مخرجات اجتماع مجلس الوزراء : رئيس الجمهورية يريد تسريع تجسيد الوعود الانتخابية والتكفل بحاجيات المواطن    افتتاح السنة القضائية: رئيس الجمهورية يجدد التزامه بتوفير كافة الشروط لضمان عدالة مستقلة ونزيهة    مستغانم.. فسخ أزيد من 20 عقد امتياز لاستغلال عقار صناعي    الاتحاد الدولي للصحفيين المتضامنين مع الشعب الصحراوي يدين اعتداء الاحتلال المغربي على الصحفي ميارة    دراجات/الاتحاد العربي: الاتحادية الجزائرية تفوز بدرع التفوق 2023    إبراز جهود الجزائر في مكافحة العنف ضد المرأة    بومرداس.. ترحيل 160 عائلة من قاطني الشاليهات إلى سكنات جديدة    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    وفد طبي إيطالي في الجزائر لإجراء عمليات جراحية قلبية معقدة للاطفال    تواصل اجتماعات الدورة ال70 للجمعية البرلمانية لمنظمة حلف شمال الأطلسي بمونتريال    كأس الكونفدرالية الإفريقية: شباب قسنطينة يشد الرحال نحو تونس لمواجهة النادي الصفاقسي    مجلة "رسالة المسجد" تنجح في تحقيق معايير اعتماد معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي    حرائق الغابات في سنة 2024 تسجل أحد أدنى المستويات منذ الاستقلال    كرة اليد/بطولة افريقيا للأمم-2024 /سيدات: المنتخب الوطني بكينشاسا لإعادة الاعتبار للكرة النسوية    سوناطراك تتبوأ مكانة رائدة في التحول الطاقوي    اختتام "زيارة التميز التكنولوجي" في الصين لتعزيز مهارات 20 طالبا    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح السنة القضائية 2024-2025    مجلس الأمن يعقد جلسة غدا الإثنين حول القضية الفلسطينية    ملتقى وطني حول التحول الرقمي في منظومة التكوين والبحث في قطاع التعليم العالي يوم ال27 نوفمبر بجامعة الجزائر 3    الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي : مشروع "غزة، من المسافة صفر" يفتك ثلاث جوائز    الحفل الاستذكاري لأميرة الطرب العربي : فنانون جزائريون يطربون الجمهور بأجمل ما غنّت وردة الجزائرية    افتتاح الملتقى الدولي الثاني حول استخدام الذكاء الإصطناعي وتجسيد الرقمنة الإدارية بجامعة المسيلة    الجَزَائِر العَاشقة لأَرضِ فِلسَطِين المُباركَة    عطاف يستقبل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإيراني    عين الدفلى: اطلاق حملة تحسيسية حول مخاطر الحمولة الزائدة لمركبات نقل البضائع    الوادي: انتقاء عشرة أعمال للمشاركة في المسابقة الوطنية الجامعية للتنشيط على الركح    "تسيير الارشيف في قطاع الصحة والتحول الرقمي" محور أشغال ملتقى بالجزائر العاصمة    الجامعة العربية تحذر من نوايا الاحتلال الصهيوني توسيع عدوانه في المنطقة    لبنان: ارتفاع ضحايا العدوان الصهيوني إلى 3754 شهيدا و15.626 جريحا    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    الخضر أبطال إفريقيا    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة        قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى أطفال سوريا...
نشر في الجزائر نيوز يوم 08 - 01 - 2013

يا أرباب الحرب في هذا العام الجديد القديم، إن وقع سياطكم على ظهر الحقيقة، يجعلها تكذب .
يا أطفال سوريا يا أحبائي، أقسم يا صغاري، أن الحرب تشم الجثث المُحتملة وهي بعد طازجة مُكدسة بالحياة، أقسم أن الحرب ترى نوايا معجبيها الأكثر قابلية للانخراط في مؤسستها متعددة الاحتكارات، إنها لا تبذل جُهدا البتة، لا تتحرك حتى من على كرسييها الوثير، إنها لا تفعل أكثر من أن تغامر بالنجاح وقتما شاءت، أن تقامر برؤوسنا المنتفخة بشحم العَصبيات، وبأفكارنا المثقوبة بحَمية الانصياع لصوت أنانيتنا، ونَحنيتنا.
يا أطفال سوريا: لا أفهم من عجن طينة الإنسان، وجعل منها قالبا بشكلِ الحرب تماما؟ من عجن طينة الحرب وجعل منها قالبا بشكل الإنسان؟
الحرب لم تكن نارا يوما، إنما كانت هشيما، ووحده الإنسان، ذلك المُفوض السري للدمار ومبعوثه الموثوق به، إلى الإنسان، الذي يعرف ذلك، لكنه ورغم ذلك، لم يكن سيفا بقدر ما كان عُنقا.
إن الحرب، وهذا أشد الفجيعة فيها، تشبه الحُب جدا، بل وإنها لتقلده فوق ذلك، في مشيته المتباطئة المتجانفة المُسرعة المتثاقلة، وفي تهوره عندما يستثمر طيبة الإنسان، الحرب هي نسخة طبق الحسرة للحب، إنها تملك الحصانة العاطفية نفسها التي يمتلكها، ومقلاع الاستئصال ذاته.
يسألني أطفال سوريا: من الذي اخترع الحرب يا ترى؟ أول من اخترع الحرب؟
من الذي اكتشفها؟ هو السؤال الأصح ربما؟: منطق الرعب، تسويق الترهيب وأشياء أخرى، لجعل الإنسان كائنا وديعا مُدجنا، لإفراغه من أحلامه، الحرب حقنة كبيرة تشفط من وريد الإنسان مستقبله، لا غد في أجندة بلادٍ خطتها يد الحرب، الحرب بقرةٌ تجتر لحم ماضينا التعيس، لذلك أفكر أن هذا العام هو عام قديم جدا، وأحس أنه مرّ ذات عام.
الحرب هي صوت رغبةٍ بدائية في احتكار الموجود والغائب معا، صوت قادم من كهف النزوات المتوحشة الأولى لجدنا الإنسان، ذاك الذي يسكن في غرفنا المغلقة فينا، في بيتِ التفاتنا إلى دعوات الدم، الباب طينيّ هش يمكن تهشيمه بعبارة واحدة يطلقها صوتنا المربوط على أعمدة الإنسان: يغرينا الصوت: إن قلبنا لا ينبض إلا بدقات الآخرين، ويضيف: الدم غاسول لتبييض الموت، القتل لإحياء القتلى الطيبين!!!
الحرب احتكار للإنسان، احتكار للعنف، احتكار للفرح، واحتكار الحب كذلك، هذا هو عشق الحرب الأكبر، وهذا هو تنفيذها الأكثر تَحضّرا وتمدنا لبروتوكولات البدائية والفناء.
الحرب هي احتكار الاحتكار كذلك، ما معنى أن تكون يا من تستثمر في ترويع الأطفال، موزع الأفراح الحصري بين الناس؟ أن تحمل الأفراح لتفرقها عليهم، بحيث تمكن لنفسك أن تجعلهم يتخمون بالسرور، أو يفنون بمجاعة البؤس إذا أنت شئت؟
إن هذا ما يحدث في الحرب، فموزع الأفراح مجهول الهوية معلوم الهواية، لا أحد يعرفه ملامحه، لكنه ومع ذلك فهو موجود وحقيقي جدا، متحكم في قلوب الخلق، فمرة يأتي خبرا، ومرة حادثا، وأخرى هاجسا، كقاتل مضاعفٍ، كسرابٍ معدني.
ماذا يعني أن أُحكم غلق قلوب الناس؟ أن أجعل عند مدخل كل قلب كلباً يحرسه؟ ليمنع دخول زوار العواطف إليه؟ وأن أضع مُخبرا عند كل نبضةٍ مشبوهة؟
الحرب هي مشروع احتكار شامل، تُشيد أبراجا بجثث أحلام الأطفال، ليتسلق الكبار، يقفزوا فوقها شاقين طريقهم إلى حلمهم الأعلى، هكذا تختصر الحرب العمر والحلم.
الحرب هي الوريث الشرعيّ لأحزاننا، إنها تبديد لأحزانِ الروح، فخٌ عالٍ، وحيلة مُقْنعة جدا، تنسجها الأفكار المثقوبة على مقاس المستقبل مجهول المقاس، لتُلبسها الحياة لأرواحنا، كي تنطلي عليها مكيدة الخلاص السريع، لتعيش تحت إمرة ما يدّعي حمايتنا، ذلك المتسبب الوحيد في شأن إبقائنا متخبطين بين قبضات أعدائنا، المختفين خفية داخلنا خلف أسوارنا التي تقيمها قلوبنا بحجارة غبائنا المقدس.
الحرب حقيقةٌ مزيفة، وزيف حقيقي، منزلة بين الحقيقة والزيف.
إن كل قدر من أقدارنا الآتية، يرسل داعيا له في أشيائنا ليُسخّرها له، والحرب هي ذلك الداعي، رسول الإنسان الخاوي إلى الإنسان الخاوي.
الحرب ذئبٌ يحرس خرفان الوجود، ومباغتة تمارسها شرعية شريرة للإنسان، لترسيخ عبوديته، ليظل ظهرا خاضعا لديمقراطية السياط، وليتيه مبتعدا عن نفسه، سائرا إلى سواها، لكنه لا يبرح أن يلتفت شطر الروح التي خلفها بعيدا، حتى يعود أدراجه إلى ذاته، حينها تكون المسافة عمرا آخر كاملا ينبغي قطعه، هذا هو اختصار الأحلام، هكذا ليجد نفسه في الأخير متأخرا بعصور عن موعده مع أمانيه التي تستدرجها لتجتلبها، أحزانه الكبيرة.
يا أطفال سوريا: ما زلت أذكر أيام الحرب التي لم تسمّ حربا... كنت في الخامسة عشرة، كنت في كل ليلة، وقبل أن أخلد إلى محاولاتي الفاشلة للنوم، أُدخل معي مزهرية حبقي الصغيرة، لأضعها في غرفتي فوق مكتبي الصغير، قبالة سريري، لتقضي الليلة بجانبي، كنت أحس بخوف كاسح يملأ كل ما فيها، أقسم أني كنت أرى فرائسها ترتعد، وهي على سياج الشرفة خارج الغرفة، وأسمع خفقات أوراقها المتسارعة، ودقات أغصانها الرهيفة المُضطربة المتلعثمة، كنت أسمعها نعم، وهي تناديني، بلغة كانت تحرك بوشوشاتها الخفية الغامضة، أشياء قلبي الواضحة، كانت تهمس لي مترجية ألا أتركها خارجا في العراء، كنتُ أخشى عليها من الحرب، من الرُعب الذي كان يغوص كالخنجر العصبي في لحم المدى كله، وفي أنفاس الضعفاء، أقسم أني كنت أسمع بحتها وهي تناديني من الخوف، كلما اقترب الليل وحل الظلام.
الخوف..... ما هو الخوف؟
بل من هو الخوف.... ؟ إنه سلطة الآخر وهي تتمدد فينا، وهواه الذي نؤثث له مكانا واسعا وثيرا في ضيقنا، لنعطره ونكيفه بعد ذلك، ونرعاه، نحن نرعى الخوف فينا ونربيه، الخوف نحاتٌ عكسي يعيدنا إلى صخرة الإنسان، الخوف تلميذُ الحرب المجتهد، إنه لا يتعلم كيف يحافظ على سلامتنا، بل كيف يحفظ مصالح أستاذته الاستراتيجية، في الانتداب علينا.
إن الحرب هي الرابط الوحيد، بين الحرية والإنسان، هذا ما يظنه الإنسان، وإن المسافة بين الوردة والسكين، تستطيع أن تكون وردة لا سكينا.
الحرب جملة لا فعلية ولا اسمية ولا ظرفية، الحرب جملة نرمي بأحرفها في سماء يانصيب مصائرنا الحائرة، وننتظرها، لتسقط مرتبة كما ينبغي للدمار.
إن الحرب مثل غيرها من الكائنات الأنانية تعدنا بالاختفاء في كل حين، إنها تجرؤ على أن تهددنا بالمغادرة، ظانة بذلك أننا سنتعلق بها إذ ذاك، فنسألها البقاء.
الحرب إحساس مؤجل بالحزن، لا يشتد فحيح وهجه إلا في حطب أملنا، أملنا الذي يصورها لنا على أنها مجرد كابوس طارئ سينتهي مع بزوغ فجر طارئ، الفجر المُزوّر إياه الذي يتبين لنا فيما بعد بأنه كان حطاب الحرب المخلص، الأشد ذراعا .
يا أطفال سوريا، إن حقائب الحرب تعبئ أغراضها على مهل، لتقتل كل فرح غامر قد يشمت فيها، لأنها تعرف أن الربيع المفاجئ، هو قبرها الضيق الذي لن تقوم منه أبدا، لذلك فإنها لا تطلق سراحه إلا على دفعات، فمرة تُسرح العشب، وأخرى تحرر الزهر، أو تعتق رقبة غابة أو زقاق، وكأنها تقايضنا الفرح بأعمارنا، أو كأنها تبادلنا أسرى سكينة قلوبنا، بسكينة أخرى ندفعها على أقساط، ندفعها من أعمارنا القصيرة، التي شيء لها أن تنتهي قبل أن تبدأ حتى.
فأي نذر هذا الذي نذره الإنسان للأزل، أي نذر ثقيل نعم، ذلك الذي نذرته الحياة للأزل؟
ثم تنتهي الحرب، ستنتهي الحرب ذات يوم يا أطفال سوريا، ستهزمونها وكأن شيئا لم يكن، وكأن كل شيء سيبقى.
والكبار هم الذين يسرقون لحظاتنا الكئيبة من خزائن تاريخنا، ويضعون بدلها قطع زمن أخرى مزورة خاوية في تجاويف ذاكرتنا، كي لا نسعد بأيامنا التي تلي سنوات الحرب إذا ولت، لذلك فاحذروا يا صغار سوريا، لما تنتهي الحرب، أن يسرق الكبار منكم هذه الحرب. كي لا تلمحوا نلمح ماضيكم ولا حتى حاضركم، حتى يصير كل ما يمر عليكم مجرد فزاعة: لإنسان مجوف مملوء بقش النسيان. فاحذروا.
يا كبار العالم: يا ويلنا من أطفال سوريا حين يكبرون، يا ويلنا...
*جامعة تيزي وزو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.