فمنهم من تحيط به الظلمة من كل ناحية، نسأل الله - جل وعلا - ألا يحرمنا نوراً في الدنيا والآخرة، اللهم لا تحرمنا النور، يوم تقسم الأنوار برحمتك يا عزيز يا غفار. ومنهم من يبعث من قبره وهو يقول لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلى أين؟ أنت في أرض المحشر، ولست في أرض عرفة من هذا؟ هذا الذي مات في الحج والعمرة بملابس الإحرام. وحديثه في الصحيحين من حديث ابن عباس قال (ص): ''فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا''. ومنهم من يبعث ينبعث منه دم، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، من هؤلاء؟ هؤلاء الشهداء في سبيل الله والحديث في الصحيحين. ومنهم من يبعث وهو لا يقوى على القيام، إذا وقف وقع على الأرض، وإذا وقع وأراد أن يستوي على الأرض تلبط في الأرض يمنة ويسرة، لا يستطيع قياماً ولا جلوساً، منظر يخلع القلوب من هذا؟ هذا آكل الربا. ''الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا'' لا، لا، قال تعالى: ''وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا'' (البقرة/275). ومنهم من يبعث، ترى مجموعة من الأطفال يجرونه جراً ويدفعونه دفعاً، ليقدموه في أرض المحشر ليوقفوه بين يدي الله عز وجل من هذا؟ ومن هؤلاء؟ هذا آكل أموال اليتامى، وهؤلاء هم اليتامى يدفعونه دفعاً ليوقفوه بين يدي الله: ''إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً'' (النساء10). ومنهم من يبعث وكأس الخمر في يده، مات وكأس الخمر في يده فيبعث وكأس الخمر في يده، من أين جاء؟ الله أعلم. ومنهم من يبعث وقد سرق في الدنيا تراه يمشي في أرض المحشر، وهو يحمل بيضة سرقها أو يحمل دجاجة، أو يحمل شاة أو ناقة أو يحمل بنكا، أو يحمل أمة، فهناك من سرق بنكا، وهناك من سرق أمة، يبعث يوم القيامة، وهو يحمل ما سرق، إن لم يتب إلى الله ويرد ما سلب وسرق وغصب قال - جل وعلا: ''وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ'' (آل عمران/161). تصور هذه المشاهد التي تخلع القلوب، ونحن نقص حقيقتها، كيف لو عايناها؟ كيف لو شاهدناها، ولا تتصور أن الخلق سيبعثون بثياب، أو بمراكز أو بمناصب، كلا وألف كلا، بل يأتون حفاة عراة غرلا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في الصحيحين من حديث عائشة: ''يحشر الناس حفاة عراة غرلا''، ''حفاة'' نعرف معنى اللفظة ، من لا يلبس في قدميه نعلا ''عراة'' من لا يحمل على بدنه ثوباً، ''غرلا'' حتى هذا ''غرلا'': جمع أغرل و لأغرل هو الصبي قبل ختانه، حتى هذه القطعة التى قطعت يوم ختانك ترد إليك، قال تعالى: ''كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِين'' الأنبياء 104) ''يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا''. قالت عائشة - تلك الزهرة التي تفتحت في بستان الحياء: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟!! فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ''يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك لكل أمريء منهم يومئذ شأن يغنيه''. أقسم بالله لو تدبرتها لطاش عقلك، أقسم بالله لو تدبرتها لارتجف فؤادك تصور زحاماً خانقاً من رجال عراة ونساء عراة، ومع ذلك لا يلتفت رجل إلى امرأة، ولا تلتفت امرأة إلى رجل، تصور الهول الذي نزل بالقلوب، فأنسى البشر جميعها هذا المشهد العاري ''الأمر أشد من أن يهمهم ذلك لكل أمريء منهم يومئذ شأن يغنيه''. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ''يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفاً مشاة، وصنفاً ركباناً، وصنفاً على وجوههم''. أما الركبان فهم أهل التقى اللهم اجعلنا من المتقين ''يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً{85} وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً'' (مريم/85.86) ''يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً'' (مريم /85) وَفْداً (أي: ركبانا)، التقي الذي وحد الرب العلي، وتابع في الدنيا حبيبه النبي. ربما لم يجد دراجة في الدنيا، ليركبها من شدة فقره، بل ربما والله لا يجد حماراً ليركبه من شدة فقره، هذا يوم القيامة إذا بعث الناس وحشر الناس، لا يمشي على قدميه في أرض المحشر خطوة واحدة، بل يرى ملائكة الله -جل وعلا- قد أعدت له ركوبة من ركوب الآخرة، لا يعلم حقيقتها وعظمتها وجمالها إلا من أعدها، وهيأها -جل وعلا- فيركب المؤمن التقي ويحشر إلى الرب العلي، ليظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وصنف يحشر على قدميه في أرض المحشر، وقد دنت الشمس من الرؤوس والزحام وحده يكاد يخنق الأنفاس بل ويكاد العرق أن يغرق كل الناس. فمنهم من يقوم والعرق قد وصل إلى كعبيه، ومنهم من بلغ العرق وسطه، ومنهم من ألجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يصل العرق إلى أذنيه، يغرق الناس في عرقهم، فالشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل، كما في صحيح مسلم من حديث المقداد بن الأسود قال رسول الله (ص): ''تُدنى الشمس من الرؤوس بمقدار ميل''، قال سليم بن عامر: والله ما أدري أهو الميل المسافة المعروفة أم الميل الذي تكتحل به العيون، تكون الشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل، ولولا أن الله قدر ألا نموت بعد الموت، لمتنا جميعا من حرارة الشمس، لصهرت الشمس رؤوسنا وعظامنا، ورب الكعبة في هذا المشهد الرهيب، يُحشر صنف إلى الله على الأقدام. وانظر إلى الصنف الثالث الذي يخلع القلب، تصور وأنت تمشي وأنت عار ترى صنفاً يركب إلى جوارك، وترى صنفا يمشي، وترى صنفا يمشي على وجهه ويديه. تخيل معي يا أخي: ترى صنفاً يحشر على وجهه، رجلاه إلى أعلى ووجهه إلى أسفل كيف ذلك؟! سئل النبي (ص) في ذلك ، من حديث أنس قيل: يا رسول كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال (صلى الله عليه وسلم): ''أليس الذي أمشاه في الدنيا على قدمين قادرا على أن يمشيه يوم القيامة على وجهه''، قال قتادة: قلت: بلى وعزة ربنا . وأنا أقول بلسانكم جميعا: بلى وعزة ربنا إنه لقادر تدبر معي قول ربي: ''وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً'' (الإسراء/97) سنحشر على أرض تختلف عن هذه الأرض، وستقف للحساب على أرض ليست هي هذه الأرض: ''يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ''. أبو أحمد عبد الله منيب بيدي لمن كان له قلب ثمرات الصلاة ثمرات الصلاة: للصلاة مع جماعة المسلمين والمحافظة عليها ثمرات عظيمة، وفوائد جليلة، وعوائد جمّة، في الدين والدنيا، والآخرة والأولى، فمن ذلك ما يلي: - 1 - أن المحافظة عليها سبب لقبول سائر الأعمال. - 2 - المحافظة عليها سلامة من الاتصاف بصفات المنافقين. - 3 - المحافظة عليها سلامة من الحشر مع فرعون وقارون وهامان وأُبي بن خلف. - 4 - الصلاة قرة للعين. - 5 - ومن ثمراتها تفريح القلب، مبيضة للوجه. - 6 - الانزجار عن الفحشاء والمنكر. - 7 - وهي منورة للقلب، مبيّضة للوجه. - 8 - منشطة للجوارح. - 9 - جالبة للرزق. - 10 - داحضة للظلم. - 11 - قامعة للشهوات. - 12 - حافظة للنعم، دافعة للنقم. - 13 - منزلة للرحمة، كاشفة للغمة. - 14 - وهي دافعة لأدواء القلوب من الشهوات والشبهات. - 15 - التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. - 16 - التعارف بين المسلمين. تشجيع المتخلف. تعليم الجاهل. إغاظة أهل النفاق - حصول المودة بين المسلمين؛ فالقرب في الأبدان مدعاة للقرب في القلوب. إظهار شعائر الإسلام والدعوة إليه القول والعمل. - وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا والآخرة، لا سيما إذا أُعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُدفعت شرور الدنيا والآخرة بمثل الصلاة، ولا استُجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصلاة؛ لأنها صلة بين العبد وربه، وعلى قدر صلة العبد بربه تنفتح له الخيرات، وتنقطع - أو تقل - عنه الشرور والآفات، وما ابتلي رجلان بعاهة أو مصيبة أو مرض واحد إلا كان حظ المصلي منها أقل وعاقبته أسلم. - الصلاة سبب لاستسهال الصعاب، وتحمل المشاق؛ فحينما تتأزم الأمور وتضيق؛ وتبلغ القلوب الحناجر - يجد الصادقون قيمة الصلاة الخاشعة؛ وحسن تأثيرها وبركة نتائجها - وهي سبب لتكفير السيئات، ورفع الدرجات، وزيادة الحسنات، والقرب من رب الأرض والسموات. - وهي سبب لحسن الخلق، وطلاقة الوجه، وطيب النفس. - وهي سبب لعلو الهمة، وسمو النفس وترفعها عن الدنايا. - وهي المدد الروحي الذي لا ينقطع، والزاد المعنوي الذي لا ينضب. - الصلاة أعظم غذاء وسقي لشجرة الإيمان، فالصلاة تثبت الإيمان وتنميه. - المحافظة عليها تقوي رغبة الإنسان في فعل الخيرات، وتُسهّل عليه فعل الطاعات، وتذهب - أو تضعف - دواعي الشر والمعاصي في نفسه، وهذا أمر مشاهد محسوس؛ فإنك لا تجد محافظاً على الصلاة - فروضها ونوافلها - إلا وجدت تأثير ذلك في بقية أعماله. - ومن فوائدها: الثبات على الفتن؛ فالمحافظون عليها أثبت الناس عند الفتن. - ومن فوائدها: أنها تُوقد نار الغيرة في قلب المؤمن على حُرمات الله. - والصلاة علاج لأدواء النفس الكثيرة، كالبخل، والشح، والحسد، والهلع، والجزع، وغيرها... - من فوائد الصلاة الطبية: ما فيها من الرياضة المتنوعة، المقوية للأعضاء، النافعة للبدن. - ومن ذلك، أنها نافعة في كثير من أوجاع البطن؛ لأنها رياضة للنفس والبدن معاً، فهي تشمل على حركات وأوضاع مختلفة تتحرك معها أغلب المفاصل، وينغمز معها أكثر الأعضاء الباطنة، كالمعدة، وسائر آلات النفس والغذاء، أضف إلى ذلك الطهارة المتكررة وما فيها من نفع، كل ذلك نفعه محسوس مشاهد لا يماري فيه إلا جاهل. ومن فوائدها الصحية: أنها - كما مرّ - تنير القلب وتشرح الصدر، وتفرح النفس والروح، ومعلوم عند جميع الأطباء أن السعي في راحة القلب وسكونة وفرحه وزوال همّه وغمه، من أكبر الأسباب الجالبة للصحة، الدافعة للأمراض، المخففة للآلام، وذلك مجرب مشاهد محسوس في الصلاة خصوصاً صلاة الليل أوقات الأسحار. - ومن ذلك: ما أظهره الطب الحديث من فوائد عظيمة للصلاة، وهي أن الدماغ ينتفع انتفاعاً كبيراً بالصلاة ذات الخشوع، كما قرر ذلك كبار الأطباء في هذا العصر، وهذا دليل من الأدلة التي يتبين لنا بها سبب قوة تفكير الصحابة الكرام، وسلامة عقولهم، ونفاد بصيرتهم، وقوة جنانهم، وصلابة عودهم. هذا غيض من فيض من ثمرات الصلاة الدينية والدنيوية، وإلا فثمراتها لا تعد ولا تحصى، فكلما ازداد اهتمام المسلم بها ازدادت فائدته منها، والعكس بالعكس. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.