في البداية لابد أن أوجه شكرا خاصا إلى الجامعي المتميز، صديق الأثر، الدكتور عبد الحكيم صايم، أولا على مقاله الذي ستطالعونه على صفحات دفترنا الأدبي، اليوم، حول الفيلسوفة ''أميرة حلمي مطر''، وثانيا على أنه رجل كتب عن امرأة دون أن تكون المناسبة ''عيد المرأة'' أو غيرها من المناسبات الاعتيادية التي تصبح بفعل الزمن مفرغة من أي معنى، وإنما ما كتبه احتراما وتقديرا لانجازاتها العلمية وتنقيبها المعرفي ''لإعادة الاعتبار للفكر الجمالي'' بصفتها مختصة في مادة علم الجمال، وهذا لعمري ينم عن ذوق كبير من الرجل· الأمر الثالث الذي أريد أن أوجه شكري للأستاذ صايم حوله، هو أنه بمقاله سمح لي باسترجاع صور رائعة، صور حميمة، لطالما شكلت بالنسبة إلي مرجعا حول المرأة وعلاقتها بعالم الابتكار، الأفكار، الانجاز والمعرفة·· وأنا أستحضر صورة أميرة حلمي، ظهر أمامي فجأة وجهان لا يمكن أن أنساهما أبدا، الاشتراكية البولونية روزا لوكسمبورغ، والتشكيلية المكسيكية فريدا كالو أو ''كاهلو''، وإن كان جميع هؤلاء النسوة ينتمين إلى مدارس ومعارف مختلفة، إلا أنهن يجتمعن في نقاط أساسية، أهمها أنهن بجنون ونزق تخلصن من تعويذة الجسد التي تعيق الكثير من النساء وتجعل منهن مجرد ''عبدات'' لحمرة الشفاه والفساتين الحريرية وماركات العطور العالمية وحقائب شنال وديور·· وغيرها، والحقيقة أنا هنا لست ضد هذا النمط المعتز بأنوثته لدرجة المغالاة، وإنما ضد تلك الصورة المنمطة للأنثى التي يجب أن تتراوح حياتها بين الحلاقة وخياطة الفساتين وانتظار أزهار عيد الحب وعيد المرأة وعيد·· المرأة منارة حقيقية يمكنها أن تمنح الوهج والنور إلى المنظومة الاجتماعية والإنسانية التي تنتمي إليها إذا ما أدركت تلك القوة التي تجعل منها محركا أساسيا في نسقه، بالنظر إلى أنها كائن يمتلك حريته بالفطرة وليس بالمقارنة بغيره من الأجناس، ما عليها فقط أن تجيد الوصول إلى ذلك· لا أعتقد أن روزا لكسمبورغ وهي تجعل من البروليتاريا همها وعقيدتها، أو وهي تقف ندا إلى لينين كانت رجلا أو حتى كائنا آخر، كانت هي روزا أنثى، لكن أنثى تعرف كيف تمتلك قوتها وتحولها إلى طاقة منتجة، تكتب وتتحدث وتفكر في الثورة، والأمر نفسه بالنسبة إلى الشيوعية المكسيكية الرائعة فريدا كالو، التي حولت ألمها ومعاناتها إلى مدرسة فنية خالدة و''بواقعية قذرة'' جعلت من وجهها تعويذة ومن ألمها ريشة عبرت عن نزقها وجنونها، شخصيا كلما نظرت إلى لوحاتها، الموجود بعضها اليوم في الأثر، أجد أن الذي ينبع منها ليس القبح الذي كانت تتحسسه في مرآة السطح وإنما طاقة الألم والعذاب التي لازمتها، وهي نفس الطاقة التي تسري في جسدي وعقلي كلما تذكرت كيف قتل الألمان روزا لوكسمبورغ التي ظلت خالدة رغم ''جسدها الأنثوي''؟