أعلن مدير المكتبة الوطنية البروفيسور منير بهادي، على هامش تنظيم الندوة العلمية حول رقمنة المخطوط "تقنيات الحفظ ووسائل البحث"، أوّل أمس، عن فتح بوابة المخطوطات والمؤلفات النادرة بعنوان" ذاكرتي"، داعيا في السياق نفسه، كلّ المهتمين بهذا التراث العريق، لإثراء البوابة التي تم تأسيسها وفق قانون حفظ التراث الثقافي. عن بوابة "ذاكرتي"، قدّمت الأستاذة نبيلة حاجة بعض التفاصيل والتوضيحات، فقالت إنّ البوابة التي يمكن الولوج إليها عبر موقع المكتبة الوطنية، تعتمد على اللغتين العربية والإنجليزية. وتتفرّع إلى ثلاثة محاور، وهي فهرس، ومؤلفون، وخدمات المكتبة. كما يمكن الطلبةَ والباحثين والمختصين في المخطوطات، تسجيل أنفسهم عبر حساب إلكتروني، وهكذا سيتمكّنون من الاستفادة من مخزون المكتبة الذي يضمّ المخطوطات والمؤلفات النادرة، المقدّر عددها ب 6902. وبعد هذا التقديم مباشرة تم عرض خمس مداخلات حول موضوع رقمنة المخطوط في إطار الاحتفاء باليوم العربي للمخطوط. والبداية بمداخلة الأستاذ محمد مولاي والموسومة ب"حفظ المخطوطات المرقمنة في المدى البعيد، ودورها في البحث العلمي"، تحدّث فيها، أولا، عن أهمية الحفاظ على مخطوطاتنا، وإلباسها حلة رقمية لتعريف العالم بها، مع تحديد أهداف هذه العملية أي الرقمنة، فهل تتم بغرض الإتاحة، أم الحفظ، أم ماذا؟ إذ إنّ لكلّ هدف وسائله الخاصة لتجسيده على أرض الواقع، وحتى فريق عمله الخاص. وأكّد مولاي ضرورة تشخيص حالة المخطوط المراد رقمنته؛ فهناك مخطوطات لا تقبل الرقمنة بفعل ظروفها المادية. كما توجد مخطوطات أخرى تتطلّب أن ينتقل فريق الصيانة والترميم إليها؛ لإسعافها قبل رقمنتها، على أن يتم ذلك على ضوء الشمس؛ حيث يمكن الأشعة غير الطبيعية الإضرار بها. ودعا مولاي إلى تصوير المخطوط مرة واحدة لا أكثر؛ حتى لا يتعرض للاستعمال المكرر، لينتقل إلى ظهور برمجيات في الذكاء الاصطناعي، تكشف عن أسرار المخطوطات، وتقدّم أجوبة عن بعض الغموض الذي يشوبها. كما طالب بالاعتماد على بطاقة فهرسية واحدة بالنسبة لعملية رقمنة المخطوط، وهو ما سيسهّل إثراء بوابة "ذاكرتي"، خاصة أنّ العرب لم يتّفقوا بعد على فهرسة واحدة للمخطوط، عكس ما يحدث في العالم حول فهرسة الكتب التي تتم وفق أسلوب موحّد. أما الأستاذ عبد القادر بويه فقد تناول في مداخلته، مجهودات المكتبة الوطنية الجزائرية في رقمنة مخطوطات عين صالح، فذكر أنّ المكتبة الوطنية انتقلت ثلاث مرات إلى عين صالح. ومكّنت العملية الثالثة للمكتبة والتي دامت أسبوعا كاملا من الفاتح الى السابع أكتوبر 2024، من رقمنة وحفظ أزيد من عشرة آلاف صورة ثنائية موزعة على 135 مخطوط، ليكون مجموع ما تم تصويره وحفظه، قرابة ثمانية آلاف صورة ثنائية، وبذلك تكون المكتبة الوطنية الجزائرية ساهمت بشكل مباشر، في حفظ وحماية هذا الموروث الثقافي النفيس، علاوة على اكتشافها العديد من المخطوطات النادرة في المنطقة. وعاد بويه الى نشأة المركز الوطني الوطني للمخطوط بأدرار عام 2006، الذي أحصى من خلال بعثة له زارت عين صالح، ثلاثين خزانة كاملة. ويعود ذلك الى عدة عوامل، وهي الموقع الاستراتيجي لعين صالح (محور طرق القوافل)، وازدهار التعليم الديني فيها، وغياب الكتب المطبوعة بها، وإقبال الناس المتزايد على نسخ المصاحف للمساجد؛ كوقف، وصدقة جارية، لترث العديد من العائلات هذا الموروث الثقافي الضخم رغم أنّ أكثره تعرّض للتلف بفعل الاستعمار الفرنسي بالدرجة الأولى، وكذا بفعل الحرائق التي اندلعت عامي 2021 و2023 ببودة وعين صالح. ومن جهتها، تطرقت رئيسة مصلحة المخطوطات والمؤلفات النادرة بالمكتبة، السيدة فطومة بن يحي، للأهداف المرجوة من عملية رقمنة المصاحف؛ مثل مقارنة النسخ فيما بينها، مشيرة الى امتلاك المكتبة الجزء الثالث لمصحف السلطان المصري قايتباي الذي يعود الى القرن التاسع هجري و15ميلادي؛ أي أقدم ببضع سنوات من مصحف السلطان نفسه، الذي اشتراه متحف اللوفر الفرنسي خلال مزاد علني بقيمة 3 ملايين جنيه استرليني. بيد أن الجزء الأول للمصحف الذي تملكه المكتبة يوجد في بريطانيا عند الخواص. والجزء الثاني بمتحف المدينةالمنورة. أما الجزء الرابع فمفقود. وكشفت بن يحي عن إمكانية الكشف عن تاريخ نسخ القرآن الكريم، والفنون الإسلامية المستعملة فيه، والنصوص المصاحبة له من خلال رقمنة المصاحف، مثل حفظ بعض العائلات وثيقة التركة في المصاحف حتى لا تضيع. وبالمقابل، أكدت المتدخلة سهولة تنظيم معارض خاصة بالقرآن الكريم بصورته الرقمية؛ للحفاظ على نسخه القديمة جدا. أما الأستاذ أحمد قريق أحسن فقد ذكر في مداخلته، اكتشافه العديد من المخطوطات بفعل الرقمنة، خاصة أنه مهتم جدا بهذا التراث، وتحديدا المتعلق بعلم الفلك المتخصص فيه، في حين تناول الأستاذ بلقاسم ضيف في مداخلته، تجربته في فهرسة وتصوير مكتبة عبد الله البلبالي بأدرار التي أنشئت عام 1860 ميلادي، وتضم حوالي 200 مخطوطة.