لا تزال علاقتنا، نحن شعوب العالم الثالث والعرب خاصة، بالغرب علاقة تسيطر عليها هواجس الاستعمار الجديد· إننا نحلم دوما باستقلال حقيقي تكون فيه الكلمة عبارة عن فعل ذاتي يعبر عن وجودنا وليس عن رد فعل لما يحاول الغرب فرضه علينا· في عالم يسيطر عليه الغرب ويحكم قبضته على جميع دواليبه بل ويهيمن على تشريع كوني من زاويته يبرر به جرائمه· لم يعد الأمر متوقفا على تفوق علمي وتكنولوجي وثقافي أفضى إلى ظاهرة الاستعمار الحديث المنتهي بصورة والمتجدد بصور شتى باطنه القوة المادية والعسكرية وظاهره الإنسانية الكونية· علاقتنا بالغرب إذن لا تزال تحكمها هذه الخلفية والتي نعتقد أنها شبحها سيظل يخيم على روابطنا بالغرب مستقبلا· كيف نأمل أن تتبدل هذه الصورة والغرب نفسه يتمسك بفرض قيم يزعم أنها كونية وأن الإنسان أينما كان في حاجة إليها ويسعى إلى فرضها وفوق هذا كله لم يعد هذا الغرب نفسه يخجل من التباهي والتفاخر بماضيه الأسود والغريب أنه يشرع ويسن قوانين تمجد احتلاله لشعوب أخرى(قانون 23 فيفري الفرنسي) وتقتيله وتشريدها له كل ذلك باسم التحضر والتقدم· كيف نطمح والحال هذه أن نطمع في تغير علاقتنا مع الغرب على المدى القريب أو البعيد· الغرب لا زال ينظر إلينا كخزان ومادة خام أو سوق لأسوأ سلعه ومنتجاته على أحسن تقدير· فهل نأمن بعد هذا على أنفسنا من معاودة الغرب لمغامراته العنيفة والعراق ليس ببعيد عن فيتنام واسرائيل تلقى دعما مطلقا من الغرب في احتلالها لفلسطين· هو ذا الغرب الذي يعتقد أنه يحمل قيم الخير والجمال أما ما عداه أو ما خالف نموذجه الثقافي والسياسي ولم يمش على منوال حداثته - وفق تصور أحادي النظرة إلى الحداثة الغربية الوربية- فهو غير متحضر منتمي إلى عصور بائدة، عصور التوحش والبربرية والشر· من الحقيقي، أن أصواتا داخل دوائر الغرب وخارجه تدعو إلى حوار متعدد ديني ثقافي سياسي ينطلق من أساسيات الحوار وهي موجودة كأرضية مشتركة بيد أن هذا الحوار لم يسفر عن شيء يذكر ونحن في دول عالم ثالثية نمني أنفسنا بنتائج إيجابية يمكن أن تثمر من خلال حوار علاقات القوة ليست متكافئة وبالتالي فمن المتعذر أن نحصل من ورائه على نتيجة ما دام الضعف في ضفة والقوة في ضفة أخرى· لقد بدأ الغرب بفعل استشراقي وأدرك أن فهم الشعوب المهزومة نتيجة تخلفها لا يمكن أن تقوى على تثمين حتى ثقافتها وحفظ هويتها وباشر بمدارسه ومناهجه الكثيرة دراسة هوية هذه الشعوب ليكون أداة في يد المستعمرين ويستخرج الكنوز من تراثها وآدابها كما يستخرج المعادن والبترول من أراضيها· هنا ايضا تجده يفاخر بأنه حفظ هذه الكنوز من الضياع فثمنها ولكنه في الوقت ذاته استحوذ عليها وضمها إلى متاحف لندن وباريس ونيويورك· وفي الوقت الذي كان الاستشراق فعلا يجري أبحاثا ودراسات وينتهي إلى نتائج وأحكام لم نجد نحن سوى ردة فعل هزيلة تقول بالاستغراب، تصب كل محاولاتها في تكذيب نتائج المستشرقين أو على أحسن تقدير التباهي والشطط بما في ماضينا والدعوة إلى الاكتفاء به· إن اخطر شيء يربك علاقتنا مع الغرب هو الجانب الثقافي وهو المعركة الأخيرة في حرب العولمة وهذا الجانب هو الذي سيحسم في تواصلنا مع الغرب إما تفاعل واستمرار من خلال المشاركة والاندماج في حضارة الغرب نفسه يقول عنها أنها لم تعد غربية وإن كانت أصولها كذلك بل هي اليوم إنسانية قاطرتها الدول الغربية فقط وإما أن ننسحب من الساحة ونفقد بالتالي حتى ردود الفعل لأن إرادتنا تصبح مشلولة بفعل النمط العولمي اليوم للثقافة ولمجتمع المعرفة الذي يعرف تدفقا سريعا تصعب معه المتابعة والعيش في عالم الغد· في مقابل هذا الرأي لا زلنا نحن نتأرجح ونعيش في ضبابية تصوراتنا فنحن رفضنا الأنوار الغربية ورفضنا الحداثة الغربية ورفضنا ما بعد حداثة الغرب ونرفض اليوم عولمته· ماذا نريد إذن ؟ عن أي شيء نبحث ؟ ماذا نريد من الغرب في تصورنا لعلاقتنا به ؟ لا أتصور أننا نملك إجابة دقيقة لا في حاضرنا ولا في مستقبلنا وما لم نقرر بوضوح، بعيدا عن الانبهار والاستيلاب والتهور، فيماذا نرغب أن تكون عليه روابطنا بالغرب سنظل نعيش بمرض انفصام الشخصية نعيش اللحظة التي صنعها الغرب تكنولوجيا لكننا نرفضها من منطلق الهوية· وهذه مصيبتنا التي تكرس تخلفنا وتضعنا في ذيل قائمة الشعوب·