يحقق المخرج المغربي شكيب هشام بالعمل المسرحي الجديد ''أكلة لحوم البشر''، المنتج من طرف المسرح الوطني الجزائري، لهذه السنة، أول تجربة له في مجال التعاون الثنائي الجزائري المغربي· وقد استعان شكيب إضافة إلى اللغة العربية الفصحى، بالعامية الجزائرية، ليصل قلوب المتفرجين، متخذا من أغنية الهاشمي قروابي ''قولوا للناس'' المطية المثالية، ليقول قرار بطله باعتزال العالم والانقطاع عن التواصل مع الناس، عندما اختلطت لديه القيم والمفاهيم· بداية، كيف كانت تجربتك رفقة الممثل الجزائري سفيان عطية في ''أكلة لحوم البشر''؟ تعد المسرحية أول تعاون لي في إطار العمل المشترك بين الجزائر والمغرب، لهذا وصفت هذا الإنتاج بجسر المحبة بين البلدين، على المستوى الثقافي والإنساني· أما الاشتغال مع عطية، في حد ذاته، فهو فرصة فريدة من نوعها· كيف تم الاتفاق على موضوع المسرحية، واختيار ممدوح عدوان كنص مرجعي في العمل؟ المونولوغ هو نتاج دعوة كريمة من المسرح الوطني الجزائري، وبتحفيز شخصي من مديره محمد بن قطاف، الذي اقترح عملا مع سفيان عطية، وهو العرض الذي قبلته دون تردد، وانطلقت فيه رفقة الممثل الجزائري الشاب، الذي اكتشفت فيه طاقة كبيرة، وشعورا بالمسؤولية، وقابلية للتعاون والمساهمة في فهم الموضوع وإثرائه، سفيان ممثل قوي فوق الخشبة، مؤهلاته الفنية لا حدود لها، اكتشفتها لأول مرة منذ ثلاثة سنوات، أثناء إشرافي على ورشات إخراج، بينت وجود ممثلين يمكن للجزائر الاتكال عليهم مستقبلا· نص ممدوح عدوان رغم البساطة التي يظهر بها في الوهلة إلا أنه معقد وصعب، كيف نقلت النص إلى الخشبة؟ منذ قرأت نص عدوان انجذبت إليه من الوهلة الأولى، وانفعلت بمضمونه الذي يتحدث عن مشكلة الإنسان في المجتمعات العربية، وعلاقته بالآخر، وكيف يجد الفرد العربي راحته وسط المجموعة التي ينتمي إليها· النص يبرز حالة الصراع المرير والمتواصل الذي يحياه هذا الفرد، ما يدخله في حالة هوس حقيقي، صراع بين المتناقضات، الخير والشر، الأبيض والأسود، بين ذاته والآخر، حتى يجد لنفسه مكانة في هذه الإنسانية المتعارضة· كانت لك خيارات إخراجية في هذا العمل، بين النور والضوء، الأسود والأحمر، ولكن أيضا في الحيز الممنوح للشخصية المريضة، فجاءت حركته بطيئة ومحصورة في إطار محدد؟ هذا بالضبط ما فكرت فيه أثناء الإخراج، حالة الضيق التي اشعرتي بها كمتفرجة هي نتاج الحالة المرضية للشخصية، المحصورة في أفكار تتزاحم في رأسه فقط، ما يخلق حالة هستيريا وتخيلات، تحول دون تمكنه من بلوغ الآخر، والانخراط في الحياة الاجتماعية· لماذا لم تترك للجنون مساحة أكبر لينفجر، كان يمكن للشخصية أن تحتل كل أرجاء الخشبة، لتصرخ هوسها؟ لحظة الانفجار كانت فقط عندما يذهب إلى جهة الميكرفون في الزاوية اليمنى للخشبة، الميكروفون كان الانفتاح الوحيد لذلك الرجل، النافذة الوحيدة للتحدث مع العالم الخارجي، فهو كان عاجزا عن الاتصال، لم يتخلص من الجدار القائم برأسه، مثله مثل غيره من البشر المتقوقعون على أنفسهم· لهذا أدخلت الميكروفون كعامل بديل يلجأ إليه المجنون ليطل إلى الآخر· في لحظة معينة شعرنا كمتفرجين ببطء وثقل في أداء الممثل، هل شعرت بذلك كمخرج؟ لا لم أشعر بذلك، لأنه بطء مقصود ومتعمد· هو انعكاس للبطء القابع برأسه، وكان علينا أن نترجمه ركحيا من خلال حركته على الخشبة، طريقة مشيه، نظراته، كلامه، ولباسه وغيرها من السلوكات التي قام بها· جانب من الجمهور رأى أن البدلة الكلاسيكية التي كان يرتديها المجنون، لم تكن ملائمة جدا للموقف، كانت رسمية أكثر من اللزوم؟ بالعكس، لم نشء الوقوع في كليشهات المجنون المتعارف عليه، لأن المجنون قد يكون حسن المظهر يسير وسط الجميع، لكنه مريض نفسيا·· لماذا علي أن أقدم المجنون دائما في رداء رث وممزق من كل ناحية؟ لا أريد الدخول في متاهات لا علاقة لها بالشخصية· سؤال حول اللغة العربية الفصحى المستعملة في المونولوغ، ما الدافع لاستعمالها؟ هي لغة جميلة وتحد أجمل، هو أول مونودراما تلعب بالعربية الفصحى· لم أستعمل الدارجةئالجزائرية لإغواء الجمهور، وإنما هي مسافة فاصلة أحدثتها، ليشعر المتفرج بأن الشخصية موجودةئ في الجزائر· هذا أمر شائع في العمل المسرحي، حينما نترك الممثل يخرج عن النص ثم يعود إليه· أحب الاشتغال على المتعارضات· أدخلت أغنية الراحل الهاشمي قروابي، ما مبرر لجوئك إليها وبماذا أفادتك في المسرحية؟ قروابي أستاذ كبير في الفن والموسيقى، ننحني له بالإجلال، وهو يفيدنا في كل حالاتنا الحياتية، فما بالك في المسرح·· كلمات الأغنية تقول ''قولوا للناس، خذيت موقفي خلاص··''، ئوبالتالي هي تعبر عن وضع الشخصية، وقرارها باعتزال الناس، والابتعاد عنهم، عدم الاتصال بهم· نهاية المسرحية جاءت بقرار أعلنه الممثل، حينما قال أنه من الآن فصاعدا سيوجه المأكولين من ذرف أكلة لحوم البشر ويثيرهم على المعتدين عليهم، هل هي كناية على ثورة الشارع العربي على حكامه؟ تقريبا، ويجوز أن نسقط مضمون المسرحية على ما يحدث في العالم العربي من ثورات ورفض، على اعتبار أن كل عمل مفتوح على كل التأويلات كما يقول أبيرتو إيكو· متى تعرض المسرحية في المغرب؟ لم نحدد التوقيت بالضبط، لكن أؤكد أن العمل سيعرض على الخشبة المغربية شهر ديسمبر المقبل· أنا بصدد التفاوض مع المسرح الوطني المغربي، لضبط الموعد لتمكين المغاربة من مشاهدة ثمرة التعاون الثنائي بين البلدين· وفي الجزائر، ماذا خطط ل ''أكلة لحوم البشر''؟ في أجندة المسرحية حوالي أربعين (40) عرضا عبر مختلف ولايات الجزائر· كما أعتزم برمجة عروض بفرنسا حيث أقيم· مشاريع شكيب هشام المنتظرة؟ تنتظرني مشاريع كثيرة بصراحة، سواء بالمغرب أو بفرنسا· وفي القريب العاجل أنطلق في مسرحية جديدة بمدينة وجدة، عنوانها ''جلسة'' كتبها الرئيس التشيكيئ فاكلاف هافل سأعرضها بالجزائر في 27 أكتوبر الجاري· علما أنني سأشارك في فعاليات المهرجان الدولي للمسرح بمدينة بجاية في 20 أكتوبر، وسأشرف على ورشة الإخراج·