر أنظمة التاريخ طغيانا وتجذرا في حياة الناس·· نظام بن علي التونسي اقتلعته الجماهير في ظرف شهر منذ الشرارة النارية التي أشعلها الشهيد محمد البوعزيزي في جسده ومعها أشعل تونس كلها·· ولعلها هي ذاتها النار التي أشعلت ميدان التحرير في القاهرة·· ففي سبع عشرة يوما استطاع الشباب المصري أن يقتلع نظام حسني مبارك المغروس في الجسد المصري منذ أكثر من ثلاثين سنة·· وفي اليمن أيضا يسعى الشباب إلى اقتلاع نظام علي عبدالله الصالح المتجذر في حياة أكثر من جيل يمني·· أما في ليبيا فإن الحكاية أكثر دموية وربما سيكون الليبيون الأسرع في اقتلاع نظام معمر القذافي الغريب والانتهاء منه· وكل المؤشرات تقول إن معظم الأنظمة العربية الباقية ترتعد خوفا من شعبها·· وتنتظر دورها· ثورات التحرير التي عرفها العالم العربي في خمسينيات القرن العشرين انتهت كلها باستقلالات ناقصة·· حيث تحوّل المحررون إلى لصوص ثورات حقيقيين، والحقيقة أن معظم هؤلاء كانوا محاربي الساعة الخامسة والعشرين الذين استولوا على ثورة العمال والفلاحين وحوّلوا مقدرات الشعب وثروته إلى حسابات بنكية لهم ولعائلاتهم·· اليوم العالم تغير كثيرا·· وهذه الأنظمة المريضة والعجوزة لا يمكنها فهم الأجيال الجديدة ولا يمكنها أن تواكب ما يتسارع في العصر·· الثورات الجديدة هذه في تونس ومصر واليمن وليبيا وفي البلاد العربية التي تنتظر وحتى البلاد الإفريقية ستكون آخر الثورات في التاريخ البشري·· وستتحوّل إلى نوستالجيا نكتب حولها الأشعار ونشتاق لرومانسيتها الحالمة· عصر الثورات الجديدة هذا سيكون الأخير في تاريخنا·· وبعده سندخل بُعدا تاريخيا آخر جديد وغامض·· لا نكاد اليوم رسم ملامحه·· لكنه سيكون عصرا جديدا لا مجال فيه للكسل والأمية والجهل والفساد والتسلط·· سيكون عصر الذكاء والعلم والبقاء للأصلح· الشعوب ملت من هذه الأنظمة·· ومن صور الزعماء ومن لغة الخشب ومن الارتجالية في التسيير·· ومن كرامة الإنسان المهدورة في المعتقلات السرية وفي أقسام البوليس·· الشعوب تريد أن تتحرر من كل هذا·· فالأجيال الجديدة لا تفهم الوطنية كما يفهمها الشيوخ المتخرجون من أحزاب الحركات الوطنية زمن الاستعمار·· الأجيال الجديدة لها أفقها الخاص ولها أحلامها الملونة ورغباتها الخاصة·· الأجيال الجديدة تريد أن تسافر وأن تجول العالم حقيقة وليس افتراضا في أزرق الأنترنت· عصر الثورات في أيامه الأخيرة·· والأجيال الجديدة عليها أن تنخرط في شرط العصر الجديد بالعلم والذكاء·