تقتصر صورة هواة الراديو في مخيلة المواطنين البسطاء على ما تبثه بعض أفلام هوليوود، التي كثيرا ما أدرجت هؤلاء في مشاهد لا تستمر عادة سوى ثوان أودقائق.. عن أناس يجلسون خلف أجهزة إرسال واستقبال بسيطة يتواصلون من خلالها مع نظراء لهم في هذا المجال، أو يساعدون على إنقاذ مفقودين وسط عرض البحر أوكومات الثلوج. وفي الواقع لا تخرج هذه الصورة النمطية لهواة الراديو في أفلام هوليوود عن حقيقة هذه الهواية الموجودة فعلا منذ عشرات السنين، ليس فقط في الدول الغربية المتقدمة التي بإمكان هواة الراديو فيها اقتناء عتاد هوايتهم للتواصل لاسلكيا انطلاقا من بيوت واسعة الأرجاء، ولكن أيضا في الجزائر، حيث يوجد حوالي 5 آلاف هاوي راديو مسجلين لدى الفضاء الجمعوي الناشط في هذا الإطار. ورغم أن حوالي 200 فقط منهم يملكون حاليا رخصا رسمية لممارسة هذه الهواية، إلا أن ذلك لا يبدو أنه ينال من عزائم الباقين الذين يطمحون يوما ما إلى الالتحاق بركب عشاق ذبذبات راديو الهواة، التي تأخذهم في رحلات مجانية إلى كل أصقاع الدنيا، والتواصل مع نظرائهم في الجزائر أوفي أبعد البلدان الأخرى. هواة الراديو هم أشخاص يمارسون هواية بعد ساعات العمل ليقوموا باتصالات داخلية وعبر العالم، وهذا بفضل جهاز بث واستقبال، وعن طريق الهوائيات التي تبث الذبذبات. هذا هو التعريف الذي يقدمه، عن هواة الراديو، عفيف بن لاغا، رئيس جمعية هواة الراديو الجزائريين، وهي الجمعية الوحيدة والأولى من نوعها في بلادنا، حيث تأسست في 23 مارس من سنة 1963، أي بعد سنة واحدة فقط من استقلال الجزائر. ويشير ذات المصدر إلى أنه يوجد حاليا حوالي 5 آلاف هاوٍ راديو مسجل لدى الجمعية في بلادنا. أما من يملك رخصا ويمارس هذا النشاط فعليا فيصل “عددهم إلى أكثر من 200 هاوي راديو فقط"، وكثيرا ما ينتظم هؤلاء الهواة في نوادي يصل عددها إجمالا على المستوى الوطني إلى 55 ناديا، بعضها فقط تابع للجمعية المشار إليها، وفق عفيف بن لاغا، الذي يشير أيضا إلى أن هناك نوادٍ أخرى مولتها ولاية الجزائر العاصمة خلال الثمانينيات، في فترة حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، حيث “استوردت عتادا من الخارج هوائيات وأعطته لنوادي هواة راديو على المستوى الوطني وذلك على مستوى بعض الهيئات والمؤسسات، على غرار الكشافة الإسلامية الجزائرية والمؤسسات الشبانية". وحسب ذات المتحدث دائما، فليست كل النوادي الموجودة على المستوى الوطني تنشط حاليا، والنوادي التي تمارس نشاطها هي “التي مولتها الجمعية بمساعدة وزارة الشباب والرياضة، والتي دخلنا معها - أي الوزارة - في شراكة منذ سنة 2000". ويوجد من بين النوادي النشطة حاليا كلا من نادي الأغواط ونادي بوسعادة اللذين “يضمان أكبر عدد من الهواة، بعد الجزائر العاصمة التي تبقى هي الأولى في هذا المجال". سألنا رئيس الجمعية أيضا عن سبب كون 200 هاوي راديو فقط يملكون رخصا، من بين الخمسة آلاف الموجودين عبر التراب الوطني، فكان جوابه أن عتاد البث والاستقبال المستعمل في هذا النشاط هو عتاد حساس واستيراده من الخارج يحتاج إلى وثائق ورخص استغلال، يتم الحصول عليها من لدن الوكالة الوطينة للذبذبات، وهي هيئة تابعة لوزارة البريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال. وقال عفيف بن لاغا، رئيس الجمعية، أن هذا العتاد مستورد من الخارج رغم أن هاوي الراديو قادر على صنع أجهزته بنفسه، وهو"أمر حدث فعلا رغم إلزامية وإجبارية التصريح في هذه الحالة من أجل الحصول على الذبذبات". وأكد ذات المتحدث أنه ربما كان هذا الديكور غير مشجعا بخصوص المعطيات المحتشمة التي تميز عدد الممارسين فعليا لهذا النشاط، “وذلك على اعتبار أن الحصول على رخصة لممارسته في بلادنا قد تصل عندنا إلى أربعة أشهر كاملة، في حين أنها مثلا تصل إلى 36 ساعة فقط في دولة الإمارات العربية المتحدة"، وفق رئيس الجمعية الذي يضيف أن هذ ا النوع من العتاد يعتبر في المتناول ومتوفر في الخارج، حيث تتراوح أسعاره بين 200 و 5 آلاف أورو حسب نوعية وأقدمية العتاد، ومن بين أشهر العلامات الموجودة في هذا الإطار علامتي “كان وود" و«يانسو"، وكلاهما علامتان يابانيتان على اعتبار أن اليابانيين هم “أسياد" الإلكترونيك في العالم، ويليهم الأمريكيون. ويؤكد ذات المتحدث أنه يمكن، من خلال راديو الهواة، التحدث مع جميع هواة الراديو الآخرين في مختلف دول العالم، حيث يبقى الهدف من ذلك، وفقه دائما، إرساء صداقات بين الشعوب وتمثيل البلاد أحسن تمثيل، على اعتبار أن هاوي الراديو يعتبر، خلال نشاطه، سفيرا لبلده من ناحية التعريف به وتقديم ثقافته أمام الآخرين. ويضيف عفيف بن لاغا بقوله أن “هذا النشاط لا يشكل أي خطر على الأمن القومي من ناحية الذبذبات المستعملة، لكون الذبذبات التي يستعملها هواة الراديو لها أروقة خاصة لا يمكن أن تتداخل مع أروقة أخرى تستعملها الأجهزة والمؤسسات الأمنية أوالعسكرية أوحتى المدنية، مثل سوناطراك أوسونلغاز، وهذه الأروقة التي يستعملها هواة الراديو مسجلة لدى الوكالة الوطنية للذبذبات التي تمنحها للمستعملين، ولا يمكن سوى لهواة الراديو استعمالها، حيث يتم تكييف العتاد المستعمل من جانبهم على هذا الأساس". ويضيف عفيف بن لاغا بقوله أنه “خلال زلزالي الأصنام وبومرداس اللذين ضربا المنطقتين على التوالي سنتي 1980 و 2003، كان هناك دور إنساني لهواة الراديو، حيث بعثنا فرقة مكونة من هواة الراديو بكامل عتادهم، وكان عملهم مجانيا ودون مقابل ضمن ذبذبات خاصة تستعملها الفرقة الخاصة بحالة الطوارئ في مثل هذه الحالات. وتقوم هذه الفرقة بإعطاء معلومات حول العائلات، موضوع الانشغال، لذويهم في الخارج من خلال هواة راديو حزائريين أوأجانب موجودين في دول أجنبية". وأضاف عفيف بن لاغا أنه خلال زلزال بومرداس سنة 2003 “دخلنا بهذه الطريقة في اتصالات مع هيئة الحماية المدنية الفرنسية لتقديم هذا النوع من المعلومات حول العائلات موضوع الانشغال، وكذا حول الحاجات الإنسانية وتبليغها إلى الهيئة المشار إليها، ومن ثم تبليغها أيضا إلى جهات أجنبية أخرى". وأضاف رئيس الجمعية:«نحن نقوم بذلك في ظل غياب الاتصالات أثناء الزلازل، وبعد عودة المياه إلى مجاريها ننسحب في هدوء، وحتى في حالة انعدام الكهرباء أثناء الزلازل أوكوارث أخرى فيمكن تشغيل عتادنا باستعمال بطاريات أوالطاقة الشمسية أثناء النهار من خلايا خاصة بذلك"، مضيفا أنه “جرت هناك مساعدة أشخاص تائهين في الصحراء أوفي السواحل البحرية من خلال هواة راديو تلقوا إرسالات من جانب هؤلاء التائهين". من جانبه، يشير بن سعيد توفيق، النائب الأول لرئيس الجمعية ، يقول أن هاوي الراديو خاضع لقانون دولي يتضمن أنه لا ينبغي التحدث عن السياسة والدين والتجارة من أجل تجنب الجدل بين هواة الراديو المتخاطبين، وأن يكون الحديث عاما ومشتركا وخاصا بهواة الراديو، حيث يمكن الحديث مثلا على نحو متبادل عن أحوال الطقس". واستفيد من مسؤولي الجمعية أنه منذ زلزال سنة 2003 يتم إجراء “مناورات" في الأسبوع الأخير من كل شهر ماي من كل سنة، وهي “المناورات" التي يتم من خلالها “محاكاة حالات الطوارئ باستعمال أجهزة ضعيفة القوة وهوائيات بسيطة، والهدف هو إجراء اتصالات داخلية وخارجية لمعرفة قدرتنا وجاهزيتنا في الاتصالات في مثل هذه الحالات الطارئة، و التعود على بث واستقبال الرسائل في مثل هذه الحالات الطارئة أيضا". واستفيد من ذات المصادر أيضا أن هواية الراديو لها “فائدة اجتماعية كبيرة، حيث استطعنا من خلال هذا النشاط جذب الكثير من الشبان وانتشالهم من حالة الضياع والفراغ التي يعيشونها". و بالنسبة لهواة الراديو الذين لم يتمكنوا بعد من الحصول على رخص وعتاد لممارسة نشاطهم، أكدت ذات المصادر أن “هدفنا هو تمكين هؤلاء من الحصول على عتاد ورخص، وأيضا تمكينهم من التكوين لدينا من أجل الحصول على رخصة، هذا التكوين نحن نوفره مجانا، هو مفتوح لجميع الأعمار والمستويات بالنسبة للجنسين". واستفيد أيضا من مسؤولي الجمعية أن التكوين على مستوى الجمعية بالنسبة لهواة الراديو مدته ستة أشهر، حيث يجرى في نهايته امتحان تحت إشراف الوكالة الوطنية للذبذبات قبل تسليم رخصة ممارسة النشاط للفائزين، مشيرين إلى أنه “من بين هواة الراديو الموجودين في الجزائر هناك أطباء ومحامون وإطارات عليا في سلك العدالة وصحفيون وحرفيون وبطالون". أما في العالم فإن مسؤولي الجمعية يوردون عدة أسماء شهيرة في مجال هواية الراديو، على غرار الممثل الأمريكي الراحل “مارلون بروندون" وملك إسبانيا “خوان كارلوس"، والملك الأردني السابق الراحل حسين بن طلال.