يبدو أن تعليمات وزارة التجارة المنصبة في منع التجار من تغيير النشاط ومحاربة فتح محلات تجارية موازية شهر رمضان ودون رخصة، واتباع سياسة التهديد والوعيد لم تأت بثمارها ولم تغير شيئا في عقلية التاجر الجزائري والفوضى العارمة التي تسود أسواقنا، وتهيئ المناخ للمضاربة في الأسعار، والضحية كالعادة هو المواطن البسيط محدود الدخل، كما أن سياسة مراقبة الأسعار والتأكيد على وفرة المنتجات وعمليات الاستيراد الممنهجة والمتتالية لإغراق السوق وخفض الأسعار لم يكن لها أي أثر محسوس على المواطن الذي يبقى مع كل بداية رمضان يحترق وحده بلهيب الأسعار بعيدا عن كل حسيب أو رقيب قادر على وضع حدٍ لجشع الطامعين والباحثين عن الربح السريع. ككل فترة تسبق شهر رمضان يطلع علينا مسؤولون بارزون بمختلف مناصبهم ومسؤولياتهم بتصريحات تعتقد من خلالها أن شهر رمضان سيكون بردا وسلاما على المواطن الجزائري، وبمجرد حلول رمضان تلتهب الأسعار وتقفز إلى ضعف ما كانت عليه في وقت سابق، وعلى رأس قائمة انشغالات الصائم أسعار اللحم الذي تجاوز سعره 1400 دج للكلغ وكذلك الدجاج الذي هو الآخر تمرد وأعلن أن سعره لن ينزل تحت عتبة 400 دج، في وقت نذكر جيدا أن مسؤولا من وزارة التجارة أكد في الأيام القليلة الماضية أن أسعار اللحم ستتراوح بين 700 و800 دج، وأن الدجاج سيكون في متوسط 250 دج، وهي التصريحات التي أثلجت وخادعت الموطنين في الوقت نفسه، وجعلتهم يتريثون ويؤجلون شراء احتياجاتهم إلى حلول رمضان باعتبار أن إغراق الأسواق ب 20 ألف طن من اللحوم الحمراء والبيضاء المستوردة سيكون بداية من أول أيامه. وقالت أيضا وزارة التجارة في وقت سابق، إنها قامت بتنصيب لجنة مختلطة تضم وزارة التجارة والفلاحة والجمارك من أجل تنظيم تموين السوق خلال هذا الشهر الفضيل، وأكد مسؤول أن جميع الخضر والفواكه ستكون متوفرة بأسعار معقولة خلال هذا الشهر بحكم أن رمضان يلتقي بموسم وفرة المنتجات الطازجة، غير أن كل هذه التصريحات ذهبت أدراج الرياح ولم يعد يدرك المواطن هل هو فعلا في شهر يصادف جني المحاصيل وانخفاض الأسعار أم أنه في شهر ندرة المحاصيل وارتفاع الأسعار، فالسلاطة تجاوزت سقف 100 دج. الجانب الآخر الذي وعدت وزارة التجارة بتنفيذه خلال هذا الشهر هو تكثيف وتعزيز نشاط الرقابة ومكافحة الغش، حيث قالت إنها خصصت هذه السنة حوالي 6000 عون يعملون بصفة مستمرة لضمان التحكم في نشاط الأسواق عن طريق مراقبة الممارسات التجارية ومدى مطابقة المواد المعروضة للشروط المطلوبة وصلاحيتها للاستهلاك، وتتضمن رقابة الممارسات التجارية أساسا مراقبة أسعار كل المنتجات المحددة السعر ومكافحة ظاهرة المضاربة واكتناز السلع، غير أن استطلاعات الآراء وجولاتنا في الأسواق لم تكشف عن مرور أي عون مراقبة للأسعار أو للمنتجات التي قيل إنها تخزن ليتم المضاربة بها في وقت تحقق الندرة وارتفاع الطلب. وما يثير الاستغراب أكثر هو التصريحات التي أدلى بها، أمس، المدير العام للمراقبة وقمع الغش عبد الحميد كحلون، حيث اعتبر أن الضغط في الأسعار مسجل فقط على مستوى الولايات الكبرى كالجزائر العاصمة وقسنطينة ووهران، إضافة إلى ولايات الجنوب، في حين أن باقي الولايات الداخلية وحتى ولايات ساحلية تشهد استقرارا نسبيا في الأسعار، هذا المسؤول الذي لم يزد تصريحا فوق ما أكده كان به حريا أن يقدم حصيلة التجاوزات المسجلة من قبل التجار، ناهيك عن الإجراءات التي قام بها جهازه الإداري وما تحقق على أرض الواقع.