عندما تعود السكينة إلى ''البهجة'' ويعود أهلها إلى سكناتهم بأحياء راقية وأخرى متواضعة بمناطق مختلفة، ويلتف الجميع حول موائد العشاء وآخرون لمتابعة مستجدات ثورات الربيع العربي عبر الفضائيات، وبعضهم لقضاء سهرات طويلة في خيمات سيدي يحيى ومطاعم دالي إبراهيم، يخرج العشرات من شباب تتراوح أعمارهم بين 16 و45 سنة بحي ''مناخ فرنسا'' التابع لبلدية وادي قريش، يتحلقون جماعات أسفل العمارات أو بالحي الاستعماري، حتى يخلد ذووهم إلى النوم، علهم يعثرون على مكان داخل شققهم البسيطة للنوم لبضع ساعات·· لقد كانت أحداث حي ''مناخ فرنسا'' (كليما دوفرانس) سببا رئيسيا في تقربنا من سكانه ومحاولة معرفة أسباب ثورتهم، وما الذي دفعهم إلى بناء ''براكات'' متواضعة محاذية للعمارات الاستعمارية التي أنجزت ضمن مشروع ديغول أو ما يعرف بمشروع ''قسنطينة'' عام ,1957 وهو حي أنجز لامتصاص غضب الجزائريين في تلك الفترة وقطع العلاقة بين الثوار والمواطنين بالعاصمة الذين قبلوا بالسكنات، غير أنهم التحقوا فعلا بالثورة· عايش بطناش وزيد واحد هو ليس عنوان فيلم جزائري أو اقتباس من فيلم ''عايش ب ''12 الذي طبع سنوات الثمانينات بالجزائر، إنما هو واقع معيش بحي ''كليما دوفرانس''.. السيدة ''باية'' تعيش بهذا الحي منذ دخلته عروسا سنة ,1964 وفيه عاشت رفقة زوجها وثمانية من أبنائها وأحفادها وأم زوجها، ليصبح عددهم في شقة من غرفتين 13 شخصا· هي شقة تفتقد لحمام، بعدما أصبح أفراد العائلة يقضون حاجاتهم في حمام مشترك مع بعض الجيران، وتحولت شرفة المنزل إلى غرفة صغيرة، وتم إنجاز بيت متواضع في سطح العمارة، إلى جانب بيوت أخرى تكاثرت كالفطريات، علها تمكن من تقليص عدد أفراد العائلة· تقول ''باية'' أن ابنها المتزوج أصبح يستغل إحدى غرف الشقة بعد زواجه، ولحسن الحظ أنها قامت بتزويج ثلاث من بناتها ما خفف نوعا ما الضغط، في حيث أن بعض أطفالها ينامون في الرواق الضيق للشقة· ولما سألناها إذا استفادت من عملية إعادة إسكان أو عمليات توزيع السكن المختلفة التي جرت بالعاصمة ردت علينا: ''بوه··· من فمك لربي، يا ريت يتفكرونا كاش يوم''· عائلة قاضية تعيش بأحد أقبية الحي في حي ''مناخ فرنسا''، وبسبب أزمة السكن الخانقة.. فإن حتى أقبية العمارات يقطنها السكان، بعد أن حولوها إلى شقق بسيطة لا تصلها أشعة الشمس، تعيش فيها عائلات كثيرة· وكانت المفاجأة عندما التقينا بعائلة ''محمد'' وهو شاب في العشرين من العمر حيث طلب منا أن نزور الشقة التي يقطن فيها رفقة أفراد عائلته الثلاث، في شقة بغرفتين أيضا، اثنان من الإخوة متزوجان، أما الرابعة، وهي قاضية معروفة بإحدى محاكم العاصمة، ولحسن الحظ أنها متزوجة، وقد غادرت المنزل منذ فترة· يؤكد ''محمد'' أنه بالرغم من الطلبات الكثيرة التي تقدموا بها إلى السلطات المحلية إلا أنها مازالت في قوائم الانتظار· ويؤكد محدثنا أنه ليس فقط أخته من مثقفات الحي أو من المتعلمين، فالحي تخرج منه العشرات من الأشخاص الذين يتولون مهام كبيرة في الدولة وآخرون أصبحوا مسؤولين في هيئات عمومية معروفة· وبالقرب من هذه الشقة وجدنا ''حكيم'' البالغ من العمر 30 سنة، يقطن بشقة من ثلاث غرف رفقة عشرة من أفراد عائلته· يؤكد ''حكيم'' أن عائلته محظوظة مقارنة بعائلات أخرى التي تقطن في شقق من غرفتين· الفندق وجهة للكثير من الأزواج بحثا عن الحميمية يؤكد ''أحمد'' وهو شاب متزوج، يبلغ من العمر 34 سنة، أنه يضطر في كثير من الأحيان للتوجه إلى الفندق من أجل الاستمتاع بحياته الحميمية، بكل حرية مع زوجته، وفي كثير من الأحيان يفضل قضاء بضعة أيام عند أصهاره في زرالدة، عله يتمكن من خلوة مع زوجته، ويضيف أنه يفضل فترة خطوبته على الحياة التي يعيشها الآن، ففي السابق كانت تتاح له فرص الالتقاء بزوجته· أما ''مصطفى'' الذي يعيش رفقة ثمانية من أفراد عائلته في غرفتين، فيؤكد أن أفضل الأيام عنده هي أيام العطل إذ يجد متنفسا من خلال التوجه إلى مسقط رأس والديه بإحدى قرى ولاية تيزي وزو، حيث يملكون سكنا متواضعا، ولحسن حظه -أيضا- أنه يملك سيارة، تمكنه من التوجه إلى هناك وتوفر له أوقاتا حميمية مع زوجته· ويؤكد ''مصطفى'' أن الحياة بهذا الحي الكولونيالي بائسة، غير أنه لا حياة لمن تنادي: ''فالسلطات لا ترانا ولا تزورنا إلا في فترتين، الأولى أثناء الحملات الانتخابية، والثانية خلال أعمال الشغب والمواجهات مع قوات الأمن، التي تزرنا بالقنابل المسيلة للدموع والدروع الأمنية''· ''كليما دوفرانس''·· إسم قديم لقنبلة موقوتة يقطن هذا الحي الاستعماري المنجز سنة ,1957 أكثر من 15 ألف شخص، حسب كبار السن ممن قضوا أعمارهم به، في وقت فضل الكثير منهم العودة إلى مسقط رأس أجدادهم ببلاد القبائل أو تيارت وبومرداس·· فقد أصبح هذا الحي، إلى جانب تحوله إلى إحدى بؤر البؤس الاجتماعي في البلاد مرتعا حقيقيا لتنامي بعض الظواهر الاجتماعية السيئة، إذ أن الحي عبارة عن تجمع لتنامي الآفات الاجتماعية، كعصابات السرقة وقطاع الطرق، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات، فأغلب شباب الحي يتعاطون المخدرات (الزطلة) أمام مرأى الجميع، مراهقون في ال 14 سنة من العمر يعرفون مختلف أنواع ''الزطلة'' والحبوب المهلوسة ك ''الزرقه'' و''الحمرا'' وغيرها من الأسماء الأخرى التي يتفننون في تسميتها وتصنيف مختلف أنواع الحبوب المهلوسة المهربة، لكن ما يشد الانتباه هو تفنن الشباب في تسريحات الشعر وكذا الألبسة الفاخرة التي يرتدونها، فالشباب بهذا الحي الاستعماري لا يرتدون إلا ''الماركات'' مثل ''سرجيو تاكيني'' و''بيما'' و''أديداس''· ويؤكد أغلب الذين التقيناهم، وهم ملتفون حول طاولات الدومينو، أنهم يأملون أن يتم التكفل بهم والاستفادة من عمليات إعادة الإسكان التي تقوم بها السلطات العمومية، غير أنهم يهددون بالثورة في حال التماطل، مؤكدين أنهم تلقوا فعلا وعودا بالترحيل، على غرار سكان حي ديار الشمس، وما بأكتوبر ببعيد عنهم، يؤكد أغلب من حاورناهم بهذا الحي الاستعماري· ونحن نغادر حي ''كليما دوفرانس''، رسخ في أذهاننا أن السلطات أمام قنبلة موقوتة -فعلا- قابلة للانفجار في أية لحظة، إذا لم تتحرك لإيجاد حلول عاجلة لها، فهناك شباب محرومون من النوم، وآخرون يفضلون البقاء إلى ساعة متأخرة من الليل والخلود إلى النوم متى نام أغلب أفراد العائلة، وآخرون يضطرون للتوجه إلى المرشات العمومية بسبب غياب حمامات بالشقق التي يقطنونها، فيما يبقى آخرون مستيقظين طوال الليل ويفضلون النوم في النهار ليتحولوا إلى ما يشبه الخفافيش· مراد محامد المفضلة إرسال إلى صديق المشاهدات: 246 التعليقات (0) إظهار/إخفاء التعليقات إظهار/إخفاء صندوق مربع التعليقات أضف تعليق الإسم البريد الإلكتروني