هل تخلى الإسلاميون الجدد عن شعار آبائهم ''الإسلام هو الحل''؟! عندما رأت منظمة الإخوان المسلمين النور لأول مرة عام ,1928 كانت غايتها أن تسد ذلك الفراغ السياسي العقائدي والروحي الذي تركه اختفاء الخلافة الإسلامية في تركيا بعد أن أخرج مصطفى أتاتورك بلده من المجال الإسلامي الرمزي إلى المجال الغربي العلماني وأن تتحول إلى مرجع شامل ليس للناشطين الثقافيين والسياسيين المسلمين، بل مرجعا لكل الأمة العربية أساسا والإسلامية عموما·· ولقد تحولت هذه المنظمة التي أُسست على مبادىء تنظيمية حديثة إلى دولة داخل دولة في فترة الملك فاروق على صعيد المنشآت التحتية، وعلى مستوى النفوذ والتأثير في مختلف القوى الإجتماعية، بل وحتى عندما تمكن الضباط الأحرار في فترة نجيب وجمال عبد الناصر من الإطاحة بعرش الملك فاروق، ظلت هذه المنظمة تراهن على الحكام الجدد الذين قاموا بإلغاء التعددية الحزبية وذلك بسبب اعتقاد قيادات هذه المنظمة أنها قادرة على احتواء الضباط الجدد الذين كان عدد منهم منخرطين أو مقربين منها خاصة بعد انخراط أعضائها في حرب 1948 التي كانت أول نكبة امتحن بها العرب والفلسطينيون أمام يهود إسرائيل، لكن الضباط الأحرار أيضا لم يكونوا قد حسموا توجههم السياسي والإيديولوجي إذا ما كانوا سيميلون إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية أو الاتحاد السوفياتي·· لكن بعد أن مالت الكفة لصالح السوفيات وتعرض جمال عبد الناصر إلى محاولة اغتيال من طرف أحد المنخرطين في التنظيم الخاص المسلح التابع لمنظمة الإخوان المسلمين، وجدت هذه المنظمة نفسها في مأزق حقيقي أمام قوة جمال عبد الناصر الشعبية الصاعدة الذي لم يكن يريد أن ينافسه أحد على قيادة السفينة، فزج بالمئات من الناشطين في منظمة الإخوان في السجون والمحتشدات ودفع بالبعض الآخر إلى المنفى الاضطراري لتتلقفهم العربية السعودية التي كانت من توجهات جمال عبد الناصر الجديدة، وهي التوجهات القومية ذات الطابع العلماني والتوجهات الاشتراكية القريبة من الاتحاد السوفياتي، ولقد حوّل هذا الاحتقان المنظمة الإسلامية لأن تذهب إلى أبعد مدى في بناء مشروعها السياسي والإيديولوجي المعارض ليس فقط لنظام جمال عبد الناصر، بل لكل المشروع الوطني والقومي الاشتراكي العربي، ولقد بلور هذا المشروع على الطريق الراديكالي المفكر سيد قطب الذي ذاق ويلات السجن والتعذيب، لينتهي إلى الإعدام شنقا في أوت ,.1966 وكانت كتاباته مثل ''في ظلال القرآن'' الذي كتبه في السجن وكان يشرف على مراقبته الشيخ محمد الغزالي، وأيضا ''معالم في الطريق'' خريطة الطريق للمشروع الإسلامي، ليس فقط في مصر، بل في العديد من البلدان العربية، وبعد أكثر من عشر سنوات كان الجيل الذي تغذى من الإيديولوجية القطبية من جهة، ورضع من حليب الوهابية في أتون الحرب الأفغانية التي رعتها الاستخبارات الأمريكية والأوروبية والخليجية بمعية الاستخبارات الباكستانية وذلك من أجل خلق فيتنام ثانية ضد جيوش الاتحاد السوفياتي التي دخلت أفغانستان محتلة، لكن أيضا كتطويق لإسلام ثوري انتفض الشاه بقيادة آيت الله الخميني·· لكن ما أن خرجت الولاياتالمتحدةالأمريكية منتصرة في أفغانستان حتى تحول هذا الجيل ضد مستعمليه بعد أن أصبح يوصف بالإرهابي بعد أن كان يوصف بجيل الجهاد والمقاومة من أجل الحرية·· واليوم، بعد الثورات العربية التي تم سرقتها من جديد ومن نفس القوى التي كانت بالأمس راعية للجهاد في سبيل الإسلام·· فتح المجال أمام جيل آخر من الإسلاميين للانخراط في لعبة الحكم ضمن ما يمكن وصفه بمرحلة الديموقراطية الهجينة·· ويتمثل هدفها الأساسي في أن يقدم هذا الجيل من الإسلاميين سيرة حسن السلوك تبدأ بتجنب هذا الجيل تسمية تنظيماته السياسية بالإسلامية، وهذا ما نلحظه لدى معظم الأحزاب الإسلامية التي راحت تسمي نفسها بأوصاف متشابهة، مثل، حزب العدالة والتنمية، والعدالة والتنمية، والحرية والعدالة، والنور، والإصلاح وهلم جرا·· هل يعني ذلك أن الإسلاميين قد تخلوا نهائيا عن مشروعهم التقليدي لينخرطوا في لعبة جديدة تمليها موازين قوى الدول العظمى التي طالما ناصبوها العداء؟!·