تحول الخطاب، بسرعة خاطفة من حظر جوي على السماء الليبي إلى ضربات جوية ضد كتائب القذافي إلى التهديد بإجراءات إضافية، عسكرية، إلى وابل من المبادرات ذات الطابع السياسي· السؤال: إلى أي حد يكون القذافي طرفا فيها؟ حلفاء التدخل العسكري في ليبيا متفقون على ضرورته ومتفقون على انتقال قيادة العمليات، من الناحية التقنية، إلى حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، ولكنهم بدأوا يتساءلون، هنا وهناك، عن جدوى استمراره بهذه الطريقة· الناطق باسم قيادة الأركان الفرنسية قال: إن العمليات الجوية أصبحت معقدة بسبب صعوبة تحديد الأهداف العسكرية لاختلاط العسكريين بالمدنيين في المدن الليبية· وزير الدفاع الفرنسي قال: ''سلاح الطيران لا يحسم المعارك''· وأضاف: ''إن القرار الأممي 1973 لا يستثني أي خيار من الخيارات''· الأمين العام للأمم المتحدة حذر، ''بأن مجلس الأمن يستطيع اللجوء إلى إجراءات إضافية'' إذا لم يحترم النظام الليبي نص القرار الأممي· ولنلاحظ أن هذه التصريحات بدأت تغيب نوعا آخر من التصريحات تؤكد محدودية الضربات وانحصارها في سلاح الجو، تماما مثلما أن نوعية الضربات تجاوزت مسألة الحظر الجوي إلى المشاركة في المعارك في صف المتمردين· هل هناك شيء جديد يحضّر في اتجاه تدخل بري؟ ومع أن القرار الأممي يمنع ذلك صراحة، إلا أنه لم يغلق هذا الباب نهائيا، ويكفي أن يعود الحلفاء إلى مجلس الأمن طلبا لتأشيرة جديدة· وما الذي يعنيه اتخاذ إجراءات إضافية غير ذلك؟ ومن الدلائل على ذلك كثرة الكلام، في الأيام الأخيرة، عن فشل المعارضة المسلحة في حسم الموقف، واستمرار قوات القذافي في قصف المدن المحررة، وكيف أن القدرة القتالية للعقيد وكأنها لم تتأثر كثيرا من حرمانها من سلاح الطيران· وهذا يعني أن ما وعد به القذافي من حرب طويلة الأمد ممكن التحقق· إلا أن التدخل البري قد يتخذ صورة أخرى تتمثل في تزويد المتمردين بمجموعة من الخبراء الفرنسيين والبريطانيين، تتولى قيادة العمليات، وتزويد المتمردين بالأسلحة· وهي صورة ممكنة التنفيذ ولا تحتاج إلى قرار أممي جديد، وتجنب الحلفاء معارضة الرأي العام العربي والإسلامي، ومعارضة مجموعة من الدول الفاعلة مثل روسيا والصين·· ويقدر بعض المحللين أن عمليات تزويد المقاتلين بالسلاح قد انطلقت منذ مدة، وذهب الفرنسي بيرنار هنري ليفي إلى أن المصريين قاموا فعلا بمد ''إخوانهم الليبيين بالسلاح'' على حد تعبيره· وتشير أخبار أخرى إلى شيء مماثل يقوم به السودانيون· وقد يفعل التونسيون الشيء نفسه·· إلخ ولكن، مرة أخرى، فإن نسبة نجاح ''هذه الصيغة''، (تدخل بري غير مباشر) قد لا تنهي المعركة لصالح الثورة، فإذا أضفنا إليها تجربة الأمريكيين مع العراق وأفغانستان، نكون قد اقتربنا من فهم تصريح الأميرال الأمريكي سامويل لوكلير، قائد عمليات الحلفاء: يمكن أن يكون المخرج من الأزمة غير عسكري''· يشبه هذا ما انتهى إليه الكثير من القادة العسكريين الأمريكيين بشأن الحرب في أفغانستان وهم يعبرون عن ضرورة البحث عن مخرج سياسي للأزمة· ومن جهتها أكدت كاتبة الدولة الأمريكية، هيلاري كلنتون، نهاية الأسبوع الماضي، ''أن مقربين من القذافي اتصلوا بالحلفاء للبحث عن مخرج للأزمة''· ونفتح قوسا لنلاحظ أن أهم سؤال لا تزال الصحافة الغربية، والفرنسية بالخصوص، تطرحه يتعلق بمصير القذافي وهل الهدف من التدخل العسكري إنما هو إبعاد القذافي أو حمله على وقف إطلاق النار واحترام القرار الأممي؟ وهو سؤال لم تجد له الصحافة، إلى حد الآن جوابا صريحا ومجمعا عليه· الفرنسيون يقولون: هدفنا حماية المدنيين ودعم الثوار، والقذافي لم يعد صالحا لحكم البلاد، ولكنهم لا يقولون إن الهدف هو طرده من الحكم· ونتذكر أن ساركوزي قال، يوم إعلانه عن بداية الضربات، مباشرة بعد قمة باريس: ''ليس هناك ما يمنع إعادة فتح أبواب الديبلوماسية··'' ويحاول الأمريكيون إفهامنا بأن قولهم: على القذافي أن يرحل يختلف عن ضرورة ترحيله بالقوة· وما نفهمه نحن، من كل هذه الطبخة المعقدة، أن باب المفاوضات لم يغلق تماما، وأن ما يبدو خلافا خفيا بين الفرنسيين والأمريكيين، إنما هو تبادل للأدوار فقط· ومثلما جاءت المبادرة العسكرية من فرنسا وبريطانيا ها هو نيكولا ساركوزي يعلن أن فرنسا وبريطانيا بصدد تحضير مبادرة سياسية بشأن ليبيا، وقال: إن ذلك دليل على أننا لم نفكر فقط في الحل العسكري· وتأتي هذه المبادرة في وقت بدأ يكثر فيها الحديث عن انقلاب الأدوار بين أكلة الهومبورغر وقد تحولوا إلى حمائم، وبين أكلة الجبن وقد تحولوا إلى صقور، حتى أن موازنة درجة قرب الأمريكيين والفرنسيين من الموقف الروسي لا تجعلنا نتردد في الإجابة بأن الأمريكيين أقرب إلى الروس· فقد أعلنوا عن نيتهم في تقليص مساهمتهم العسكرية واستقبلوا الوزير الروسي للخارجية لطمأنته بأن الضربات لا تستهدف المدنيين وأنها تحترم القرار الأممي· ولا يبقى لهم سوى إعلان موافقتهم على ضرورة مباشرة مفاوضات، كما دعا إلى ذلك سارجي لافروف· وإلى جانب ما يقوم به الإتحاد الإفريقي (اجتماع أديس أبابا وقرار إرسال بعثة إلى ليبيا)، الرافض للتدخل العسكري، فإن هناك حراكا سياسيا لم تتبين ملامحه بعد، ويبدو أن للزيارة التي قام بها الوزير الروسي للجزائر ومصر علاقة بذلك· وقد سمعنا معارضا ليبيا يؤكد أن أحد أبناء القذافي سافر، في نهاية الأسبوع، إلى الجزائر لبحث وسائل مخرج من الأزمة· ويجب بطبيعة الحال، التحرز من مثل هذه الأخبار، ولكن مجرد الشائعات تنبىء بشيء ما، سنتبينه في الأيام القادمة· ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن الجهود الروسية أو التركية أو غيرها ترمي إلى إنقاذ نظام القذافي ولكنها تبحث عن طرق لمنع صوملة ليبيا، كما قال رئيس الوزراء التركي: ''أتمنى ممن لا يرون سوى النفط ومناجم الذهب أن ينظروا للمنطقة من خلال الضمير، اعتبارا من الآن··''·