عرفه الناس برواية وحيدة هي ''سحر أسود'' التي صدرت في أربع طبعات متتالية، بدءا من منشورات ميريت ووصولا إلى منشورات ''الدار''، وفازت الرواية نفسها بجائزة نجيب ساويريس للأدب المصري، وكان صاحبها ضمن الفائزين بجوائز ''بيروت .''39 إنه الروائي حمدي الجزار الذي حاورناه بخصوص تجربته الأدبية، كما حاورناه في الهم السياسي المصري، وهو الذي كتب عن ثورة 25 يناير تجربته القصصية ''ثورتنا·· قصص في حجم الكفين''· كتبت القصة القصيرة والرواية، وجربت أنواعا أخرى من التعبير منها الشعر والصورة التلفزيونية، أين وجدت نفسك أكثر؟ بالنسبة للشعر، أنا لست شاعرا، مع أني حاولت ذلك في بداياتي· لكن القصة التي قرأتها منذ قليل فيها شعرية؟ هذه تجربة خاصة بعنوان ''ثورتنا·· قصص بحجم الكف''، هي عبارة عن مجلد قصصي كبير، يرصد أحداث الثورة المصرية، لكن بشكل fiction، قصص متخيلة وليست تسجيلية، نشرت منها العديد من التجارب في الصحف المصرية والعربية وترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية، وإن شاء الله سأنتهي من كتابة المجلد الأول من هذه التجربة نهاية هذه السنة ليطبع في السنة القادمة، وهذا هو مشروعي الذي أعمل عليه في الوقت الحالي· لقد بدأت الاشتغال على هذا المشروع مع بداية الثورة، كتبت أولا مقالا عن الثورة نشر في 5 فبراير (فيفري) قبل تنحي الرئيس المخلوع، ثم اشتغلت على الوصول إلى شكل أدبي خاص من شأنه التعبير عن اللحظة الراهنة في مصر ونضج المشروع تحت مسمى ''قصص في حجم الكفّين''، قصص قصيرة شديدة القصر ترصد لحظات متتالية في عمر الثورة المصرية، واطلعت من أجل إنجازها على التحقيقات التي أجريت حول الثورة وعلى شهادات الكثير من المشاركين فيها، وعلى مادة غزيرة من الفيديو كليب المنشورة على اليوتيوب والتلفزيونات وعلى الفوتوغرافيا الغزيرة، وأخيرا بدأت أشتغل أدبيا على كل تلك المواد· وفي إطار مجلة ''الكتابة الأخرى'' أصدرنا عددا عن الثورة نشر في شهر مارس الماضي، وبدأت أوالي نشر القصص وقد استمعت إلى إحداها منذ قليل· كيف كتبت مع الثورة قبل سقوط مبارك وأنت تشتغل في تلفزيون حكومي (قناة النيل للثقافية)؟ لقد كتبت قبل ذلك روايتي ''سحر أسود'' عن التلفزيون المصري والقارئ لها سيجد نقدا شديدا لنظام الميديا عموما كمفهوم فلسفي والميديا في مصر كحالة خاصة وبإمكانه (القارئ) اكتشاف إلى أي حد محاولا الصدق في تصوير حالة المصور التلفزيوني الذي كان طموحه أن يبدع في السينما ثم يقضى على هذا الأمل في ظل نظام لا يشجع على الإبداع بل يحاربه ويضع في طريقه العقبات· ومن وجهة نظر هذا المصور التلفزيوني وصفت عالم الميديا، عالم التلفزيون المصري، مستندا على خبرتي الشخصية وعملي فيها، ومستندا أيضا على دراستي الفلسفية لجماليات الميديا، كنت أعد ماجستير عن فالتر بنجامين وجماليات الصورة واستفدت كثيرا منها، يمكن أن ترى في هذه الرواية صورة لحياة أحد صنّاع الميديا، أحد صنّاع الصورة· من هذا المنطلق، هل يمكن القول إن راوية ''سحر أسود'' فيها شيء من السيرة الذاتية؟ مصادر كتابتي متعددة، إحداها وأعتقد إنه من الطبيعي، أقرب شخص تفكر في سيرته وتستلهم منها هو نفسك، فهذا الشخص هو الذي تعرفه أكثر من الآخرين، هو الذي تقضي معه وقتا أكبر· والخبرة الخاصة بالنسبة للكاتب والفنان هي مصدر إلهام رئيسي، فأنت أمام صفحة بيضاء لا بد أن تحضر حياتك كما الشخصيات التي قابلتها وتحضر طفولتك وصباك ومراهقتك والناس الذين أحببتهم والناس الذين لم تصنع معهم علاقة· لكني لا أكتب رواية السيرة الذاتية، استفيد من حياتي وخبرتي الخاصة لكني لا أكتب سيرة ذاتية· السيرة الذاتية في فهمي تتوخى إظهار الحقيقة، الإخبار عن الواقع، بينما الرواية كعمل أدبي هي متخلية، لم تحدث في الواقع، وأنا أمزج بين الأمرين في عملي، أمزج بين الواقع والحياة الشخصية وما أسميه الواقع الفني، ما يفرضه فن الرواية كفن، ومن الواقع الحقيقي والواقع الفني يخلق واقع خاص هو واقع الفن الروائي· ونحن على بعد أشهر من نجاح الثورة في إسقاط رأس النظام المصري، هل يمكن القول ببروز اتجاه يمكن أن نسميه ''أدب الثورة'' أم أن الأمر سابق لأوانه؟ أعتقد أن هناك محاولات عديدة من الكتّاب المصريين للتعبير عن الثورة المصرية، بدأت بالشهادات القصيرة مثلما أشرت إليه ضمن الحديث عن ''الكتابة الأخرى''، كما صدرت مجموعة من الكتب أهمها شهادة إبراهيم عبد المجيد ''لكل أرض ميلاد''، كما أصدر عبد الرحمن يوسف كتابا في هذا الإطار، وهناك أيضا الصحفي محمد الشماع وكتب أخرى صدرت عن دار أخبار اليوم· كل هذه الكتب مهمة جدا لكنها أقرب إلى الشهادة· وهناك ملاحظة شديدة الأهمية، فبجوار الشهادات التي كتبها الشباب واطلعت على آلاف الصفحات منها، كلها مهمة، لكنها مهمة كمادة خام، وسوف يكون لها تأثير كبير فيما بعد، أما استخدام الأديب لهذه المادة في كتابة الرواية أو القصة، فهذا عمل يحتاج إلى وقت أطول، الوثائق ستبقى موجودة كوثائق التاريخ· في جانب الشعر نجد شعراء كبار مثل أحمد عبد المعطي حجازي الذي كتب كذا قصيدة، وعبد الرحمن الأبنودي في العامية، لكن الرواية ستأخذ وقتا أطول، ولي الشرف أني كاتب أول قصة نشرت عن الثورة المصرية· ما عنوان هذه القصة؟ ''صلاة''، ونشر في ''الكتابة الأخرى'' وعلى موقع كيكا، ثم توالى نشر قصص أخرى في هذا السياق في عناوين كالمصري اليوم والشروق، وروز اليوسف ومجلة الإذاعة والتلفزيون وأخبار الأدب ومازالت أوالي النشر، ونشرت أيضا بالفرنسية في ''الأهرام إيبدو'' وبالإنجليزية في موقع أمريكي ينشر النص العربي وترجمته الإنجليزية· ومتى تنجز أفلاما تسجيلية عن الثورة؟ أنا مشروعي أدبي أكثر، وأنا أعد نفسي روائي وقاص أكثر مني منتجا للتلفزيون مع أني حاولت الكتابة للسينمائية· أنا أنظر إلى تجربتي على أنها تجربة أديب وليس سيناريست· وهل هناك مشروع روائي في الأفق في هذا المجال؟ أعتقد أن مثل هذا المشروع سيأتي فيما بعد، أما الآن فأنا بصدد الاشتغال على مجلد قد يتجاوز الألف صفحة في إطار المشروع القصصي الذي بدأته· ماذا عن الجدل القائم حاليا في مصر، هل صحيح أن السلطة العسكرية التي عملت على إبعاد مبارك، تحاول الآن الالتفاف على الثورة؟ وأنت الذي تشتغل في قناة للقطاع العام، هل لمست فرقا بين العهدين؟ نحن في مصر في فترة انتقالية شديدة التقلب، والوقت لا يتيح أن تبني نظاما جديدا، نحن لم نخرج من مرحلة هدم النظام القديم بكل آلياته ووسائله وتقنياته وطريقته في التفكير وفي العمل· أعتقد أنه في هذه الفترة لن يحدث بناء نظام جديد، كل ما نأمله هو القضاء على مساوئ النظام السابق· هل تلمست جهدا في القضاء على النظام القديم؟ حصل تغيير في الأشخاص، وتم إبعاد أشخاص كثيرين كانوا مهيمنين على السلطة في كل المجالات، لكن بناء النظام الجديد لن يتأتى إلا من خلال تسليم السلطة للمدنيين، والذهاب إلى ديمقراطية حقيقية وانتخاب رئيس جديد، على هذا النحو يبدأ تأسيس نظام جديد بالفعل، أما الآن فإن المجلس يحكم باعتباره سلطة مؤقتة مهمته الانتقال الآمن للسلطة، والحكومة أيضا تنظر إلى نفسها على أنها حكومة انتقالية وليست حكومة ثورة، ليست حكومة من مهامها أن تنشئ نظاما جديدا، بل مهمتها هي تسيير الأعمال· وهل من السهل القضاء على النظام القديم ونحن نرى الكثير من رموز ذلك العهد ركبوا موجة الثورة وتكيفوا معها في انتظار الالتفاف عليها؟ الصراع مازال مستمرا، لأن الذي سقط وبمنتهى الوضوح هو رأس النظام فقط، بينما الجسم مازال متغلغلا وكان نظاما سرطانيا متواجدا في جميع أعضاء الجسد المصري، ما تم بتره هو الرأس فقط والرؤوس الصغيرة التي تليه، في حين أن الجسد نفسه مازال قائما في العديد من المؤسسات· وعلى الجانب الآخر، هناك اعتصامات وإضرابات مستمرة لا سيما عند العمال والمهنيين حتى عند الشرطة نفسها· التغيير قادم وسيحقق كل أهداف الثورة المصرية، لكن كذلك يحتاج إلى الوقت ولن يتحقق نظام ديمقراطي حقيقي لا في ظل برلمان منتخب ورئيس جديد وبدستور واضح يمثل كل المصريين، عندها سيبدأ عهد جديد بالفعل· الذهاب إلى انتخابات حقيقية معناه سيطرة التيارات السلفية على البرلمان، ألا تخشى من أن يتحوّل البلد إلى بؤرة للصراع الطائفي والديني؟ لم تجر طيلة القرن العشرين أي انتخابات نزيهة وشفافة تستطيع من خلالها معرفة قدرة كل فصيل سياسي على أرض الواقع· الانتخابات القادمة ستكون الأولى من نوعها نزاهة وشفافية وتعبّر عن خيارات المواطن المصري، فإذا أتى السلفيون أو الإخوان من الشارع فليأتوا، ما المشكلة؟ فلنبدأ من هذه النقطة ونتحرك منها إلى نقطة أبعد، إذا كنت معارضا للسلفيين وللإخوان والشارع قال لهم نعم، خذ حلمك وناضل من أجل تحقيقه على أرض الواقع، ما دمت نصيرا للديمقراطية لصندوق الانتخابات كفيصل وحيد للحق وللسلطة يجب أن تسلم بهذا، فلتسلم لعدوك بانتصاره ولتبدأ نضالك من أجل تحقيق ما تريده·