الثورة لم تنته في مصر وتونس· لا يمثل رحيل مبارك وبن علي إلا مرحلة من المراحل، لعلها تكون هي الأسهل على الإطلاق· هذا ما بدأ المصريون والتونسيون يكتشفونه ويعترفون به، وبمرارة كبيرة· اكشتف المصريون أنهم سلموا ثورتهم، في يسر وسذاجة، إلى مجموعة من الجنرالات، خدموا تحت لواء النظام البائد، لسنوات عديدة، وتحت قيادة ماريشال طاعن في السن خدم النظام وخدمه النظام لأكثر من عشرين سنة، تماما كما تسلم حظيرة خرفان إلى مجموعة ذئاب جائعة· وفي غمرة النشوة الثورية نسيت جماهير التحرير صرخة ذلك الرائد المتمرد وهو يقول: إن حسين طنطاوي لا يختلف عن حسني مبارك، وأن الثورة قامت ضده بالقدر نفسه التي قامت به ضد حسني مبارك ورموز الحزب الوطني الحاكم·· وسمعنا أحد أشهر منشطي التلفزيون المصري يتوسل إلى القيادة العسكرية أن تخفف العقوبة عن الرائد سيء الحظ وأصحابه ممن كانوا يعتقدون أن الوعي الثوري تجاوز كل حدود التنازلات والتحالفات الظرفية· والذي حدث أن الثورة توقفت عند الجيش: خوفا من قوته أولا، وإيمانا بشعبيته، ثانيا، وتسليما بذكائه: كان قادرا على الوصول إلى إجهاض الثورة بالقوة ولكنه لم يفعل بل قال صراحة أنه جاء لحماية الشعب·· وبعد أن استلم السلطة بطريقة غامضة طلع قائد القوات الجوية على التلفزيون ليقرأ أحد بياناته ويلقي بالتحية العسكرية الرسمية أمام أرواح شهداء الثورة·· وقد أدت تلك اللقطة وحدها ما لم تؤده قوة البوليس وتهديدات البلطجية في تهدئة النفوس وطمأنتها·· وأكثر من ذلك أن القيادة العسكرية اعتذرت عن عمليات القمع التي أعقبت رحيل حسني مبارك·· وبعد استفتاء تعديل الدستور جاءت مسألة الإعلان الدستوري، وبدأ المصريون يتساءلون: ما الداعي إلى إعلان دستوري وقد قال الشعب كلمته؟ وبدأت المعارضة تتكلم عن الثورة المضادة وعن دور الجيش في الإشراف عليها، وبدأت الدعوات تنهال، من هنا ومن هناك، للعودة إلى ميدان التحرير ولكن هذه المرة، من أجل حماية الثورة·· من سلطة الجيش ومشاريعه السياسية·· وفي تونس رحل الرئيس وبقي أباطرة النظام يصرون على أن التغيير لن يكون إلا من خلالهم·· وذهب الغنوشي ليأتي بعده شيخ آخر طاعن في السن، هو أيضا، ومن أوائل ما أعلن عنه ضرورة استعادة الأمن والاستقرار، عن طريق إعادة تنظيم قدرة الدولة على القمع والإرهاب، وكانت البداية من شوارع العاصمة حيث يعتصم الثوار· وعادت تونس يلفها ضباب القنابل المسيلة للدموع·· وأما الخطوة الثانية فنعتقد أنها ستتجه نحو إعادة النظر في نسبة الحرية التي أعطتها الصحافة لنفسها، وأما الخطوة الثالثة فستكون في اتجاه الحياة الحزبية والسياسية·· لا مكان للحزب الفلاني ولا مكان للحزب العلاني·· ولا مكان لزيد وعمرو في المجلس الذي يسمونه تأسيسيا·· الدستور الجديد يجب أن يكون على مقاس قايد السبسي وفؤاد لمبزع·· سكان قرطاج الجدد·