السؤال الذي يؤرق فكر القوى الثورية في مصر والعالم، حول دلالة المؤشرات الأولية للإنتخابات، وما تعنيه، إذا ما تم تثبيت النتيجة الرسمية وفق ما أعلن عنه حتى الآن عن تأهل مرشح الإخوان محمد مرسي، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق الذي يوصف بمرشح ''فلول الحزب الوطني''، هو هل فشلت الثورة في امتحان الإنتخابات التي نظمت يومي 23 و24 من ماي الجاري؟ والواقع أن هذا السؤال المر، والعميق يبدو مستبقاً للأحداث، لكنه مشروع، في ظل حالة الاستقطاب الحاد الذي عرفته الساحة المصرية خلال فترة الانتخابات وما بعدها ربما في مرحلة الحملة القادمة المفضية للجولة الثانية · ومن خلال مشاهدة الخارطة التي أفرزتها الإنتخابات، يمكننا طرح السؤال ومحاولة قراءة النتائج، لقياس توجهات الشارع، من جهة وحصر المكاسب والإخفاقات التي عرفها الشارع الثوري من جهة أخرى، بعيداً عن حالة الإحباط التي أصابت البعض، وحالات التحالفات التي يمكن أن تقع خلال الفترة القادمة· كان واضحاً في حالة الاستقطاب الحاد الذي شهدناه أن القوى الثورية التي تمثل قيم ''ميدان التحرير'' مشتتة الأركان والإتجاهات وفشلت في تقديم مرشح واحد، يمثل هذه الثورة، بالرغم من جملة من اللقاءات التي تمت بين مؤيدي المرشح المفاجأة حمدين صباحي، والمرشح العتيد عبد المنعم أبو الفتوح، والتي لم تصل إلى حالة وفاق لتقديم مرشح واحد· فيما بدت جماعة الإخوان المسلمين مستأثرة برأيها ومرشحها الدكتور محمد مرسي غير معنية باتفاقات محددة لتقديم مرشح يمثل أكثر من تيار ثوري، حيث كانت الجماعة واضحة منذ البدء، أنها لن ترضى بأقل من تقديم مرشح يمثلها، وعلى الآخرين إن أرادوا نجاحاً للتيار الثوري، فما عليهم إلا تأييد مرشحها الأوحد· على الطرف الآخر وتحديداً في معسكر من يسمون ب ''فلول الحزب الوطني المحل'' بدت الصورة واضحة بين مرشحين هم أحمد شفيق وعمرو موسى، ففي حين لم يتوان الأول في دفاعه عن الفترة التي عمل فيها بجانب مبارك، وحصر إنجازاته، تنكّر الثاني لعلاقته بالنظام السابق وحاول جاهداً القفز للمعسكر الثاني، مؤكداً أنه كان على خلاف مع رئيسه السابق، وأنه خرج من النظام منذ أكثر من عقد من الزمن نتيجة خلافات عميقة مع رأس النظام، وبالتالي قدم نفسه كأحد رموز ''الميدان والثورة'' وليس العكس·· وهذه المفارقة ربما وضعته في ترتيب متأخر بالرغم من الشعبية التي كان يتمتع بها حتى في ظل النظام السابق، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره، في أنه لم يقنع الشارع الثوري بأنه جزء من نسيجه من جهة، كما أنه فقد ثقة المتعاطفين مع النظام السابق، وحزبه الذي كان يضم حوالي مليوني عضو!· وبالتالي توجهت تلك الأصوات نحو غريمه أحمد شفيق الذي قدم نفسه كرجل دولة، وكصاحب تجربة طويلة في المؤسستين العسكرية والسياسية من خلال تقلده مواقع قيادية في سلاح الطيران، ثم شغله لعدد من الوزارات، والتي انتهت برئاسة مجلس الوزراء خلال آخر حكومة شكلها المخلوع حسني مبارك· كما أن حالة الانفلات الأمني وفوضى المؤسسة الأمنية بعد سقوط النظام السابق، أضحت تؤرق المصريين البسطاء، بشكل جعلهم يعتقدون أن عودة الأمن والإستقرار مرهونة بعودة بعض الرموز المؤثرة في النظام السابق، سيما وأن هؤلاء يتمتعون بعلاقات دولية ومحلية كبيرة وأن هناك دولا إقليمية وعظمى تدعم هؤلاء -حسب تصور الكثير من المصريين - وأن تلك الدول قد تعود مجدداً للإستثمار في مصر إذا ما توفرت لها ضمانات عودة الأمن والإستقرار، فضلا عن أن المرحلة الإنتقالية التي سيطر فيها الإسلاميون على السلطة التشريعية، قد شهدت خلافات كبيرة مع دول بعينها، منها الولاياتالمتحدةالأمريكية /إسرائيل/ والمملكة العربية السعودية، وهو الثلاثي المقدس في السياسة الخارجية المصرية لأكثر من ثلاثة عقود مضت· الحملات وتأثيرها على الشارع وسير العملية الانتخابية كان واضحاً منذ البدء أن حالة الاستقطاب تتنازعها ثلاثة تيارات، هي التيار الثوري المدني الذي يمثله حمدين صباحي وخالد علي، وإلى حد ما عبد المنعم أبو الفتوح، والتيار المدني القديم الذي يمثله أحمد شفيق وعمرو موسى، والتيار الإسلامي الذي يمثله الدكتور محمد مرسي، بجانب أبو الفتوح الذي كان هو الآخر يدعم من أكثر الأحزاب محافظة، مثل حزب النور السلفي بجانب دعم بعض التيارات الليبرالية له·· وقد مثّل حالة نادرة واستثنائية من حيث تشتيت الأصوات (المدنية/ والإسلامية) في ذات الوقت· وبين هذه المعسكرات الثلاث غالباً دارت المعارك الانتخابية للتعبئة الحادة خلال فترة الحملة الانتخابية وبعدها، متجاوزة الحظر القانوني في فترة الصمت الانتخابي، وقد لعب المال السياسي دوراً مهماً في المعركة المشتعلة، خاصة في المناطق والولايات الأكثر فقراً، سواء في المدن والتجمعات الحضرية، أو في الصعيد حيث يلعب المال دوراً مهما بجانب الإستطفافات الجهوية والعشائرية، وهنا كان دور حملة الفريق شفيق واضحاً وقويا في كسب شيوخ الصعيد، سيما الولايات ذات الإمتداد القبطي، التي رأت أنها تواجه تهديداً طائفياً في حال سيطرة الإخوان على المنصب الأول في البلاد، بل وذهب بها التقدير إلى حد الاعتقاد أن الفريق شفيق يمثل حائط سد أمام محاولات إقصاء المسيحيين من الحياة السياسية· فضلا عن تلك الوعود التي أطلقها بشأن انتشار السلاح، والقضاء على الانفلات الأمني خلال 24 ساعة من تسلمه السلطة، وهي عوامل في اجتماعها ساهمت في تحقيق شفيق أعلى النتائج في المناطق الريفية وذات الامتداد القبطي، فيما خسر معركته في المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية· قراءة في الأرقام والتحالفات إذا ما صحّت النتائج التي أعلن عنها حتى الآن، فإن الأمر يعني أن المراكز الأولى والثالثة والرابعة تمثل الثورة بشكل أو آخر، بينما المركز الثاني والخامس هم من يمثلون جزءا من النظام السابق وبحسبة رياضية بسيطة يمكن استنتاج أن الأغلبية الكاسحة من المصريين صوتوا لصالح ''رجال الثورة'' وليس العكس، كما توحي بعض التحليلات السياسية المتعجلة· وأن مرور الفريق أحمد شفيق إلى الدور الثاني ليس إلا نتاج حالة تشتت الأصوات بين التيارات الممثلة لروح ثورة 25 يناير المجيدة، وبالتالي فإن الأرقام تقول أن النتائج الأولية بعد فرز 90 من الأصوات المعبر عنها قد أفرزت النسب التالية لأكبر أربعة مرشحين بالترتيب: محمد مرسي (25 %)، أحمد شفيق (23)، حمدين صباحي (20)، أبو الفتوح (19) ·· وبالتالي فإن عقد معادلة بسيطة بين نسب هؤلاء الأربعة ترجح أن أكثر من 65 من المصريين انحازوا لقيم ورجال الثورة، مما يوضح طبيعة المعركة القادمة، في حال ثبات التوجهات وفق ما عبرت عنه الجولة الأولى· دون حسبة أكثر عمقاً في حال احتساب نسب بقية المرشحين الذين ينتمون بدورهم لذات تيار الثورة الشعبية، وبالتالي فإن التعبير الحقيقي للشعب يؤكد حقيقة أن الثورة لم تفشل في امتحان الانتخابات بقدر ما فشل المرشحون في ترتيب صفوفهم للدخول في المعركة متحدين ومتحالفين، الأمر الذي ينبغي إيلاءه أهمية بالغة في الدور الثاني، سيما وأن أقرب المرشحين للفريق شفيق، لا يبدو أنه سيدعمه في المعركة القادمة وهو عمرو موسى، الذي اتهم الفريق، أول أمس، بمحاولة إعادة البلاد إلى الماضي القريب من خلال إعادة إنتاج مكتسبات النظام المخلوع· بينما من المرجح أن يدعو بقية المرشحين على الأقل عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي، مؤيديهم للتصويت للدكتور محمد مرسي بالرغم من الخلافات الكبيرة التي ظلت عالقة مع جماعة الإخوان على المستويين الإيديولوجي والفكري· كما أن سيناريوهات التحالفات القادمة ستمنح مرشح ك ''حمدين صباحي'' الفرصة الكاملة للتفاوض مع حزب الحرية العدالة، حول تدابير تحقيق أهداف الثورة، ومدنية الدولة، وتشكيل الهيئة التأسيسية، وغيرها من القضايا التي ظلت عالقة بين القوى الثورية، والإخوان الذين يتمتعون بأغلبية بسيطة في مجلس الشعب، والأمر كذلك بالنسبة للمرشح عبد المنعم أبو الفتوح·